كيف لهذا المخيّم أن يُهزم؟

الساعة 11:09 ص|09 يوليو 2023

فلسطين اليوم

د .وائل طحاينة

( رُويدا رُويدا وأنت تخطو على هذه الأرض، فهذا الترابُ مقدّسٌ ومبارك... هنا مرّ فارسٌ يمتطي بسالَته، وهناك نَزَف مقاتلٌ مُعمّمٌ بالكبرياء دماءَه ومضى باسمًا.

رُويدًا رُويدًا وانت تطأ الثرى، فهذا الغبار الكثيف بقايا معارك لم تحسمها الطائرات، ولا المدرّعات المحصّنة، فتكحّلت بها عينُ المخيّم؛ ليُبصرَ النصرَ رغم قساوة المشهد، ورغما عن المشبعين بالهزيمة والفناء.

على رِسلكم أيّها المارّون من هنا... هلّا تأمّلتم هذا اليقين الذي تفيض به أعين المقنّعين القابضين على المجد سلاحًا لا يضل الطريق ولا يعرف الصدأ؟

هلّا صمتتم خاشعين أمام هذا الكبرياء الذي تفيض به جنبات هذا الحيّ الذي جاءه الموت من كلّ اتجاه لكنه لم يُفرّط لحظةً بظُفر مقاتل؟

هلّا قرأتم في وجوه الأمّهات مراثي الوداع مجبولة بالدمع المكابر، وباللغة التي تبكي صامتة كي لا يشمت بها الأعداء؟

هل تأملتم ذات نخوةٍ حناجرهنّ وهنّ يستقبلن أولادهنّ شهداء، ويشاركن في وداعهم هاتفاتٍ: حيّ على الجهاد !

لطالما سألت في لحظة مكاشفة ثوريّة: من أيّ جبلّة هذا المخيّم؟ ومن أين يأتي سكانه بكلّ هذا الصبر على المحن، ورباطة الجأش عند المصائب؟

في كل بيتٍ من بيوته حكاية مفعمة بالألم... بالشهداء أو الجرحى... بالسائرين على دروب الشوك حفاةً مساكين... بالنازفين دماءهم شهادةً على أمةٍ فقدت مع المهزومين ملامحها، وأضاعت بالعجز ماضيها وحاضرها، وباعت في سوق النخاسة تاريخها ويومياتها!

في كل بيتٍ من بيوت المخيّم حكايةٌ من ألم، وغصّةٍ في حلق أيامها منذ النكبة الأولى حتى الخذلان الذي ما زال يجرح حياء المخيّم، ويستفزّ جراحه وعذابه.

لطالما جلست مع عدد من أبنائه البررة، وكم كنت خجولًا وهم يسردون حكاياتهم مع العذاب، وكيف استطاعوا تطويعه ليكون إلى جوارهم يمدّهم باليقين، ويحضّهم على القتال.

والقتال في مفردات الوعي حكايةٌ أخرى، كأنّ أطفال المخيّم يولدون في معملٍ من البارود، فيستأنسون منذ طفولتهم بالسلاح، ويصير مع الوقت جزءًا من ملامحهم، وساردًا أمينًا لبسالتهم، وحارسًا وفيًّا لأحلامهم.

السلاح في مخيّم جنين من متمّمات الوقت والحياة، فلا تخلو كتفٌ من بندقيّة، ولا يخلو حُلمٌ من اقتناء عتاد.

والأهالي هناك يباركون في أبنائهم هذا الإباء، ويُسهمون معهم في شرائه، ويدركون جيدًا أنّه سبيلهم نحو النصر أو الشهادة، لهذا يستقبلون جحافل المقاتلين بالحبّ، ويكلّلونهم بالدعاء، ويخفضون لهم أجنحة الذلِّ من الرحمة والمساندة، وإذا ما ارتقى أحدهم شهيدًا تسابقوا لخلافته والسير على هداه.

فقولوا لي بربكم كيف لهذا المخيّم أن يُهزم؟

كلمات دلالية