خبر بل المستقبل للإسلام السياسي فقط ... حسن المدهون

الساعة 08:21 ص|31 مايو 2009

بل المستقبل للإسلام السياسي فقط ... حسن المدهون

عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في فلسطين 

 

يسرع البعض في محاولة تفسير الظواهر والأفكار من خلال أطر معينة من مثل الانتخابات أو الاستطلاعات، وانه وان كانت مثل هذه الأطر تعكس جزءا من الرأي العام أو التوجه لدى مجموعة من البشر، إلا أن تفسير هذا التوجه أو ذاك يبقى فيه احتمال الخطأ.

 

ومن الأمثلة على ذلك اتخاذ الانتخابات وسيلة للحكم على ظاهرة الإسلام السياسي وهي الظاهرة التي بدأت في الظهور شيئا فشيئا حتى قامت بمحاولة إيجادها في الواقع أحزاب وحركات شتى ليس أولها ثورة الخميني وليس أخرها الحركات الإسلامية في الصومال.

 

إلا أن أخذ ظاهرة الفوز بانتخابات في قطر معين لحركة إسلامية وتراجعها أو تقدمها مقياسا على مدى تقدم أو تراجع فكرة الإسلام السياسي فيه قدر من المغالطة للواقع.

 

ذلك أن المحللين قد اخذوا في ذلك منحيين اثنين:

المنحى الأول يمثل منحى "الأًمنية" أكثر من كونه دراسة موضوعية  للقول بتراجع الأفكار الإسلامية سيما والمتعلقة منها بالحكم والشؤون الخارجية، دونما أخذ الظروف الموضوعية في قدرة حركة ما في جذب الأصوات والمؤيدين من عدمه، وهل حقا لا زال المؤيدون للفكرة الإسلامية يثقون بهكذا أسلوب أي الانتخابات لإيصال الإسلام إلى الحكم أم لا.

 

ولا أحب أن أسير في تفسير مثل هذا المنحى والذي يضع النتيجة قبل المقدمة ومن ثم يحاول أن يبرهن عليها بمثال من هنا أو هناك.

 

بيد أن هناك منحىً آخر ربما يحمل شيئا من الموضوعية في محاولة تفسير الظاهرة وهو المنهج الذي يقوم على البرهنة بالناحية العددية على مدى تقدم أو تراجع فكر ولا سيما فكرة الإسلام السياسي.

 

والحقيقة أيضا أن هذا المنهج إنما يقتصر في أدواته المعرفية على الطريقة العلمية المادية في التفكير بشكل أو بآخر، دونما قياس فكري شامل....

 

فللحكم على سياسة داخلية في قطر ما، قد تصح استطلاعات الرأي على هذا الأمر مثلا، أما للحكم على فكرة من طبيعتها العالمية والشمول وإخضاع  هذا الفكر لمنهج الاستطلاعات أو حتى الانتخابات في قـطر ما  ومحاولة حصر الفكرة في مثل هذه البوتقة، إنما هو في تقديري مغالطة كبرى،

 

ومثل ذلك أيضا .....فلا يصح حصر فكرة ما في حركة ما  أو تجربة هنا أو هناك، دون التعاطي بموضوعية مع ما تحمل هذه الحركة من فكر  و وضوح هذا الفكر عندها أو ضبابيته، ولا يصح أيضا قصر الفكرة على فهم من أفهامها والذي قد يعتريه عدم الوضوح وغياب المنهجية، فالتعامل مع الفكرة بحركة أو جماعة مثلت جزءا من هذه الفكرة وغض النظر عن باقي الظروف المحيطة إنما هو منهج يحمل قدرا كبيرا من القياس الشمولي العام وبالتالي فهو عرضة لكثير من الخطأ و المغالطة.

 

فمثلا يحاول البعض النظر إلى نتائج الانتخابات في الكويت أو في الأردن تراجع فيها أقطاب حركة إسلامية وتعميم الأمر والقول بأنه تراجع لفكرة الإسلام السياسي.

 

ومثل هذا الحكم سببه واحد من اثنين كما ذكرت سابقا : إما الأُمنية في عدم رؤية النموذج الإسلامي، أو هو قصور عن فهم الظاهرة وخلط لها بغيرها.

 

ذلك أن تراجع ما يسمى بشعبية إحدى الحركات ليس بالضرورة أن يكون تراجعا عن الفكرة التي تحملها أمة أو مجتمع، أي بمعنى أن تراجع حركة الإخوان المسلمين في كل من انتخابات الأردن والكويت ليس بالضرورة أن يكون مرده لتراجع الإسلام السياسي أو قصوره عن أن يواكب التغيرات والتوازنات العالمية والإقليمية.

 

 

 

بل إن الواقع المشاهد المحسوس  يدل بشكل واضح أن الإسلام لا يزال هو الطاغي على مشاعر وقلوب مئات الملايين في العالمين العربي والإسلامي، سيما مع عدم وجود فكرة منافسة له، وما نشاهده من ميل لدى كثير من المسلمين لتطبيق الإسلام ابتداء من وادي سوات إلى تركيا، إلى فلسطين والانتخابات التي حصلت فيها،  إلى السودان، ثم إلى الصومال يري بوضوح تعطش الأمة إلى أن ترى الإسلام مطبقا وحاكما.

 

وبغض النظر عن أسلوب الانتخابات كطريقة للحكم على الرأي العام وبغض النظر عن نزاهة هذه الانتخابات، وبغض النظر عن الاقتتال الحاصل أحيانا بين بعض الحركات الإسلامية، إلا أن الواقع يشير بشدة إلى أن الرأي العام الكاسح يتجه بقوة إلى الإسلام ومنه الإسلام السياسي والذي غاب عن الوجود بسبب غياب الدولة المطبقة له، فقامت حركات وأحزاب على أساس الإسلام حاولت أن توجد الإسلام أو جزءا منه، وربما أخطأ بعضها هنا أو هناك في بعض تصرفات، ربما بسبب غياب التصور الواضح عن الطريقة الصحيحة والواضحة في كيفية عودة الإسلام إلى الحكم والعلاقات الدولية.

 

وربما لو نظرنا من زاوية ثانية إلى مثل هكذا انتخابات ونتائجها، لوصلنا إلى رأي جديد وهو أن أبناء الأمة أصبحوا ينظرون إلى مثل هذه الطريقة في الوصول إلى الحكم طريقة غير مجدية وإنما يصل بأصحابها إلى الحكم أو حتى شبه الحكم في منظومة من العلاقات  خارج نطاق ما يدعون إليه من إسلام وبالتالي فلا يكسبون من وجودهم في مثل هذه الأطر من مجالس تشريعية أو نيابية أو حتى الوزارات إلا أن يكونوا ترقيعا لهذه الأنظمة والتي لا تستند إلى وجهة النظر الإسلامية سواء في الأساس الذي وجدت عليه أم في معالجاتها، وبشكل أوضح إن الانتخابات الموجودة في ظل الأنظمة الوضعية تؤدي إلى دخول  الإسلاميين المشاركين فيها بأشخاصهم تاركين الإسلام خلفهم بعيدا عن التأثير في الحكم وهذا ما نفر الناس من هذه الانتخابات لأنهم يريدون الإسلام مطبقا في أرض الواقع وهذا ما لا توفره الانتخابات الحالية وبالتالي نرى التراجع للحركات الإسلامية المشاركة فيها.

 

والحقيقة أن المتتبع للأفكار في بلاد العرب والمسلمين يصل إلى نتيجة مفادها أن الساحة الفكرية والسياسية تشهد فراغا كبيرا لا يمكن أن يعبئه إلا الحركات الإسلامية  التي تعمل على تطبيق الإسلام كاملا، فقبل حوالي أربعة عقود كانت الساحة تعج بكثير أفكار مأخوذة من الفكر الاشتراكي والماركسي وكانت القومية العربية لها أثرها الكبير وكذلك الأفكار الوطنية تحت مسميات شتى لها أثر، علاوة على الانجذاب إلى الأفكار الغربية ومنها فكرة الديمقراطية والرأسمالية والحرية.

 

وكان الإسلام في الجانب الآخر والحركات الإسلامية سيما الواعية منها قد صارعت هذه الأفكار صراعا مريرا ولا تزال لتحطيمها والتغلب عليها وكان ذاك....فالقومية مثلا مرت بمراحل تحطمت فيها من الانشقاق في حزب البعث وتحوله إلى حزبين حاكمين متصارعين في كل من العراق وسوريا مرورا بالهزة التي أحدثتها هزيمة 67 والتي كسرت صنم عبد الناصر إلى مشاركة النظام السوري القومي العربي للقوات الأميركية في ضرب العراق إبان حرب الخليج الثانية، وأخيرا احتلال العراق وانكشاف الكذبة الكبيرة المسماة حزب البعث والذي تحول من حزب فكري إلى سلطة للحكم زالت بزوال النظام، بل وان ساحات المقاومة التي عج بها العراق لم يكن من نصيب حملة فكرة القومية منها شأن يذكر.

 

أما الاشتراكية والتي حاول أن يطبقها عبد الناصر وصدام حسين وغيرهم فقد اصطدمت بما حملوه من أفكار قومية، فأضحت مزيجا هلاميا لا يمكن فرضه إلا بقوة الدولة وليس بناء على اقتناع المجتمع به، ولعل انهيار الاتحاد السوفيتي كان نقطة تحول لهذا الفكر والذي تمثل بدولة. وبعد الانهيار لم يجد أتباع هذا الفكر أنفسهم في بلاد العرب والمسلمين إلا أفرادا شتى لا شأن لأفكارهم وأطروحاتهم بالمجتمع.

 

أما أفكار الغرب ومنها الديمقراطية والليبرالية فقد انهارت فكريا على أيدي أصحابها فمن يريد الديمقراطية فلعيه أن يرى نموذجها في سجون غوانتانموا وأبو غريب، أو في دعم الولايات المتحدة للأنظمة القمعية والتغاضي عن سلوكها في مقابل الخدمات التي تقدمها، بل والذي يحب أن يرى نموذج الاقتصاد الحر كمثل أعلى، لا يملك إلا أن يقف فاغرا فاه أمام تهاويه السحيق والسريع أيضا من خلال الأزمة الاقتصادية والمالية الأخيرة.

 

فلم يبق مرشحا الآن إلا الفكر الإسلامي ومنه الإسلام السياسي .ونظرة سريعة للحركات التي أخذت على عاتقها إعادة الحكم بالإسلام وظهوره الظهور السياسي المتحكم في العلاقات الداخلية والخارجية فيمكن حصر مناهجها بثلاثة مناهج:

 

المنهج الأول: محاولة الوصول إلى الحكم من خلال الانتخابات، وهذا المنهج وبالتجربة العملية قد سقط سقوطا مدويا، فهو إما يؤدي إلى الإلغاء الكلي لهذه الانتخابات كما حصل في الجزائر، وإما أن يؤدي إلى وصول إسلاميين إلى الحكم أو شبه الحكم بأفرادهم دون فكرهم، سواء في تركيا أو مصر أو الأردن أو لبنان أو السودان أو غيرها، وبالتالي يبقون إسلاميين يحكمون بغير الإسلام.

 

المنهج الثاني: وهو المنهج الذي اتخذ القيام بالأعمال العسكرية كمحاولة لإضعاف النظام الحاكم وبالتالي زحزحته والانقضاض على الحكم وتطبيق الإسلام، والحقيقة أن هذا النهج وان كان أصحابه يدللون عليه ويؤصلون له بطريقة أكثر منهجية من أصحاب النهج السابق، إلا أن  رأيهم يبقى موضع خلاف فقهي، وبل وأسوء من ذلك أن يقوم بعض رموز هذا الفكر بالتخلي عن فكرهم و بإعادة النظر إلى الواقع كما حصل في المراجعات الفكرية في مصر مثلا لصالح النظام، والحقيقة أن أي مجتمع أو كيان به مجموعة من القوى فالأولى محاولة كسب هذه القوى لصالح الفكرة لتقف في وجه النظام بدل الاصطدام معها.

 

أما النهج الثالث: والذي يقوم على تفهم واضح لحقيقة النهضة والمجتمع والذي أخذ على عاتقه معالجة الأمة من الرواسب الفكرية التي أدت إلى انحطاطها، ويرى بأن أي تغيير للواقع لابد أن يرتكز إلى الأمة بعد معالجتها وإزالة الأفكار الدخيلة عليها وأن يعمل بالأمة ومعها لكي يأخذ بيدها، ويكون وصول ما يحمله أصحاب هذا النهج من أفكار ومعالجات منبثقة عن الفكر الذي يعملون على تحميلها إياه وهو الإسلام، فهذا المنهج والذي خدمه ويخدمه فشل النهجين السابقين وقصورهما عن إيصال الإسلام إلى الحكم ليس بشكل فكري فقط وإنما بشكل عملي وواقعي أيضا.

 

والاستعراض الآنف.. إنما هو محاولة للفت الانتباه إلى أن الصراع سابقا كان بين الإسلام وما خلاه من أفكار شرقية وغربية، وبعد انهيار هذه الأفكار بشكل فكري، بل وعملي أيضا لم يبق إلا الإسلام ومنه الإسلام السياسي، فلعله كان لحكمة ما أن تجرب الأمة في عدة أقطار هذه المناهج ويسقط النهجان الأولان حيث  تحاول من خلالهما بعض الحركات الإسلامية متأثرة بالواقع دون الفكرة الإسلامية أن تسلكهما لمحاولة إيصال الإسلام إلى الحكم وبالتالي ظهوره على غير الحقيقة كإسلام سياسي.

 

و الإسلام السياسي الذي أقصده هو ذلك الإسلام الذي لا يتأطر بالمنافذ السياسية القائمة اليوم في العالمين الإسلامي ومنه العربي، وإنما هو يسعى إلى استبدال هذه الأطر بأطر جديدة ترتكز إلى الإسلام نفسه ويضع الإسلام موضع التطبيق.

 

أما القول بأن أمام هذه الحركات والتي يبدو أنها تراجعت بحسب مؤشر الانتخابات الأخيرة، والدعوة لها بأن تحاول أن تعيد أدلجة نفسها بمزجها الإسلام بالقومية، إنما هو محاولة من البعض سواء بقصد أم بغير قصد إلى محاولة تأطير المسلمين إلى معسكرين فارسي وعربي، علاوة على محاولة إحياء الموات كما شهدنا من قبل مؤتمرات تدعو إلى الالتقاء بين الإسلام والقومية، وبالتالي إلصاق القومية العربية بالإسلام في محاولة مستميتة لبعث الحياة فيها وإخراجها من متاحف الشمع بعدما أصبحت أثرا بعد عين.

 

نقطة أخيرة أحب أن أشير إليها وهي مصطلح الإسلام السياسي والذي على الرغم من استخدامي له إلا أن لي تحفظ عليه.إذ يكاد يظن من يسمع بهذا المصطلح أن الإسلام منه السياسي ومنه غير السياسي على غرار دع ما لله لله وما لقيصر لقيصر، وهذا في تقديري خطأ فادح فالإسلام ليس دين مجرد دين وإنما مبدأ ينبثق عنه نظام، فهو منظومة متكاملة من الأفكار والمعالجات والأحكام يجب أن تؤخذ كلها مرة واحد.