إسرائيل وانكماش قدرة الردع في مواجهة حزب الله.. بقلم / ياسر عرفات الخواجا

الساعة 07:21 م|13 يوليو 2023

فلسطين اليوم

مازال القلق الوجودي  الاستراتيجي يخيم على منظومات الكيان الصهيونى وخصوصًا المنظومة الأمنية والعسكرية، وذلك من خلال متابعتهم لسلوك حزب الله فى رسم استراتيجية متقدمة في إدارة الصراع، وذلك من خلال وضع قواعد جديدة وفرض واقع عسكري جديد  على الكيان، ويسعى حزب الله من هذا التحدى الجديد  إبراز  عدم قدرة  "إسرائيل"  وعجزها عن التغيير.

وإن هذا التطور فى سلوك المقاومة بات واقعًا قابلاً للتمدد أكثر. وأما فيما يتعلق بإقامة حزب الله لموقع عسكرى داخل الأراضي التى تحتلها "إسرائيل" فإن المشكلة عند الاحتلال تكمن في أن هذا الفعل يأتي ضمن سلسة من التحديات  فرضها حزب الله على الحكومة الإسرائيلية التى وبالتأكيد سوف تنصاع لمطالب حزب الله كما في كل مرة بدءاً بمنصة الغاز كاريش ومروراً بالصواريخ التى أطلقت من الحدود اللبنانية وليس انتهاء بإقامة موقع عسكرى لنخبة الرضوان داخل الأراضي المحتلة .

والسؤال الجوهري هنا منذ متى والكيان الصهيونى يتنازل عن ثروة هامة مثل الغاز؟ ، ومنذ متى يُعهد على "إسرائيل" -المنتفشة غرورًا- القبول بالتنازل عن أمنها؟، ومنذ متى تقبل "إسرائيل" أن تنصاع لتحدي منظمة تصفها بالإرهاب في حين أن هذه المنظمة تفرض حالة من التحدى الواضح والصريح
 علناً
وإن المتابع للشأن الصهيوني يرى أن "إسرائيل" لم تستطع الرد على الحزب بنفس المستوى، بل حافظت الأخيرة على الصمت والتزام أقصى درجات ضبط النفس، ولم يخرج من قيادتها سوى بعض العبارات الجوفاء، مثل ما صرح به وزير الحرب غالانت: "الجيش الإسرائيلى لن يبقى ضابطاً للنفس لفترة طويلة، ولن يسمح لحزب الله باستغلال ضبط النفس والقيام باستفزازات متكررة". ويتضح من هذا التصريح وأمثاله مدى هشاشة وضعف هذا الكيان المردوع والمأزوم والمهزوم، وهذا بشهادة ذوى الاختصاص الأمنى فى الكيان الصهيونى الذين يؤكدون حقيقة مفادها: أن حزب الله هو من يردع إسرائيل.

وتجدر الإشارة إلى أن  هذه الحقيقة المتعلقة بالكيان لم تكن لتوجد لولا ذكاء حزب الله وقدرته على إدارة المواجهة المنقطعة النظير، وذلك من خلال الفهم العميق للعقلية الإسرائيلية،  وإدراك  نقاط ضعف العدو  ونقاط قوته، وكيف يتم استغلال ذلك واستثماره بما يخدم مصالح الحزب فى إدارة المواجهة.

بعض الخبراء فى الأمن القومى الإسرائيلى يصرحون بأن حزب الله لديه قدرة استخباراتية هائلة، لدرجة أن لديه معلومات أمنية حقيقية حول كل المواقع الحساسة والاستراتيجة في الكيان،إضافة لما يملكه حزب الله من قدرات عسكرية تشكل دوماً  تهديدًا وجودياً لإسرائيل في أي معركة مقبلة وموسعة، الأمر الذي من شأنه أن يضع  "إسرائيل" على المحك الحقيقى.

هذه هى حقيقة الواقع الذى لو تحدثنا عنه قبل سنوات ما صدق أحد بأن المقاومة قادرة على تحقيق كل هذه القوة وهذا التقدم فى مشروعها المقاوم، وها نحن أصبحنا اليوم نرى كيف أن حزب الله قدم لنا استراتيجية الانتصار على أرض الواقع وليس عبر الأمنيات والرجاء؛ هذا التطور بات يزرع فى الوعى الجمعي العربي والإسلامي أن دولة الاحتلال التى تخشاها دول عربية كبرى باتت تنصاع لرغبات ومطالب فصائل المقاومة فى جنين وغزة ولبنان، وهذا كله يؤصل لمرحلة جديدة  من الصراع عمادها وأساسها أن المقاومة هى من ترسم حدود القرار الإسرائيلي، وأن الإسرائيلي الذى كان يصول ويجول في المنطقة والعالم معربداً بكل قوته بات مقيدًا فى وجود المقاومة، ومحصوراً فى دائرة الردع التى شكلتها له المقاومة عبر العديد من المواجهات. 

وهذا كله يعكس صورة لواقع حقيقي مفاده أن المقاومة اليوم أصبحت قادرة على مراكمة إنجازاتها وقوتها والبناء عليها؛  للوصول إلى هذه الحالة الردعية التى تجعل المحتل مقيداً وغير قادر على تنفيذ رغبته فى المواجهة، ولكن وعلى النقيض فإن سياق الواقع وحيثياته الميدانية يشير إلى أن هناك استعداداً كبيراً من طرف الحزب للمواجهة، وهو متسلح بعقيدته وإيمانه بأنه سينتصر فى معركته العادلة التى ستعيد له الأرض المغتصبة، وهذا ما يتمثل في سعيه بكل السبل لاستدراج "إسرائيل" للمواجهة، وهو مدرك تماماً  تفاصيل هذا الكيان، ويتحرك وفق هذه الحقيقة التى تتعلق بضعف بنية الجبهة الداخلية لدى الكيان والانقسام السياسي والعرقي والحزبي الذي انعكس على كل جوانب الحياة الاجتماعية  والاقتصادية، إضافة إلى ضعف الجبهة الداخلية والاستعدادات للصمود فى حال اندلاع المواجهة الموسعة مع حزب الله.

الخلاصة:لقد وضع حزب الله "إسرائيل" فى دائرة الاضطراب الأمنى والعجز العسكرى، فهي تعيش الآن بين حالين هما: الرغبة فى القتال والتخلص من التهديد الوجودي الذى تشكله له المقاومة وإعادة قوة الردع التى ذهبت دون عودة، وبين القدرة القتالية والعسكرية على تحقيق ذلك. فإسرائيل القوية عسكرياً والتى تأتى فى المرتبة الثامنة عشر فى قوة الجيوش على مستوى العالم لم تستطع ردع المقاومة والقضاء عليها.. بل أصبحت الآن تخشى وتحسب حساب أي تداعيات من شأنها أن تعود عليها بمزيد من تآكل الردع ومزيد من توسع رقعة احتمالات التهديد الوجودي لها.

كلمات دلالية