خبر تقرير أميركي: وظيفة « إسرائيل » ستتقوض نتيجة التحولات الديمغرافية المقبلة فيها

الساعة 02:48 م|05 يونيو 2009

فلسطين اليوم : وكالات

يبدو أن العلاقة الخاصة والمميزة بين واشنطن وإسرائيل بدأت تدفع الولايات المتحدة إلى دراسة طبيعة الوضع الإسرائيلي ومدى استقرار التقدم المطلوب لإسرائيل من النواحي الشاملة ما دامت الإدارات الأميركية تعتمد على الوظيفة التي تقوم بها إسرائيل في المنطقة لمصلحة الولايات المتحدة.

فإذا كان المختصون في العلوم الإستراتيجية يصفون إسرائيل بحاملة الطائرات الأميركية «غير القابلة للغرق» فإن القيادة العليا لهذه «الحاملة» لا بد أن تدرس بين فترة وأخرى مدى استقرار وقدرة هذه الحاملة على تأدية المهام الموكلة لها.

ومثلما في كل هيئة أركان عسكرية فرع للقوى البشرية يشرف على إحصاء واستيعاب الجنود والعاملين في الجيش فإن مراكز الدراسات التابعة للمخابرات الأميركية قامت هي أيضاً بدراسة مدى الاستقرار الديمغرافي للإسرائيليين في هذا الكيان الإسرائيلي، وتأثيره على مستقبل الدور الإسرائيلي.

ولهذا الغرض كلف «مجلس المخابرات القومي» الأميركي وهو أعلى مظلة يرتبط بها عدد من وكالات المخابرات الأميركية ومن بينها (سي آي إي) مستشاراً أميركياً مختصاً بالشؤون الديمغرافية هو ريتشارد سينكوتا مع إيريك كاوفمان من جامعة لندن بوضع دراسة حول مستقبل إسرائيل الديمغرافي نشرت مجلة فورين بوليسي جزءاً منها قبل أيام قليلة.

وتطرقت الدراسة إلى عرض الأسباب التي جعلت حزب «يسرائيل بيتنا» الذي يرأسه أفيغدور ليبرمان يفوز بـ15 مقعداً بشكل لافت ومستغرب وقد عزا البعض ذلك إلى حالة من الانبعاث الديني اليهودي المتشدد صهيونياً في أوساط الإسرائيليين وإلى «مصداقية» تحذير ليبرمان من الانسحاب من غزة وما أعقبه من تصعيد في مقاومة المستوطنات الإسرائيلية. لكن سينكوتا وكاوفمان وجدا أن سياسة ليبرمان المعلنة لترحيل العرب وتحذيره من الخطر الديمغرافي هو الذي لعب دوراً رئيسياً في حصوله على هذا العدد من المقاعد، وكشف الاثنان أن مكتب الإحصاء الإسرائيلي لاحظ أن الزيادة البشرية التي يحققها العرب الفلسطينيون في الأراضي المحتلة منذ عام 1948 والتي يحققها اليهود السلفيون المتدينون شرقيين كانوا أم غربيين هي الأكثر نسبة وبشكل مستمر منذ عام 1960. فبموجب إحصاءات عام 1960 كان نسبة الطلاب العرب والطلاب من المتدينين اليهود في المدارس الإعدادية 15% فقط ثم تبين من إحصاءات عام 2008 أن هذه النسبة أصبحت 46% كما تبين أن عام 2020 سيشهد وجود أغلبية لطلاب الإعدادية من صفوف العرب الفلسطينيين ومن صفوف المتدينين السلفيين غير الصهيونيين اليهود لأن اليهود العلمانيين وهم جميعاً من الصهيونيين لا يحققون نسبة تذكر في التكاثر البشري لأن معظمهم يفضل إنجاب ولد أو اثنين.

واستنتج الباحثان الأميركيان أن إسرائيل ستشهد في عام 2030 حالة ديمغرافية تجعل معظم الجمهور الانتخابي من صفوف العرب واليهود المتدينين السلفيين لأن أكثر نسبة من الشبان ستكون في صفوفهم وهذا ما جعلهما يقرران أن إسرائيل في عام 2030 لن يكون بمقدورها القيام بالدور والوظيفة التي تحقق المصالح الأميركية لأن العرب سيزداد تأثيرهم داخلها مقابل وجود متدينين يهود سلفيين لا يخدمون بالجيش الإسرائيلي.

ويرى سينكوتا أن تطوراً من هذا القبيل سيتناقض مع المشروع الصهيوني ومع تطلعات العلمانيين اليهود لدولة يهودية يقل فيها تأثير المتدينين اليهود من جهة ويقل فيها عدد العرب الفلسطينيين الذين سيفرضون ثقافتهم في وضع ديمغرافي من هذا القبيل في المستقبل.

وهذا يعني أن الجيل المقبل أي بعد عشرين عاماً سيكون جيلاً مختلفاً عن الصهيونيين الأوائل داخل إسرائيل وفي علاقاته مع الدولة ومع واقع جمهورها الانتخابي ومن المتوقع أن يجد قادة اليهود الصهيونيين العلمانيين أنفسهم أمام مواجهة مع المتدينين السلفيين وتطلعاتهم الاجتماعية والتقليدية التي تجعلهم فئة طفيلية تعيش على حساب العلمانيين لأنها لا تعمل وتحمل شعار: «التوراة وقراءتها هي العمل الوحيد فقط». ومن الجانب الآخر سيجد قادة الدولة أنهم أمام مواجهة استحقاقات يفرضها وجود العرب الفلسطينيين ونسبتهم التي قد تصل بعد عشرين عاماً إلى 30% أو 35% من العدد الإجمالي للسكان في الأراضي المحتلة منذ عام 1948.

وفي مثل هذه الحالة لن يتمكن رؤساء الحكومة ورؤساء البرلمان الإسرائيلي من تجاهل مشاركة ودور ثلث المجتمع الذي سيشكله العرب سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وقومياً أمام مجتمع العلمانيين اليهود.

ولذلك يقدر المحللون الإسرائيليون أن قادة الأحزاب الصهيونية والدينية الصهيونية يدركون منذ الآن خطر الفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة منذ عام 1948 ولا يكترثون مطلقاً لخطر المتدينين السلفيين اليهود لأنهم قادرون على إيجاد عوامل كثيرة مشتركة معهم من ناحية المحافظة على يهودية الدولة أو على أغلبيتها اليهودية رغم أن معظمهم لن يساهم كمتدينين في الخدمة العسكرية ولا في الأعمال المهنية الإنتاجية.

ويستند الباحثان الأميركيان إلى النتائج التي ظهرت خلال ستين عاماً على تطور الوضع الديمغرافي للكيان الإسرائيلي فيكتشفان أن الإسرائيليين حققوا قفزتين في عدد المستوطنين المهاجرين مرتين فقط وفي فترتين متباعدتين الأولى بين عام 1947-1951 حين بلغ عدد المهاجرين في تلك السنوات مع بقية اليهود في فلسطين المحتلة 700 ألف والثانية بين عام 1990 وعام 2000 حين بلغ عدد اليهود المهاجرين إلى إسرائيل من دول الاتحاد السوفييتي 900 ألف. ويستخلصان بموجب الأرقام التي تشير إلى عدد المهاجرين في السنوات الثماني الماضية حقيقة واضحة هي انحسار الهجرة إلى إسرائيل بشكل لم يسبق له مثيل بعد أن وصلت في كل عام إلى 15 ألفاً معظمهم من المسنين الذين يتحولون إلى عبء غير منتج فتظهر صعوبات تزداد تعقيداً بسبب الأزمة الاقتصادية الإسرائيلية.

ولا شك أن مثل هذه الاستنتاجات التي اطلعت عليها المخابرات الإسرائيلية وأصحاب القرار السياسي في إدارة أوباما ستلعب دوراً في تقييم الدور الإسرائيلي والصعوبات الديمغرافية التي تؤثر فيه سلباً رغم أن قادة إسرائيل كانوا قد اطلعوا قبل الأميركيين على هذه الاحتمالات وأعدوا لها على طريقتهم مشروع حلٍ هو فرض يهودية الدولة على العرب وعلى العالم.

فليبرمان، ونتنياهو وباراك وضعوا في مقدمة جدول عملهم السياسي موضوع التخلص من أي آثار ديمغرافية تحملها هذه التطورات واختاروا وسيلة عنصرية وحشية هي إجبار الفلسطينيين في الأراضي المحتلة منذ عام 1948 أولاً على الاعتراف بيهودية الدولة وهو ما لن يتحقق لأن 1.5 مليون من الفلسطينيين هناك لن يقبلوا بنسيان ذاكرتهم الوطنية والقومية وعلاقتها بالأرض وتاريخها.