خبر خطاب أوباما.. قول على قول ..عريب الرنتاوي

الساعة 06:30 ص|07 يونيو 2009

خطاب أوباما.. قول على قول ..

عريب الرنتاوي

  راوحت التعليقات على خطاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما ما بين حدين اثنين: الأول ، مفرط في التفاؤل ، ذهب حد وصفه بـ"التاريخي" و"الصفحة الجديدة" و"التحول النوعي" و"نقطة الانعطاف" و"العلامة الفارقة".. والثاني: مفرط في العدمية ، إذ تحدث عن "خنجر مسموم خلف الكلمات المعسولة" ، و"جديد قديم" ، و"خطاب قديم لرئيس جديد" ، و"رداء للإمبريالية" و"خطاب وعظي" لا يجلب نفعا ومفرغ من أي مضمون ، إلى غير ما هنالك من توصيفات تلتقي في مضمونها وتختلف في أشكالها.

 

إن هذا التباين في تقييم النص ذاته ، لا يعكس فقط اختلاف مواقع ومواقف الذين تصدوا لمهمة التقييم ، بل ويؤشر إلى خلل واختلال منهجيين كذلك ، فبعض المرحبين بالخطاب سبقوا أوباما نفسه ، ونسوا أو تناسوا أن الرجل حرص على خفض سقف التوقعات من خطابه ، وهو نفسه قال أن ركام ستين عاما من الصراع لا يمكن لخطاب واحد أن يزيله وإن يُحل محله مداميك الثقة المتبادلة ، وأن الأمر يتطلب أفعالا وليس أقوالا فحسب.

 

أما المفرطون في التشاؤم ، فقد نسي بعضهم تناسى أن هذا الخطاب لباراك أوباما ، وليس للسيد حسن نصرالله أو للأخ خالد مشعل ، لقد طالبوه بقول ما لا يقله عادة الزعماء العرب أنفسهم ، طالبوه بأن يكون عروبيا أكثر من البعث ، وفلسطينيا أكثر من حنظلة ، أخذوا عليه أنه لم يدع لتفكيك المستوطنات في الوقت الذي قبلت فيه القيادة الفلسطينية وكثير من القيادات العربية بتبادل الأراضي وتمكين إسرائيل من الاحتفاظ بالكتل الاستيطانية الكبرى ، طالبوه بالتضامن مع "هولوكوست" الفلسطينيين في غزة ، وهو كما يعلم الجميع ، ليس من صنع إسرائيل وحدها ، وكثيرون من العرب يريدون شطبه من ذاكرتنا وذاكرة شعبوهم ، كثير من زعمائهم أفزعتهم حقيقة أن كارثة غزة قد تعيد الاعتبار لإسرائيل كمصدر رئيس للتهديد ، بعد أن بذلوا كل ما في وسعهم لوضع إيران في هذه الخانة.

 

نعم ، لم يذهب باراك أوباما إلى حد تقديم جديد نوعي ـ استراتيجي في خطابه ، والرجل لم يعتذر عن إساءات أمريكا وانتهاكاتها الفظيعة لحقوق العرب والمسلمين وكراماتهم في العراق وأبو غريب أفغانستان وفلسطين ، لكن السؤال مَن مًن العرب طالبه بذلك ، أظن أن لهجة أوباما مع إيران كانت أكثر احتراما لهذه الدولة مع أن خلافتها مع الولايات المتحدة أكثر عمقا وسخونة واتساعا من أي دولة عربية على الإطلاق.

 

قبل أن نلقي باللائمة على أوباما وخطابه ، علينا أن نتساءل عن مسؤوليتنا نحن عن المآلات التي انتهينا إليها ، سواء فيما خص قضايا الوطنية والقومية أو ما تعلق منها بتحديات التنمية والتحوّل الديمقراطي واحترام حقوق الانسان ، ففي كل هذا الملفات ، ليس هناك موقف رسمي عربي واحد ، أكثر تقدما ولو بخطوة واحدة مما ورد في خطاب اوباما ، أليست هذه مفارقة المفارقات؟،.

 

ثم أن النظر لهذا الخطاب يجب أن ينطلق أيضا من زاوية المقارنة مع خطاب السنوات الثماني العجاف الفائتة ، "مبدأ بوش" في السياسة الخارجية الأمريكية ، الأحادية والحروب الاستباقية والوقائية ، تقسيم العالم إلى معسكرين واحد للخير والثاني للشر ، من ليس معنا فهو ضدنا ، استخدام القوة الصلبة والتوسع في استخدامها ، حروب على جبهات عدة ، كان يمكن أن تتوسع وتتعدد لولا الصفعات التي تعرضت لها حروب بوش على الإرهاب وفي العراق وأفغانستان ، التحالف المطلق مع اليمين الإسرائيلي والتغطية التامة لسياساته كما حصل مع كتاب الضمانات الأمريكية لإسرائيل في 14 نيسان 2004 والذي تنصلت منه إدارة أوباما وفقا لتصريحات هيلاري كلينتون ، إلى غير ما هنالك.

 

حتى في الموقف من حماس والمقاومة ، يبدو لي أن في خطاب نفسا جديدا ، فأوباما ذكر المقاومة في خطابه وإن حض على نبذ العنف ، لكأنه يعترف بأشكال المقاومة الأخرى ويجيزها ، وأوباما اعترف بتمثيل حماس لجزء من الشعب الفلسطيني وهو دعاها لا لوقف أنشطتها "الإرهابية" ضد إسرائيل فحسب ، بل ودعاها أيضا للعمل دفاعا عن مصالح الشعب الفلسطيني ووحدته ، وهذا أمر تتعين متابعته والبناء عليه.

 

ثمة جديد في خطاب أوباما ، لا يرقى إلى مستوى التطلعات ، ولا يلتقي مع جميع مصالحنا ، أو بالأحرى مع مصالحنا كما نعرفها نحن ، بيد أنه ليس من السياسة في شيء القول بأن الخطاب لم يأت بجديد ، وأن جديده قديم ، وأنه لا يسمن ولا يغني من جوع.