السعودية ترفض التطبيع وتعيد رسم سياساتها

الساعة 01:26 م|10 يونيو 2023

فلسطين اليوم

بينما كان جيش الاحتلال في ذروة مناوراته العسكرية التي لا تنتهي لرفع جهوزيته - كما يقول - للتصدي لهجوم يباغته من عدة ساحات، وفي ذروة تهديداتهم لإيران؛ جاء الجندي المصري الشهيد محمد صلاح ليذكرهم بساحةٍ أغفلتها مناوراتهم، وغابت عن موازناتهم وحساباتهم، لكنها تسكن عميقًا في لا وعيهم، ليذكرهم بحقيقة العلاقة؛ علاقة العداء التي ظلت وستظل أقوى من كل سلام موهوم، برغم كل الاستثمارات الكبيرة فيه، لتؤكد على أن إسرائيل وبرغم موجات التطبيع من بعض أنظمة العرب الرسمية الناتجة عن مصالح طغم فاسدة أو دوافع مشبوهة، ستظل دولة منبوذة، وسيظل من يقيم معها علاقة يشعر بعار يحاول دومًا مداراته.

قبل سنوات، عاشت الدول العربية مرحلة شكّلت ذروة انحطاط وتحطم الأسوار وسقوط ما كان يشكّل بمثابة طابو عربي، وشعرت إسرائيل بذروة نجاح مشروعها، وتفاخر نتنياهو بأنه نجح في قلب الهرم على رأسه، وبتدخل قوي من قِبل أمريكا برئاسة ترامب، ألغى الاتفاق النووي مع إيران وافتتح مسار التطبيع مع الدول العربية، وبدأ العمل بمشروع هندسة سياسية جديده للشرق الأوسط، تقوم على أساس التمحور وتقسيم المنطقة إلى محورين؛ محور معتدل يشارك إسرائيل هواجسها ويكون جزءًا من مشاريعها، ومحور آخر مُعادٍ، حتى أن أحلامهم وصلت لتشكيل ما يسمى بـ "الناتو الشرق أوسطي"، وسقطت دول عربية عديده في براثن التطبيع، وازدادت إسرائيل غرورًا وتطرفًا وقتلًا واستيطانًا وتهويدًا على مرأى ومسمع ومشهد دول التطبيع؛ إلا أن مسار التطبيع بدأ في مواجهة تحدييْن كبيريْن؛ الأول: تبني ولي عهد السعودية محمد بن سلمان مبدأ سياسة المصالح في علاقات السعودية مع مختلف الدول، والتحدي الثاني: تعاظم القوة الإيرانية وترجماتها في الساحة العربية والدولية.

المملكة السعودية حتى نهاية عهد ترامب في البيت الأبيض كانت مرتبطة ارتباطًا تامًا بحالة من التبعية الكاملة للسياسات والمصالح الأمريكية، بغض النظر عن المصالح السعودية، على اعتبار أن أمريكا تتكفل دومًا بحمايتها، وأنها لا تستطيع ولا تريد أيضًا الخروج عن عصا الطاعة الأمريكية، ولربما لو بقي ترامب في البيت الأبيض لتعمق مسار هذه العلاقة، ولتعمق مسار التطبيع أيضًا، إلا أن موقف الديمقراطيين (الذين وصلوا إلى البيت الأبيض) من ولي العهد محمد بن سلمان على خلفية اتهامه بجريمة قتل خاشقجي، حشرت بن سلمان في الزاوية، ولم تبقِ له سوى خيار المواجهة والمناورة، وقد هاله وهو يراقب جارته إيران كيف لها أن تناكف أمريكا وتواجهها وتصارعها، وفي نفس الوقت أمريكا تفاوضها وتحرص على عدم استفزازها وتقدم على عقد تسويات معها.

وكانت أولى تجارب بن سلمان في مواجهة أمريكا بأنه رفض الانصياع لمطالب الغرب من أمريكا، حتى اليابان التي طالبته بزيادة إنتاج النفط لتعويض النقص الناتج عن العقوبات المفروضة على روسيا، ثم انفتاحه على روسيا والصين، والأهم إعادة حساب خريطة المصالح والسياسات السعودية في المنطقة والإقليم، الذي أنتج مسار التصالح مع قطر وتركيا لاحقًا، ثم مع إيران، والذي سيُتوج في الأيام القادمة بتبادل السفراء، وأخيرًا عودة سوريا للجامعة العربية واستضافة بشار الأسد في الرياض، وقد توج كل ذلك بمواجهة الضغوط الأمريكية على السعودية للتطبيع مع إسرائيل، حيث عمليًا رفضت التطبيع بربطه بشروط لا يُمكن تحقيقها في المرحلة الحالية على الأقل.

بداية عودة العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية بين إيران والسعودية، تنسف أحد أهم العوامل المصطنعة للتحالف والتطبيع مع إسرائيل، وهو عامل الفزاعة الإيرانية، حيث كانت إسرائيل وأمريكا تقدمان نفسهما بأنهما القادرتان على توفير الأمن والحماية للسعودية من "العدو الإيراني"، وسقطت بذلك أيضًا سياسة "فرق تسد"، وبتبني محمد بن سلمان لسياسة المصالح، صار مُمكنًا أن نرى أمريكا تدفع مقابل مصالحها في المنطقة.

دخول السعودية إلى مسار التطبيع مثل لكل من نتنياهو وبايدن الهدف الأهم والجائزة الأكبر، فبايدن يعتبرها جائزة كبرى ستساعده وتساعد الديموقراطيين كثيرًا في سباقهم الانتخابي، ونتنياهو وكل إسرائيل تعتبر التطبيع مع السعودية هو أهم انتصار سياسي في تاريخها يُمكن أن تحققه.

لذلك، تضع أمريكا التطبيع السعودي - الإسرائيلي على سلم أولويات حواراتها مع السعودية، وتستثمر فيه الكثير من الوقت والجهد، وتمارس الكثير من الضغط، لكن من المُلاحظ أن الموقف السعودي من التطبيع يزداد صلابة وقوة، وهذا ما تم تأكيده إثر لقاء بلينكن مع بن سلمان ووزير الخارجية السعودي، وكذلك في اللقاء السابق مع جاك سوليفان، مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض.

في إسرائيل، يراقبون بقلق شديد التحولات على الساحة العربية والإقليمية، من إعادة هندسة وتشكيل العلاقات العربية والإقليمية، ويقدرون بأن تغيرات عميقة تشهدها المنطقة، ويردونها إلى تعاظم النفوذ الإيراني، وأن البيئة المحيطة بإسرائيل تزداد عدائية. وقد جاء فوز أردوغان ليزيد صدمتهم، حيث كانوا يعتقدون بأن فوز كليتشدار أوغلو سيعمق العلاقات التركية - الإسرائيلية، وسيجعل تركيا تنتقل من موقف الصراع الخفي والمناكفة إلى موقف يتسم بالصداقة والتعاون في الملفات البينية وملف العلاقات الإقليمية، لكن فوز اردوغان سيعزز (من وجهة نظرهم) مسار تعزيز علاقات المصالح بين أضلاع المثلث السعودي - الإيراني - التركي.

المصدر: مركز أطلس للدراسات والبحوث

كلمات دلالية