"دانيال منصور".. قائد فذ رحل شهيداً وورث جيلاً مجاهداً

الساعة 01:57 م|03 أغسطس 2023

فلسطين اليوم

إن المعروفَ لا يُعرَّف أبداً، جسور بأسه شديد يفِلَّ الحديد، ما أروعه ذاكَ الذي يعمل بصمت، يتخفى عن أنظار الشهرة والرِّياء، يتزاحم والصادقين لحجز مقعد في الجنة، يودع زوجه والصغار كل مساء، يعلم أنَّ رجلاً يحمل همَّ الوطن فوق كتفيه وروحه هو على موعد مع الشهادة في أي لحظة للقاء ربه..

يرحل قدراً وكأن السَّماء تشتهى قربه، وحين تخطو بنا الخطوات لنلقى أهله، تتلعثم الحكايا في وصفه، كأنَّه قطعة من الجنة، فبأي روح نلتقي الشهداء حين نذكرهم، فلا نُحسِنَ لهم من الوصفِ شيئاً..

تأتي ذكرى العظماء؛ لتجدد فينا العزم على مواصلة النهج الجهادي المقدس، ولتبعث فينا الأمل من جديد نحو النصر والتحرير، ولتذكرنا بأولئك الأبطال الذين رسموا بدمائهم طريق العزة والإباء، نستذكر اليوم (8/3) الذكرى السابعة لرحيل القائد الهمام، الذي أفنى حياته في سبيل الله حتى اصطفاه الله شهيداً على ثغر من ثغور الجهاد والمقاومة في معركة البنيان المرصوص، إنه الشهيد القائد دانيال منصور "أبو عبد الله" عضو المجلس العسكري لسرايا القدس وقائد لواء الشمال.

بزوغ الفجر

ولد الشهيد القائد دانيال كامل محمد منصور، كبقية مواليد فلسطين في فترة امتزج فيها الألم بالأمل، وضجّت صرختهُ الأولى بين زقاق المخيَّم المثقوب والغارق بهم القضيَّة، في الثالث عشر من يونيو حزيران من العام 1973م، لعائلة فلسطينية تعود أصولها لبلدة "القسطينة " قبل الهجرة، واستقر بها الحال بمخيم الشابورة بمدينة رفح، حالها حالَ العوائل المهجرة التي تجرعت معاناة الاحتلال وإجرامه.

وأكمل دراسته الابتدائية والإعدادية بمدارس وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين، ودراسته الثانوية في فرع الصناعة بمجال الصيانة والكهرباء، وتزوَّج عام 1994م وأنجب خمسة من الأبناء هم عبد الله وعلاء وأسامة وسارة وبيسان.

الإنسان الخلوق

"حين نصف البعض تغيب الكلمات"، بهذا الكلمات استهلت "أم عبد الله" زوجة الشهيد القائد "دانيال منصور" حديثها لـ"موقع السرايا"، موضحة أنها وجدت في زوجها صفات الإنسان الخلوق، ذو الهمة العالية، والروح المرحة، وتمتع بحب جميع من حوله، ولم يبغضه أحد.

عُرف "أبو عبد الله" بحنانه وعطفه على الجميع، لاسيما صغاره وأطفال المخيم وأبناء أشقائه، بالإضافة إلى إخلاصه ووفائه لرفاقه وأصدقائه، وفي شاهد بسيط على وفائه وتقديراً من "أبو عبد الله" لظروف بعض أصدقائه الصحية ممن بترت أطرافهم بمشوارهم الجهادي، قام بتجهيز غرفة داخل منزله الجديد، وتأثيثها بمقاعد ووسائل استضافة تتناسب مع أوضاعهم الصحية.

وأكملت "أم عبد الله" حديثها قائلة: "زوجي اعتاد على تربية القطط فتجلَّى عطفه لهن، يأتينه كُلَّما شممنَ ريحه وأدركن حضوره في المنزل، وكان يُجهز لهُنَّ الطَّعام في وعاءٍ صغير، حيث كانت لديه قطة محببة إليه، وعقب استشهاده اختفت ولم تعد للبيت".

درب الجهاد

نكشف اليوم عن سيرة جنرال صنديد يحمِلُ همَّ الأرض فوقَ روحِهِ وعُمره، فالناظر إلى وداعته ولين جانبه يستبعد أن يقف خلف هذا الوجه إعصار من العمل والجهاد للوطن، حتى يُفجِّرهُ بعد عمرٍ من الاجتهادِ والجهاد والمثابرة.

وفي ذات السياق، أجرى موقع السرايا لقاء مع "أبو محمد " رفيق درب الشهيد القائد "دانيال منصور"، الذي رافقه منذ اللحظة الأولى لعمله في حركة الجهاد الإسلامي.

يقول أبو محمد: "الشهيد القائد دانيال منصور انتمى في بداية التسعينات لحركة الجهاد الإسلامي، انطلاقاً من أزقة المخيم الفقير برفح مخيم "الشابورة"، حيث التزم مع بعض الأخوة في مسجد العودة، واستطاع من خلالهم أن يتعرف على أفكار ومبادئ ومرتكزات الحركة، واقتنع بها وراح ينظر لها بين صفوف أصدقائه ومحبيه".

واظب "أبو عبد الله" -رحمه الله- على حضور الندوات الدينية والفكرية التي كانت تعقد في مسجد العودة، وكان محباً للعمل الإعلامي، وبناء على ذلك تم تكليفه من قبل الأخوة في اللجان الإعلامية بمهمة توزيع المنشورات والكتابة على الجدران والإعلان عن العمليات وغيرها من هذه الأعمال.

وعرف "أبو عبد الله" بإلتزامه الديني والوطني والجهادي، وقد جعل من بيته منذ بداية عمله الجهادي مقراً ونقطة التقاء للعمل التنظيمي والانطلاق من داخله، بالرغم من الوضع الأمني المتردي؛ نظراً للوجود الصهيوني المكثف بقطاع غزة آنذاك، فكان بيته عبارة عن النواة الحقيقية الذي يلتقي فيه الجميع للتخطيط والعمل.

برز "أبو عبد الله" بدوره الكبير في قيادة الإخوة بمسجد العودة، وعمل بجد على إعداد الكوادر الشابة بالإضافة إلى تنظيره المستمر لحركة الجهاد الإسلامي، وكان الناظر إلى "أبو عبد الله" في حياته يجده إنساناً أشبه بـ " المحرك " لا يكل ولا يمل، يعمل في كل الظروف ولا يأبه بالمعوقات..

هذه المسئوليات لم تنهِ حياته الخاصة، ولم تمنعه من العمل طلباً للرزق، فعمل بالعديد من المهن كالبناء والسباكة، وكان له محله الخاص في بيع أدوات السباكة، ولم يلحظ أن عمله في كلا الاتجاهين قد تعارضا للحظة من اللحظات، وظل مستمراً بنفس الفاعلية والنشاط.

عنفوان قائد

تزوج الشهيد القائد دانيال منصور وأنجبت زوجته 5 أبناء، ولم يمنعه ذلك من مواصلة مشواره الجهادي، بل شعر الجميع من حوله بأنه أقحم في العمل والمسئولية بشكل أكبر وأعمق، واستمر في ممارسة دوره الجهادي حينها في قيادة المسيرات، وتنظيم بيوت عزاء الشهداء، وأشرف على تنظيم مسيرات الأكفان والمقنعين، وفعاليات حرق الأعلام الصهيونية والأمريكية، إلى جانب اهتمامه الشديد بزيارة أهالي الشهداء وعوائلهم، والذي كان مواظباً على زيارتهم من حين لآخر.

بقي "أبو عبد الله" متأثراً بحادثة اغتيال الشهيد القائد هاني عابد، صاحب القلم الموسوم والكلمة الصادقة، لدرجة أن عيونه كانت تسخى بالدموع كلما تذكره أو ورد ذكر اسمه على لسان أحد.

ولا ينسى أبناء الجهاد الإسلامي مشهد "أبو عبد الله" أثناء مشاركته الثائرة في مسيرة تشييع  الشهيد هاني عابد وحفل تأبينه الذي أشرف عليه بنفسه.

وعلى الرغم من عدم إكمال "أبو عبد الله" مشواره الدراسي؛ إلا أنه كان يشارك في أغلب نشاطات "الجماعة الإسلامية" الإطار الطلابي لحركة الجهاد الإسلامي آنذاك، وكان يشارك في الدعاية الانتخابية لانتخابات مجلس الطلبة في جامعتي الإسلامية والأزهر.

وتابع "أبو محمد": "لم يكد يستفق الشهيد دانيال من صدمة استشهاد الشهيد القائد هاني عابد حتى انفتق جرحه من جديد بنبأ استشهاد الدكتور المؤسس فتحي الشقاقي أمين عام حركة الجهاد الإسلامي بحادثة اغتيال جبانة على أيدي الموساد في مالطا".

ويضيف: "كان وقع نبأ استشهاد الدكتور عظيم على قلوب محبيه بشكل عام وعلى قلب الشهيد "أبو عبد الله" بشكل خاص، فمكث لمدة ثلاثة أيام في بيت عزاء الشهيد الشقاقي، وفي اليوم الثالث صنع مجسماً لرئيس وزراء العدو آنذاك "اسحق رابين" وقام بتعليقه على عمود للكهرباء أمام منزل الشهيد فتحي الشقاقي، وأمام كاميرات التلفاز قام بضرب المجسم بالسكين عدة ضربات، كرسالة عبّر فيها عن حالة الغضب التي كانت تعتري قلوب أبناء الجهاد الإسلامي جراء حادثة الاغتيال الجبانة بحق الدكتور"الشقاقي -رحمه الله-".

القائد المخلص

عمل الشهيد القائد "أبو عبد الله" في إحدى الفترات مرافقاً للشيخ المجاهد "نافذ عزام" عضو المكتب السياسي لحركة الجهاد الإسلامي لفترة من الوقت، وقد كان مثالاً للجندي المسلم والمرافق الحريص على أمن الشيخ أبو رشاد وأسراره.

كان يعمل بصمت في الوقت الذي تخلف فيه الكثير من الأشخاص عن دورهم؛ خوفاً من بطش السلطة وقبضتها الحديدية، ولم يمضِ الوقت الطويل حتى بدأت استدعاءات الاعتقال تتهافت بالجملة على منزل الشهيد "أبو عبد الله"، وبدأت السلطة بملاحقة الإخوة المجاهدين، وقمع تجمعاتهم، واستدعائهم إلى مقراتها، وقد اعتقل الشهيد "أبو عبد الله" لدى أجهزة أمن السلطة عدة مرات، ذاق فيها ألوان العذاب ومرارة السجن والظلم.

وأشار "أبو محمد" إلى نقطة كي يخلدها التاريخ للشهيد القائد "أبو عبد الله"، فعلى الرغم من كثرة اعتقاله وسجنه وتعذيبه من أجهزة أمن السلطة، إلا أنه لم ترد إلى عقله فكرة الانتقام والثأر، بل ظل محافظاً على علاقة مميزة بالكثير من أبناء الأجهزة الأمنية المبنية على فكرة الشراكة في الدفاع عن هذا الوطن مهما اختلفت الأفكار والرؤى السياسية، الأمر الذي ترك أثراً كبيراً في نفوسهم فيما بعد، ودفع الكثير منهم للالتحاق بصفوف الجهاد الإسلامي، وانخراطهم في العمل الجهادي ضمن صفوف سرايا القدس.

وأضاف قائلاً: "لا أنسى وصية والدة الشهيد دانيال منصور لي -وهي تحتضر قبيل وفاتها بلحظات- مرددة عبارة "دير بالك على دانيال".. كانت هذه آخر الكلمات التي نطقت بها قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة وتصعد روحها إلى بارئها.

ومع بدايات اندلاع "انتفاضة الأقصى" بدت علامات الفرح تظهر على محيّا "أبو عبد الله" بفعل هذه الانتفاضة الوليدة، وقام من جديد بإعادة تنظيم الشباب، حيث برز دوره في قيادة العمل بمدينة رفح، ولم ينحصر دوره في تجنيد الشباب وتأطيرهم الحركي، بل حمل سلاحه البسيط وكان يذهب مع مجموعة من الشباب للإشتباك مع جنود الاحتلال وآلياته عند بوابة صلاح الدين الحدودية، ما أدى إلى إصابته في إحدى الاشتباكات بإصابة خطيرة في الكبد كادت أن تقتله، لكن بفضل الله ومنته تعافى من هذه الإصابة، وعاد من جديد ليباشر عمله.

تفرّغ الشهيد "أبو عبد الله" بشكل كامل للعمل الحركي في هذه المرحلة، وكان يقوم بالإشراف على العمل الإعلامي من نشاطات وملصقات تخص حركة الجهاد الإسلامي في بيوت عزاء الشهداء وبيانات تبنيهم من قبل الحركة، وكانت لا تخلو مسيرة تشييع لشهيد إلا ويكون الشهيد دانيال على رأسها.

وتكلف الشهيد "أبو عبد الله" من قبل الدائرة العسكرية بإدارة وحدة الإعلام الحربي لسرايا القدس سابقاً، حيث أحدث الشهيد نقلة نوعية في مجال الإعلام المقاوم، وعمل على تطوير العمل الإعلامي من خلال إصدار الكثير من الكتب والنشرات والدوريات، وكذلك إنتاج الأفلام والكليبات العسكرية التي تخص الشهداء وسيرهم الذاتية، وتوثيق العمليات العسكرية لسرايا القدس, وكان عمله مميزاً جداً وذا بصمة خاصة استحق إعجاب الكثيرين؛ نظراً لأن الجمهور المقاوم كان متعطشاً جداً إلى المادة الإعلامية التي من شأنها تعزيز روح المقاومة في نفوس أبناء شعبنا الفلسطيني.

روح العطاء

ونظراً لتميز الشهيد القائد دانيال منصور وتحليه بروح المسؤولية العالية، وتحمله لهموم العمل كلها على كاهله، فقد تم تكليفه من قيادة سرايا القدس بالمسؤولية عن قيادة وحدة المعلومات والاستخبارات في قطاع غزة، وقد أخذ الشهيد منذ اللحظة الأولى بتطوير هذا الملف وتنظيم العديد من الإخوة المميزين في هذا المجال، وعمل بجد ونشاط برفقة الكادر الذي أشرف على تعيينه بنفسه كخلية النحل، وتلقى الشهيد "أبو عبد الله" عدة دورات خاصة وعليا في هذا المجال، مما جعله يتقدم بشكل ملحوظ في الأمن والمعلومات.

وفي الفترة التي سبقت الحرب الأخيرة على غزة معركة "البنيان المرصوص"، كلف الشهيد بمسؤولية قيادة سرايا القدس في لواء الشمال، والتي شعر الجميع حينها بعظم المسؤولية الموكلة إليه.

كان الشهيد "أبو عبد الله" يتنقل بين المناطق في قطاع غزة، ويشرف بنفسه على إنجاز العديد من النقاط التي تخص العمل، ويقوم بالوقت ذاته بدور الأخ والقائد والمصلح والمربي والكل يُصغي إليه ويشعر بمدى مسؤولية هذا القائد الفذّ، ومدى إحساسه بالعمل، وإخلاصه وتفانيه في السير على خطى الشهداء، وخطى المؤسس الدكتور فتحي الشقاقي.

عمل شهيدنا القائد دانيال منصور على إعداد جيش من المجاهدين في لواء الشمال، إلى أن داهمت الحرب قطاع غزة، حيث قتل البشر، وأقتلع الشجر والحجر، ودمرت البيوت على رؤوس ساكنيها، وسلبت البسمة عن وجوه الآمنين، ورملت النساء ويتم الأطفال، حينها كان الشهيد القائد "أبو عبد الله" يلبس بزته العسكرية ويتقدم الصفوف متنقلاً من ميدان إلى ميدان، ومن جبهة إلى أخرى يوجه إخوانه المجاهدين، وترقب عيونه الثغور، ويعطي الأوامر إلى إخوانه المجاهدين لصد التوغلات ونصب الكمائن وإطلاق الصواريخ.

وفي الأيام الأخيرة التي سبقت لحظات استشهاده، كان "أبو عبد الله" يستحضر ذكرياته مع الإخوة الذين رافقوه على امتداد فترة عمله في صفوف حركة الجهاد الإسلامي، وكان كثيراً ما يردد أسماءهم ويسأل عنهم وعن أحوالهم وكأنه يودع الدنيا.. لم يمضِ عليه كثيراً من الوقت حتى فارقه أعز الناس إلى قلبه وعلى رأسهم الشهيد القائد صلاح الدين أبو حسنين، والشهيد القائد شعبان الدحدوح، والشهيد القائد حافظ حمد، والشهيد القائد محمود زيادة، وكثيرون ممن تأثر كثيراً لفراقهم خلال معركة "البنيان المرصوص".

ومع اشتداد المعركة واستمرار العدو في غيّه وطغيانه من قصف للبيوت واستهداف للمناطق المأهولة بالسكان والعائلات والأبراج، أقدم العدو الصهيوني في الثالث من شهر أغسطس آب 2014م على استهداف  أحد البيوت التي تعود ملكيته لعائلة "نجم" في جباليا شمال قطاع غزة، والذي كان الشهيد " أبو عبد الله " متواجداً بداخله هو ومجموعة من إخوانه المجاهدين، إلى جانب مرافقه الشخصي عبد الناصر العجوري، الأمر الذي أدى إلى ارتقاء الشهيد القائد "أبو عبد الله" والشهيد "عبد الناصر العجوري" وأغلب سكان العائلة المجاهدة، التي ما بخلت بتقديم دمائها وأرواحها في سبيل الله، ثم في سبيل حماية المجاهدين.

وشكّل نبأ استشهاد القائد "أبو عبد الله" صدمة كبيرة على نفوس أبناء سرايا القدس والقيادة العسكرية، وظن العدو واهماً في تلك اللحظة أنه باغتيال القادة سيحسم المعركة لصالحه وسيجبر المجاهدين على رفع الراية البيضاء، إلا أن مجاهدي السرايا أثبتوا له العكس، واستطاعوا مواصلة المعركة بكل قوة مع مراعاة ما تقتضيه المرحلة من تكتيك.

وختم "أبو محمد" حديثه لموقع السرايا برؤية رآها في منامه بعد استشهاد الشهيد دانيال منصور بأيام قليلة قائلاً: "رأيته في المنام وأنا أجلس في مسجد العودة، وهو المسجد الأول الذي يحظى بمكانة كبيرة في قلبي وقلب "أبو عبد الله"، فرأيته يدخل من باب المسجد القريب من المنبر مشمر اليدين ويتقاطر الماء عن يديه وكأنه متوضئ، وأقبل نحوي وأنا أجلس كجلوس التشهد، وسلّم عليّ وهو يضحك، وجلس بجانبي وربت على كتفي، طبعاً غمرتني الفرحة بهذه الرؤيا واستبشرت خيراً وسألت الله له الفردوس الأعلى".

ودعا أبو محمد محبي الشهيد "أبو عبد الله" بأن يسيروا على خطاه، وألا ينسوا أهله وعائلته، وأن يستذكروا سيرته العطرة ويستمدوا منها دروس التضحية والفداء في سبيل الله وفي سبيل رفعة هذا الدين.

شهــــــــادة مؤجَّلة

في بداية انتفاضة الأقصى وتحديداً عام 2001 كان الليل والبندقية أنيسيه، وكما العادة حمل سلاحه ليكون في الصفوف الأولى حتَّى أصيب على الحدود؛ ليغرقَ بالشَّظايا في الكبد والحجاب الحاجز، وظلَّ لفترةٍ طويلة يتلقَّى العلاج حتّى منعته الإصابة من عمله الاعتيادي في مهنة "السباكة" وتفرَّغ بالكامل لعمله داخل صفوف سرايا القدس.

تقول زوجته الصابرة والمحتسبة: "لم يكن ليصل إلى ما وصل إليه  في سنواتٍ محدودة؛ إلا لأنه كان تقِيَّاً في عمله، يواصل الليل بالنهار، يتغيَّب عن بيته وأهله، ولكنه يدرك مع كُلِّ غياب أن الوطن والقضيَّة الفلسطينية من الصَّعبِ أن تُدوَّل في المحافِل دون التضحياتِ والدِّماء وتقدُّم القائد قبل الجندي في الميدان.  

الجنرال يستشهد

لم يكن فجر الاثنين عادِيَّا على ذويه وتلاميذه ورفاق دربه، ففي الثالث من أغسطس آب لعام 2014م أعلنت سرايا القدس استشهادَ عضو المجلس العسكري وقائدها في شمال قطاع غزة دانيال منصور "أبو عبد الله"، حتى اشتعلت الحناجر الغاضبة وجعاً باسمه؛ ليجوب عُرسه من الحد الشَّمالي حيث مقر استشهاده لأقصى جنوب القطاع بمسقط رأسه، وكأنَّ رجُلاً  مثله لا يستوي له إلا الوصولَ للوطنِ كلَّ الوطن.

وعن كراماته، فقد زار أحد أقربائه في المنام -وكان واقفاً مكان الإمام-، وحين سأله أين تكون يا أبا عبدِ الله وقد كان مُبتسماً، حيثُ رد عليه حينها بأنَّهُ قريبٌ منهم جداً وكأنه معهم، وكأن هذه الكرامات لا تأتي إلا لهم؛ لتخجل الروح أمام التضحيات، ونرى عظم منزلتهم، فالسلام على من امتشق بندقية بوصلتها فلسطين.

 

كلمات دلالية