موقف المؤسسات الدولية من قضية الأسرى بقلم : د.رأفت حمدونة

الساعة 12:43 م|15 ابريل 2023

فلسطين اليوم | د.رأفت حمدونة

هناك إجماع قانوني وقيمي وأخلاقي وإنساني من كل المؤسسات الدولية والحقوقية (الجمعية العامة للأمم المتحدة، مجلس حقوق الانسان، الصليب الأحمر الدولي، منظمة العفو الدولية، أمنستي، وغيرهم من المؤسسات الدولية)، على حق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره كباقي الشعوب، وعلى التأكيد على حقوق (الأسرى والمعتقلين السياسيين) القانونية و الإنسانية، وفقاً للمادة الثالثة المشتركة في اتفاقيات جنيف الأربع والتي تطالب بمعاملة إنسانية لجميع الأشخاص (الأسرى والمعتقلين)، وعدم تعريضهم للأذى، وتحرم على الدولة الآسرة الإيذاء أو القتل، والتشويه، والتعذيب، والمعاملة القاسية، واللاإنسانية، والمهينة، واحتجاز الرهائن، والمحاكمة غير العادلة.

وأكدت اتفاقيات جنيف الأربع على الحقوق الإنسانية والأساسية للأسرى في مكان الاعتقال وشروطه، في الغذاء والملبس، والشروط الصحية والرعاية الطبية، والحرية الدينية، والأنشطة الفكرية والبدنية، والملكية الشخصية والموارد المالية، والإدارة والنظام، والعلاقات مع الخارج، والعقوبات الجنائية، ونقل الأسرى إلى مناطق قريبة من مناطق سكناهم، والإعادة إلى الوطن عند التحرر (حمدونة، الجوانب الابداعية، ص61)، وأكدت المؤسسات الدولية على الحقوق الإنسانية التي ضمنتها البروتوكولات والقرارت المتمثلة في: المبادئ الأساسية المتعلقة بحقوق الأسرى والمعتقلين، وحقوق الأسرى بتوفير الطعام والشراب والكساء، وتوفير السكن المناسب لهم، وعدم تكليفهم ما لا يطيقون، وعدم إكراههم على تغيير معتقداتهم، وتوفير العناية الصحية والعلاجية اللازمة لهم، ومواساة أهل الأسير، وتوفير الاتصال الخارجي للأسير والمراسلات والزيارات بينه وبين أهله، وعدم قتل الأسرى مع الحفاظ على حياتهم، وعدم تعذيبهم بدنياً أو معنوياً، وحقهم في المعاملة الإنسانية، وفي احترام أشخاصهم وشرفهم في جميع الأحوال، وفي ممارسة الشعائر، كما يحق لأسرى الحرب ممارسة نشاطهم الفكري والثقافي والرياضي، ولقد اعتبرت اتفاقية جنيف لعام 1949م أسرى الحرب وديعة لدى الدولة الحاجزة وليسوا رهائن أو مجرمين (عبد العزيز، حقوق، ص115).

ومن المفترض أن يتمتع الأسرى الفلسطينيون في السجون الإسرائيلية وفق تلك المعاهدات والاتفاقيات وتوصية المؤسسات الدولية بكل تلك الحقوق الأساسية والإنسانية، إلا أن سلطات الاحتلال تتجاوز ذلك وتتعامل وكأنها فوق القانون، بالإضافة إلى عدم ممارسة أية ضغوط أو مراقبة ومحاسبة من المؤسسات والمحاكم الدولية التي تجبرها على الانصياع للقوانين والمواثيق أسوة بكل دول العالم.

 

أ‌-      دور الأمم المتحدة:

تأتي أهمية الأمم المتحدة بالنسبة لقضية الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية من خلال الاتفاقيات التي تشترط أو تعمل على الزام توقيع أعضائها عليها، فقد رعت وأشرفت على صياغة اتفاقيات جنيف خاصة الرابعة وملحقاتها التي تضمن جزء منها كيفية التعامل مع الأسرى، والتي تطرقت إلى أغلب شئون حياة الأسير داخل الحجز أو السجن وتعتبر حتى اليوم مصدراً لتشريعات الكثير من دول العالم الخاصة بالتعامل مع الأسرى زمن الحروب، لكن ظلت هناك فجوة كبيرة حاولت سلطات الاحتلال من خلالها سلخ منبر الأمم المتحدة عن قضية الأسرى الفلسطينيين، وذلك بفهمها الخاص ما هو المقصود في هذه الاتفاقية كأسير حرب، فلم تؤثر هذه الاتفاقية على سلوك السلطات الإسرائيلية تجاه الأسرى لأنها ببساطة لا تعتبرهم أسرى حرب، ولا يمكن توقع تعامل سلطات الاحتلال مع الأسرى من خلال اتفاقية جنيف أو ملحقاتها فقد لجأت للتهرب من الالتزام بكلمةٍ واحدة (تعريف أسير حرب). وقد وقعت الأمم المتحدة عدة اتفاقيات فيما يخص موضوع التعذيب أهمها(البطش, 2007م، ص245):

1.     الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

2.     اتفاقية مناهضة التعذيب.

3.     العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

4.     تعديل 12/آب الخاص باتفاقية جنيف الرابعة.

وأصدرت مؤسسات الأمم المتحدة الكثير من القرارات والتوصيات التي تدين، أو تستنكر، أو تناقش، أو ما يمكن أن تقدره على أقل المقاييس رفضاً لممارسات الاحتلال تجاه معاملة الأسرى الفلسطينيين، فقد أفاد تقرير صادر عن وزارة شؤون الأسرى والمحررين، أن الجمعية العامة للأمم المتحدة أصدرت ما يزيد عن 187 قراراً بشأن الأسرى الفلسطينيين والعرب منذ العام 1967م، دعت فيها سلطات الاحتلال إلى إطلاق سراح الأسرى والتعامل معهم وفق الأعراف الدولية وقوانين حقوق الإنسان، وقد كان أول هذه القرارات بعد حرب 1967م، هو قرار مجلس الأمن رقم 237 الصادر في يونيو/ 1967م، والذي تضمن إضافة إلى بنود أخرى تتعلق بالحرب المطالبة برفع الآلام عن السكان المدنيين أسرى الحرب في منطقة النزاع.

 ب - دور منظمة العفو الدولية:

تعتبر منظمة العفو الدولية "أمنستي" من المؤسسات الدولية التي اهتمت بحقوق الإنسان وقضايا الاعتقال السياسي ورفض ممارسة التعذيب، وفي بياناتها دعت إلى الإفراج عن جميع الصحفيين الفلسطينيين الأسرى لقيامهم بأنشطتهم المهنية المشروعة، والإفراج عن المعتقلين الإداريين ومتابعة أوضاعهم الصحية خلال الإضرابات، والكف عن هدم المنازل، واهتمت المنظمة بمساعدة المعتقلين الإداريين في الجانب القانوني والزيارات (موقع منظمة العفو الدولية)، وإرسال المذكرات والبرقيات للمسئولين الإسرائيليين، وتمكنت المنظمة من جمع الشهادات من الأسرى الفلسطينيين.

وأصدرت المنظمة تقريراً دامغاً في فبراير 2022م بعنوان نظام الفصل العنصري (أبارتهايد) الإسرائيلي ضد الفلسطينيين ووصفته بأنه: نظامٌ قاسٍ يقوم على الهيمنة وجريمة ضد الإنسانية، وقالت المنظمة: ينبغي مساءلة السلطات الإسرائيلية على ارتكاب جريمة الفصل العنصري ضد الفلسطينيين، ووثق التقرير النقل القسري، والاعتقال الإداري، والتعذيب بحق الأسرى.

 ويكاد موضوع انتقاد سلطات الاحتلال حول تعاملها مع الأسرى لا يخلو من التقارير السنوية، وقد لا تنجح إمكانيات المنظمة في التأثير على سلطات الاحتلال بشكل لافت وجوهري، إلا أن الاحتلال لم يتجاوز التقارير والتوصيات للمنظمة وكان دائم الاهتمام بها ومتابعة الرد عليها.

ج-  دور اللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي:

منذ بداية الاحتلال الإسرائيلي لباقي الأراضي الفلسطينية عام 1967م، ذهبت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى عدم الإقرار بانطباق صفة أسرى الحرب على المحتجزين الفلسطينيين لدى سلطات الاحتلال وعدتهم معتقلين تنطبق عليهم الأحكام الواردة في اتفاقية جنيف الرابعة، وليسوا أسرى حرب، ومع ذلك لم تستطع إلزام سلطات الاحتلال بتطبيق القانون الدولي الإنساني على الأسرى أو المعتقلين؛ إذ تمكنت سلطات الاحتلال من حصر دور الصليب الأحمر في جانب المساعدات المحدودة والمقلصة جداً، وحصر دورها في مجال السلطة الأدبية فقط.

وضمن هذا المجال واصلت اللجنة الدولية للصليب الأحمر زيارات الأسرى في السجون ومراكز التحقيق، ورفع ملاحظاتها وتوصياتها إلى السلطات المسؤولة على نحو سري؛ إضافة إلى أنها تقوم بمهمة نقل أهالي الأسرى لزيارة أبنائهم في السجون، ونقل الرسائل بين الأسرى وأهلهم؛ كما عملت على إبلاغ أهالي الأسرى بأماكن احتجاز أبنائهم، وتلقي شكاوى أهالي الأسرى، ومتابعتها مع المسؤولين في سلطات السجون، وقامت اللجنة بتوفير المساعدات المادية للأسرى في السجون من مواد غذائية وثقافية، وأجهزة طبية للمرضى، وكل ذلك بشرط موافقة السلطات الإسرائيلية (البطة، المعتقلون، 287).

ولتوخي الموضوعية في عمل المؤسسات الدولية والحقوقية التي ذكرناها وغيرها، فكما أنها تقوم بالكثير من القضايا الخدماتية والقانونية وأشكال المتابعة والتوصيات التي غالباً ما تكون سرية للجهات المختصة والمؤسسات، إلا أن هنالك الكثير من الانتقادات بحق تلك المؤسسات من خلال عدم تشكيل حالة ضغط حقيقية ترتقي لحد الملاحقة القانونية، والقيام بدور الضغط التأثير على سلطات الاحتلال لرفع المعاناة عن الأسرى، وغالباً ما يكون عمل تلك المؤسسات في إطار اشتراطات وحدود العمل التي تسمح به سلطات الاحتلال.

أعتقد أن موقف المؤسسات الدولية رغم أنها تقوم بتقديم بعض الخدمات التي تعزز المكانة القانونية لصالح قضية الأسرى إلا أنها لا تشكل حالة ضغط حقيقية ترقى لحد الملاحقة القانونية والمحاسبة لسلطات الاحتلال على انتهاكاتها بحق الأسرى في السجون الإسرائيلية ، أما عن المؤسسات والمنظمات والاتحادات العربية فالأمر مختلف ، فالموقف مساند وداعم دائم لقضية الأسرى وللتفصيل أكثر :

 

 د- دور المؤسسات العربية غير الحكومية:

ساهمت الكثير من المؤسسات والاتحادات والمنظمات العربية في دعم قضية الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، وعلى سبيل المثال لا الحصر نذكر عدداً منها: 

- اتحاد المحامين العرب : قام الاتحاد بالكثير من الأنشطة والمؤتمرات وورش العمل، وعمل على تصدير البيانات والنشرات واللقاءات المساندة مع المؤسسات الدولية والحقوقية في القاهرة ودول أخرى بهدف الدفاع عن الأسرى الفلسطينيين، لتثبيت مكانتهم القانونية كأسرى حرب في المحافل والمؤسسات الدولية، وعرض انتهاكات سلطات الاحتلال المخالفة للاتفاقيات الدولية، ودعا الأمين العام للاتحاد في مؤتمر عجلون القانوني في العام 2013م،  إلى عقد مؤتمر إقليمي دولي تحت مظلة اتحاد المحامين العرب وبإشراف نقابة المحامين الفلسطينيين تحت عنوان "الآليات القانونية والقضائية لمحاكمة جرائم إسرائيل بحق الأسرى والشعب الفلسطيني"، ونظم اتحاد المحامين العرب بالقاهرة الكثير من الأنشطة والمؤتمرات الصحفية لبحث الانتهاكات التي ترتكبها سلطات الاحتلال بحق الأسرى الفلسطينيين، وخرج مؤتمر الاتحاد في العام 2017م بمجموعة من التوصيات كان أهمها : مطالبة الأطراف السامية لاتفاقيات جنيف بفرض الحماية القانونية الدولية على السكان المدنيين والأسرى الفلسطينيين .

- اتحاد الكتاب والأدباء العرب: دعا الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب على لسان الأمين العام للاتحاد في أكثر من مناسبة كافة اتحادات الكتاب العربية لإعلان تضامنها مع الأسرى الفلسطينيين، من خلال إقامة أمسيات شعرية وندوات فكرية وفعاليات ثقافية متنوعة، بما يعيد حضور القضية الفلسطينية على خارطة الوعي العربي.

-  الاتحاد العام للصحفيين العرب: أدان الاتحاد العام للصحفيين العرب استهداف واعتقال للصحفيين الفلسطينيين، وقام بتوزيع التقارير المتعلقة بالأسرى للصحفيين العرب وأعضاء اتحاد الصحفيين الدوليين، وأعرب الاتحاد عن تأييده وتضامنه مع الأسرى الفلسطينيين، وتحميل سلطات الاحتلال المسؤولية الكاملة عن حياتهم، وطالب مراراً عبر بياناته بإطلاق سراحهم.

- المنظمة العربية لحقوق الإنسان: اهتمت المنظمة بقضية الأسرى الفلسطينيين و العرب، وطالبت مراراً عبر اجتماعاتها ورسائلها المؤسسات الحقوقية والدولية، والسكرتير العام للأمم المتحدة، والمفوضة السامية لحقوق الإنسان، والمحكمة الجنائية الدولية، بسرعة فتح تحقيق شامل في انتهاكات سلطات الاحتلال بحق الأسرى الفلسطينيين وفق الجرائم المعاقب عليها في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.

- الاتحاد البرلماني العربي: دعم الاتحاد البرلماني العربي نضالات الأسرى ودعا في أكثر من اجتماع خاص بالقضية الفلسطينية للوقوف والتضامن مع الأسرى، وطالب بتفعيل الإطار القانوني الدولي لمشروعية المقاومة الفلسطينية، على اعتبار أن هذا الإطار هو الأساس لأي تحرك في موضوع الأسرى الفلسطينيين بدءاً من متابعة أوضاعهم الصحية والنفسية والقانونية وحتى يتم إطلاق سراحهم (مركز الأسرى للدراسات، 2021م).

 

 

 

 

كلمات دلالية