بالفيديو والصور "جهاد أبو نعمة" أفقده الاحتلال البصر في 2008.. ليُبصر بشهادة دكتوراه الأسبوع الماضي

الساعة 09:38 ص|04 يونيو 2023

فلسطين اليوم

من بين عتمة الألم يخرج الأمل دائماً، ولا يخرج الفجر إلا من صلب عتمة سواد الليل ولا يلوح البرق إلا من ظلمات الغيوم، وها هنا خرج "جهاد أبو نعمة 34عاماً" من بين الركام بعد استهداف صهيوني غادر لمجموعة من الأفراد المدنيين فاقداً بصره، لكنه وإن فقد البصر، لم يفقد عزيمته.

بعزيمته القوية وإرادته الصلبة توشح أبو نعمة ليتحدى احتلال غاشم أفقده النور؛ لكن النور في قلبه أوقد طريق الظلام ليتوج مسيرة الألم والمعاناة بحصوله على درجة الدكتوراه في أصول الدين وعلوم القرآن الاسبوع الماضي.

انطفاء النور

على سريره في المستشفى بدأ يتفقد "أبو نعمة" وجهه، جروح غائرة وشاش ملفوف حول العينين، ألم مستمر لا يتوقف وشريط الذاكرة يتدرج أمامه " من طفل صغير يتعثر في مشيته حتى أصبح شاباً بعمر 19 عاماً يعيش حياة ملؤها السعادة والسرور برفقة الأهل والأصدقاء، حيث ترعرع في مدينة غزة تنفس ربيعها وهوائها، درس في مدارس المدينة لينتقل إلى مرحلته الجامعية تخصص " أبو نعمة" سكرتارية وأتمتة مكاتب لكن سرعان ما انقلبت حياته رأساً على عقب وانطفئ النور في عينيه".

الكفيف ابو نعمة 3.jpg
 

تحدث الدكتور جهاد أبو نعمة "لمراسلة وكالة فلسطين اليوم الإخبارية "عن قصة إصابته وفقدانه للبصر   "في 11 فبراير/ 2008م أثناء عدوان "إسرائيلي" تعرضت لإصابة باستهداف صهيوني لمجموعة من المواطنين كنت بينهم، ففقدتُ البصر وفُرغت عيني اليمنى بينما أصاب تهتك في شبكية العين اليسرى لأفقد البصر تماماً".

وتابع " أبو نعمة" حديثه راضياً بقدره " تنقلت في رحلة علاجية مدتها سبعة أشهر ما بين قطاع غزة ومصر وتركيا وعندما علمت أن لا أمل في الإبصار مرة أخرى فوضت أمري إلى الله، فالله عز وجل هيأ لي الأسباب وفتح لي الأبواب"

وأضاف أبو نعمة "الاحتلال الصهيوني أراد أن يفقد بصري، لكنه لا ولن ولم يفقد عزيمتي، فعزيمتي صلبة لا تلين وهمتي عالية تفوق السحاب ومعنوياتي قوية لا تهتز وظني بالله كبير".

رحلة الإبصار

لا إعاقة مع وجود الإرادة، وإن عتمة العين وغياب البصر لا يعني غياب البصيرة، فالعمى عمى القلب لا البصر.

في رسالة تحدي وإصرار وصمود حوّل أبو نعمة مِحْنَته إلى مِنْحة لتضاف قصة نجاحه لسجلات الإنجازات العظيمة لهذه الشريحة من فاقدي نعمة البصر.

وتحدث أبو نعمة بعزيمة لن تلين " توقفت عن الدراسة ما يقارب العامين حتى أتأقلم مع وضع الإصابة، فشعرت بفراغ كبير وكنت دائماً أسير على قاعدة لو جلستُ بالبيت مسلماً أمري بانعدام بصري لن أغير شيء وسوف أفقد حياتي لأن الفراغ يميت القلب، فقررت العودة إلى مقاعد الدراسة فاتضح لي أن الإعاقة تفرز طاقة موشحة بالإبداع والتميز".

وتابع أبو نعمة حديثه " إنها ليست إعاقات بل ابداعات وطموحات فواصلت العطاء في مسيرتي التعليمية وحولت التخصص" سكرتارية" بحكم صعوبة طبيعة العمل به لرجل كفيف إلى دبلوم دراسات إسلامية " تأهيل دعاة" ثم انتقلت إلى الحياة الجامعية وحصلت على درجة البكالوريوس، ثم واصلت المسيرة فكنت على موعد مع الخطوة الأولى في درجة الماجستير عام 2017م في قسم التفسير وعلوم القرآن فحصلت على تقدير امتياز ثم التحقت عام 2020م في برنامج الدكتوراه في الجامعة الإسلامية وحصلت أيضاً على تقدير امتياز"

 وأضاف "أبو نعمة" رسالتي كانت مسومة بعنوان "جهود ذوي الإعاقة البصرية في خدمة القرآن الكريم " وكلي فخراً وسرور أن هذه الأطروحة ومن قبلها رسالة الماجستير وبعض الرسائل العلمية كتبتها وطبعتها بيدي لأني أجيد الكتابة على لوحة المفاتيح وأسابق به المبصرين"

الكفيف ابو نعمة.PNG
الكفيف ابو نعمة 3.jpg
الكفيف ابو نعمة.jpg
 

 خلال دراستك الجامعية كيف واجهت المعيقات؟ يرد أبو نعمة صاحب الإرادة الصلبة " لم أستطع تعلم لغة برايل " لغة المكفوفين" لأني لم أفقد البصر منذ الصغر، فكنت أدرس عن طريق البرنامج الناطق عبر جهاز الحاسوب لكن سرعان ما يقف أمامي معيقات أخرى عدم توفر الكتب الإلكترونية فكان لأهل البيت دور في دراستي.

وعن تحركاته داخل البيت وخارجه أجاب أبو نعمة " بفضل الله لم أُوقع أو أكسر شيء داخل البيت لأني أحفظ جميع أركان البيت أما عن تحركاته خارج البيت فكنت دائماً بصحبة بعض من الأشقاء أو الأصدقاء أما عن تحركاته داخل مرافق الجامعة فكان زملائي دائماً في خدمتي"

وبعد إصابته وسفره للعلاج تزوج أبو نعمة من ابنة عمته ورزق منها أربع أولاد " صهيب، محمود، أمير أدم" وأضاف أبو نعمة" "أردت أن أتزوج من زوجة أعرف شكلها ومواصفاتها حتى لا أجالس خيالاً وأستطيع تخيل مواصفات أبنائي فابني الأكبر يشبهني والأصغر يشبه أمه وهكذا... "

ويطمح " أبو نعمة" أن يمارس حقه الأكاديمي في التدريس بجامعات الوطن، و أن يكون له أعمال ورسائل تخدم شريحة فاقدي البصر.

وأوصى أبو نعمة أفراد المجتمع العناية بفئة المكفوفين ودمجهم بالحياة وتسليط الضوء على إبداعات ذوي الإعاقة وبيان دورهم في المجتمع.

ودعا " أبو نعمة" ذو الهمم والمكرمات والطاقات في مواصلة نجاحاتهم وتحديهم للإعاقة ورسم الطريق بالإبداع والتميز

وختم " أبو نعمة" حديثه "العدو الصهيوني أراد أن ينال منّا لكن هذه الدماء مشعل نور وجسر عمور حتى تحرير القدس بإذن الله"

 

كلمات دلالية