كانا اثنان.. بقلم/ عدلي صادق

الساعة 03:39 م|16 مايو 2023

فلسطين اليوم

كانا اثنان.. بقلم/ عدلي صادق

كانا اثنان، هو و"أبو طراد" في الزنزانة التي يسمونها "إكس" في سجن بئر السبع الصحراوي، وكنا في جوارهم في "إكس" آخر (الفدائي الراحل أحمد حسن مهنا وأنا). أحمد يصلي خمسة أضعاف الفرائض وأنا أقرأ وأصلي صلاة الإعرابي الذي قال للنبي عليه السلام: والله لا أزيد عن ذلك ولا أُنقص!.

زياد وصاحبه أبو طراد انشغلا في أمر آخر، شاق جداً. كانا في الليل، ينزعان قاعدة المرحاض، ويحفران في الأرض. وعلمنا بعدئذٍ أنهما درسا خارطة السجن، وحددا الوجهة عبر خط الصرف الصحي الذي يمتد الى خارج الأسوار. وفي كل ليلة، كانا يحفران نحو ربع المتر. فالرمل كثير وهما يريدان أن يكون عمر الحبس قصير.

ذات يوم، كان واحد آخر منا، يمشي وفي يده كيس القمامة، الى حيث الوعاء الكبير خارج القسم، لكي يرميه، وبرفقته سجان من أصل روسي، قصير القامة ولئيم الطبع. لاحظ السجان، أن الحمل ثقيل. صمت ولما عاد وأدخل الشاب الى "الإكس" وأحكم الإقفال، نفخ في صفارته طالباً النجدة. وسرعان ما جاء نفرٌ من السجانين، وفي أيديهم المطارق، يختبرون بها أرضية كل "إكس" وقاعدة مرحاضه، وكانت المفاجأة أن أربعة مراحيض، في أربع "إكسات" كانت تُحفر من تحت مراحيضها، دون أن يعلم واحدها عن الآخر!

لم يكن الخطأ من أبي طارق وأبي طراد، لأنهما حتى تلك اللحظة، لم يُلاحظ السجان على أيٍ منهما، أن في يده حملاً ثقيلاً.

لم يكن الخطأ إلا في المشهد كله، ويمكن أن نسميه، مجازاً، غياب التوافق على التشارك، أو ـ في السياسة ـ تعدد المسارات على كل صعيد. واحد يقرأ ويصلي صلاة الإعرابي، وآخر يصلي خمسة أضعاف الفروض، والحافرون اثنان اثنان.

حدث ذلك قبل نحو نصف القرن، إذ كان لكل طرف نفقه بحكم أن لكل طرف حساباته، والسماء ملبدة والخطوط تتوازى ولا تتقاطع.

كأنما تلك سياسة قديمة جديدة، ولا تثريب على من كان يحفر ويحاول ويشقى، ولا يخطيء على مستوى الخط العام للفعل الاستثنائي.

كلمات دلالية