خبر خطاب أوباما بين السحر والحقيقة ..خليل العناني

الساعة 06:17 ص|07 يونيو 2009

خمسون دقيقة كانت كافية كي يلمس فيها باراك أوباما قلوب وعقول الملايين في العالم العربي والإسلامي، ولكنها قد لا تبدو كافية لمحو الإرث الثقيل للمحافظين الجدد وما فعلوه خلال السنوات الثماني الماضية بقيادة الرئيس السابق جورج دبليو بوش. وقد كان الهدف الرئيسي لأوباما هو طيّ صفحة الحادي عشر من سبتمبر 2001، وفتح صفحة جديدة مع العرب والمسلمين، فهل يكفي الخطاب وحده؟

تحليل الخطاب

 

"أمريكا تتغير"، هذا ما حاول أوباما أن يقوله في خطابه للعرب والمسلمين. وقراءة سريعة لمضمون الخطاب تكشف أنه كان خطاباً تصالحياً مع العرب والمسلمين، وهو ما يمكن استكشافه بسهولة من عبارته التي سيسجلّها التاريخ باسمه وهي أن "الولايات المتحدة ليست في حرب مع الإسلام". وكان ملفتاً أن الرئيس أوباما لم يستخدم كلمة "الإرهاب" مطلقاً في ثنايا خطابه، وعندما تحدث عن تنظيم "القاعدة" استخدم كلمة المتطرفين والمتشددين وليس الإرهابيين.

 

وبوجه عام فقد قامت بنية خطاب أوباما علي أربعة أعمدة رئيسية أولها تجنُّب استخدام أي كلمات تنتمي للعهد البائد للرئيس السابق جورج بوش سواء فيما يخص المواجهة مع المتشددين، أو فيما يرتبط بالعلاقة مع العالم الإسلامي. ثانيها يتعلق بوضوح الخطاب وشموله، فقد كان أوباما واضحاً في لغته، حازماً في لهجته، صريحاً في كلماته. فهو لم يستخدم عبارات أو كلمات تُبطن عكس ما تُظهر، أو تقبل التأويل والتحوير حسب رغبة المتلقي ومصلحته. كما نجح الخطاب في التعرض لكافة القضايا التي تهم العالم الإسلامي بدءاً من أفغانستان وباكستان مروراً بالعراق وإيران، وانتهاء بإسرائيل والفلسطينيين، دون إغفال دارفور والأقباط وحقوق المرأة والأقليات ودعم الديمقراطية.

 

ثالثها: يتعلق بسقف الخطاب وما قد يؤدى إليه، وهنا كان أوباما واقعياً كما هي عادته في وضع النقاط علي الحروف. فهو قال حرفياً أن خطابه لن يغير ميراث سنوات وعقود من التوتر والتعصب والعداء بين الغرب والعالم الإسلامي، ولكنه أيضا أكد أن خطابه يمثل صفحة جديدة في العلاقة بين الطرفين، وأن ثمة جهودا مطلوبة من أجل البناء علي هذا الخطاب وفقاً لشعاره الشهير "احترام متبادل، ومصالح مشتركة".

 

رابعها: يتعلق بروح الخطاب، وأظن أنها كانت روح حضارية تسامحية تسعي للبحث عن المشترك الإنساني لدعمه والبناء عليه، والابتعاد الصريح عن فخ "صراع الحضارات". وهو ما تجاوزه أوباما بشكل عبقري حين أشار إلي دور الإسلام في إثراء الحضارة الغربية، مشيداً بمآثر ومنتجات العقل العربي والإسلامي علي مدار القرون الخمسة الماضية، ودورها في النهضة الأوروبية. كما كان الخطاب خالياً من جرعات الغطرسة والكبرياء التي كانت تحتويها خطابات جورج بوش الابن.

 

تقييم الخطاب

 

يختلف تقييم الخطاب بحسب المتلقي وتوقعاته، وهو قطعاً لم يرض كافة الأطراف، وإن كان الانطباع العام أن الخطاب كان متوازناً وموضوعياً. وخروجاً من دائرة الجدل حول ما إذا كان الخطاب يطرح جديداً أم أنه مجرد تغيير في الأسلوب واللغة، يمكننا تقييم خطاب أوباما من خلال القياس علي ثلاثة أمور، أولها هو الوضع قبل الخطاب وبعده. أو بالأحرى قبل وصول أوباما للسلطة وبعدها. وهنا لا جدال في أن ثمة اختلافاً هيكلياً حدث خلال الشهور القليلة الماضية، سواء لجهة المحتوى الفكرى والسياسي الذي يتبناه أوباما عن سلفه جورج بوش أو لجهة الأدوات التي يعتمد عليها أوباما والتي تقوم علي الدبلوماسية والشراكة الدولية والتعاون الإقليمي وليس الإقصاء والقوة العسكرية والاستعلاء. وأعتقد أن جزء مهم من ارتفاع سقف التوقعات لدي الشعوب العربية والإسلامية جاء عطفاً علي الإرث الثقيل لجورج بوش والمحافظين الجدد في العالم الإسلامي والذي أثار، ولا يزال، شكوكاً حول قدرة أوباما علي التخلص منه بسهولة.

 

الأمر الثاني هو اللغة المستخدمة في الخطاب ومفرداتها، وهي قطعاً لغة مختلفة ومغايرة سواء لجهة الألفاظ المستخدمة في توصيف العلاقة بين العالم الإسلامي وأمريكا، أو لجهة ما تحمله من دلالات وإيحاءات سياسية. وهنا يمكن القول أن كلمات مثل "حروب صليبية، محور الشر، الإرهابيين، القوة العسكرية، الضربات الوقائية، المواجهة ... إلخ لم يعد لها وجود في القاموس السياسي الأمريكي وتم استبدالها بكلمات أخرى تحض علي الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة. وقد استخدمت كلمة الشراكة بمشتقاتها 13 مرة في وصف العلاقة بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي وذلك فيما يخص القيم والمبادئ والطموحات والتحديات ... إلخ.

 

الأمر الثالث يتعلق بالهدف من الخطاب، وهنا يمكن القول بأن أوباما كان يهدف بالأساس إلي تحقيق أمرين أساسيين من خطابه أولهما هو إحداث نقطة تحول في العلاقات الإسلامية – الأمريكية في الاتجاه المعاكس للسنوات الثماني الماضية، بحيث تصبح علاقات شراكة وتعاون وليس صدام ومجابهة. ولهذا الغرض استخدم كلمة "بداية جديدة" أكثر من مرة للتأكيد علي رغبته في طي صفحة الماضي وتأسيس مرحلة جديدة من العلاقات العربية والإسلامية – الأمريكية علي أسس واضحة. أما الأمر الثاني فهو تحسين الصورة الأمريكية في العالم الإسلامي، وباعتقادي أن أوباما قد نجح بالفعل جزئياً في هذا الصدد، وهو ما يمكن اختباره من ردود الأفعال الإيجابية تجاه الخطاب، ورغبة كثيرين في أن تتحول كلمات الخطاب إلي سياسات لتغيير الأوضاع علي الأرض.

 

إذا الخطاب حقق أغراضه، علي الأقل من وجهة نظر صاحبه، الذي كان يهدف إلي امتصاص غضب المسلمين والعرب من سياسات سلفه، ويعيد تعريف العلاقة بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي من منظور إيجابي.

 

ما سكت عنه الخطاب

 

برغم شمولية الخطاب ومفرداته المتزّنة، إلا أنه لم يخل من مساحات للغموض وعدم الوضوح قد تدفع بالكثيرين إلي التقليل من أهميته أو تأويله بطريقة سلبية. فعلي سبيل المثال تحدث أوباما بشكل واقعي ومتوازن عن المأساة الفلسطينية وعن رغبته في قيام دولة فلسطينية، ولكنه لم يضع جدولاً زمنياً لإمكانية الوصول إلي هذه الدولة الموعودة وهو ما يطرح علامة استفهام كبيرة حول فرص قيام هذه الدولة. كذلك لم يتعرض الخطاب للقضايا النهائية في الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي كالحدود والمياه واللاجئين، وإن كان قد أشار إلي القدس بشكل عابر ومتوازن حين قال بأنه يجب أن تكون مكاناً لجميع الديانات الإبراهيمية.

 

كذلك لم يشر الخطاب إلي أية مبادرة أمريكية فيما يخص السلام في الشرق الأوسط، وكيف سيتحرك أوباما تجاه أطراف الصراع، خاصة الطرف الإسرائيلي الذي كان في حالة قلق واستنفار مما قد يقوله أوباما للمسلمين والعرب في خطابه.

 

وأخيراً لم يتضمن الخطاب أي سقف زمني للانسحاب من أفغانستان، بل أشار الخطاب ضمناً إلي إمكانية استمرار الحرب في أفغانستان وبقاء القوات الأمريكية حتى الانتهاء من أخر عضو في حركة طالبان أو تنظيم القاعدة.

 

لمن تحدث أوباما؟

 

لم يكن خطاب أوباما موجهاً، وعلي عكس ما قد يُفهم، للمسلمين والعرب فقط، وإنما أيضا لكافة الأطراف الأخرى المعنية بالعلاقة بين المسلمين والولايات المتحدة خاصة الشعب الأمريكي وإسرائيل. وإذا كان أوباما قد تحدث بصراحة في كثير من القضايا التي تهم المسلمين، فقد كان يراعي ردود أفعال الإسرائيليين والأمريكيين. لذا فقد شمل الخطاب كافة هذه الأطراف. فهو تحدث للعرب والمسلمين، كما فعل للإسرائيليين واليهود، والشيعة والسنة، والأفارقة والأقباط وأهل دارفور. لذا فهو كان يسعى لإرضاء كافة الأطراف من خلال خطابه، وباعتقادي أنه نجح في ذلك إلي بعيد. وكأنما كان يوّزع سحراً على الجميع. فمن جهة لم يخذل أوباما الفلسطينيين سواء في حقهم في العيش بكرامة، أو في الحصول علي حكومة مسئولة ودولة مستقلة. ومن جهة أخرى عرج علي التراجيديا اليهودية وما حدث للإسرائيليين لقرون طويلة، وحقهم في الوجود. ومن جهة أخيرة توجه لشعبه وطالبه بضرورة تغيير صورته النمطية عن الإسلام والمسلمين.

 

وفي ثنايا حديثه للعرب والمسلمين لم يغفل طرفاً، فتحدث عن الأقليات الدينية والعرقية كالشيعة والأقباط، وطالب بإنصاف المرأة ومساواتها مع الرجل، ولمس الوتر المشدود بين السنة والشيعة، وعرج علي اهتمامات ناشطي حقوق الإنسان والمدافعين عن الديمقراطية فوجه لهم رسالة ضمنية بعدم التخلي عن دعم الديمقراطية في العالم الإسلامي.

 

بين الأقوال والأفعال

 

بوجه عام لا جديد أتى به الرئيس أوباما في خطابه سوى التأكيد علي ما قاله مراراً سواء خلال حملته الانتخابية أو بعد توليه السلطة. بيد أن الجديد هو أن أفعال أوباما قد سبقت أقواله، وذلك علي عكس ما قد يري كثيرون. ويمكن الإشارة إلي ثلاث ملفات رئيسية شهدت تحولاً جوهرياً عن مواقف الإدارة الأمريكية السابقة. أولها ما يتعلق بإيران، فقد دعا أوباما صراحة إلي ضرورة الانفتاح علي النظام الإيراني وإجراء حوار دبلوماسي مع الإيرانيين، وذلك من أجل قطيعة استمرت ثلاثة عقود وقد كرر دعوته لها في خطابه الذي ألقاه في جامعة القاهرة. ثانياً أن أوباما قد قرر بالفعل الانسحاب بالعراق خلال عام ونصف وهو ما سيحدث بداية من يوليو المقبل. ثالثاً أن أوباما قرر إعادة الزخم للصراع العربي – الإسرائيلي باعتباره حجر الزاوية في المنطقة العربية، وقد اعترف صراحة بأن حل الصراع يمثل مصلحة قومية أمريكية في حين تبدو مواقفه من إسرائيل، خاصة في قضية المستوطنات وإقامة دولة فلسطينية، أمراً مغايراً تماماً لسلفه بوش.

 

والخلاصة أن أوباما حاول في خطابه أن يكسب القلوب والعقول في العالم الإسلامي وذلك خلال خمسين دقيقة فقط، وفي النهاية سيظل التاريخ حكماً عليه وعلى وخطابه، وما إذا كان صادقاً أم أنه كان ينثر سحراً؟

 

------------------------

 

نائب مدير تحرير مجلة السياسة الدولية – الأهرام