هل وصلت الصهيونية نهايتها؟

الساعة 12:37 م|30 مارس 2023

فلسطين اليوم | حسن عبدو

بقلم: حسن عبدو كاتب وباحث متخصص في الشؤون الشرق الاوسط

كتب مكسيم رودنسن دراسة بعنوان "فلسطين: حالة استثنائية في تاريخ إزالة الاستعمار" تحدث فيها عن الحالة الاستعمارية الغريبة لفلسطين والنزاع الثلاثي بين القوة الأجنبية البريطانية المهيمنة، والمستوطنين اليهود الغرباء القادمين من وراء البحار، وكيف يتم تسهيل هجرتهم الى فلسطين ودمجهم وحصولهم على وضع مميز، ينعمون بالحماية من القوة الأجنبية البريطانية المهيمنة التي تسهل إقامتهم بشكل منفصل ومهيمن يرفض الاندماج. مقارنة بالفلسطينيين الذين تم سحق ثورتهم 1936ـ 1939، حيث حافظت القوة البريطانية المهيمنة على وضعية الفلسطينيين كسكان مضطهدين مهيمن عليهم، وأنهت استعمارها لفلسطين بدون تحرر الفلسطينيين من الاستعمار.

لقد نجحت الحركة الصهيونية كحركة استعمارية عنصرية في استعمار فلسطين وطرد الفلسطينيين بمساعدة بريطانيا كما استطاعت التغطية على الجرائم الكبرى اللا أخلاقية واللا إنسانية التي ارتكبتها بحق الفلسطينيين واستبعادهم واغتصاب حقوقهم رسمياً في الأرض والممتلكات والوطن، أي في إطفاء الشرعية على سياساتها العنصرية والاستعمارية.

   بيد أن نجاحها واستمرارها لا يعود الى قدرتها في التغطية على جرائمها، بل يعود بشكل رئيسي الى نجاح الحركة الصهيونية في أن تبقى لصيقة بالاستراتيجيات الاستعمارية واستراتيجيات الهيمنة والسيطرة الغربية، والسير في ركابها، حتى أصبحت إسرائيل سلعة الغرب وأداته في الهيمنة على المنطقة والعالم.

وبعد مرور أكثر من قرن على ميلاد الصهيونية، وما يزيد عن سبعة عقود على إنشائها دولة إسرائيل، تبدو دولة الاحتلال الصهيوني كظاهرة أكثر تعقيداً بكثير مما يقوله اليهود عن أنفسهم، وما يقوله الفلسطينيون والعرب، أو ما قالوه عنها في العقود الماضية، إنها توليفة غريبة ومعقدة يتداخل فيها الطابع الأسطوري بالديني بالقومي بالعنصري بالفاشي بالحداثي.

هذا التركيب المعقد لدولة الاحتلال الصهيوني ينعكس في العلاقة الداخلية لمكونات المجتمع الإسرائيلي نفسه في علاقاته مع بعضه، وبالأرض، وبالتاريخ، ومع الفلسطينيين أصحاب الأرض، وبالمحيط العربي والإسلامي، وبالعالم، أجمع مما يخلق مفارقات وتناقضات من المستحيل ان تستمر الى الابد وهي:

ــ إسرائيل التي نشأت للرد على عنصرية الغرب ولا ساميته وجرائمه بحق اليهود، نجد أن الغرب هو الحليف الوحيد لها، الذي تعتمد عليه وتدين له بوجودها المادي وتقدمها الاقتصادي وصراعها العسكري والسياسي، وليس هناك حاجة للقول إنه لولا الدعم الغربي المادي والديبلوماسي المبالغ فيه لما استمرت إسرائيل في الوجود الى اليوم.

ــ إسرائيل التي نشأت لتطبيع الحالة اليهودية أي لتخليص اليهودي من سمة الطفيلية الاقتصادية وأشهرها الربوية والتآمرية والمهن اللا أخلاقية في القارة الاوربية، وتحويلهم الى مواطنين عاديين لا مختارين ولا محتالين، هي اليوم تتمسك بيهوديتها وبعنصريتها وصفائها (العرقي ـ والديني) وطابعها الخاص، وترفض أن تعامل معاملة غيرها من الدول وأن تطبق عليها المقاييس والمعايير المطبقة على جميع الدول الأخرى، وتطالب علناً باستثنائيتها.

ــ إسرائيل التي تبني شرعية وجودها على الحضور الديني والتاريخي المزيف في فلسطين والمنطقة، تعيش في الواقع خارج منطقتها وتاريخها وتنظر لنفسها كدولة غربية أوربية وتحتقر محيطها ولا ترى نفسها إلا من خلال السيطرة وإخضاع المنطقة لها ولقيادتها.

ــ إسرائيل في النهاية لم تقدم حلاً حقيقياً للمسألة اليهودية، فإسرائيل لم تستطع أن تكون وطن جميع اليهود في العالم، والدولة التي حلم بها اليهود كأداة لضمان أمنهم وتخليصهم من ذل العنصرية الغربية ليست بلد الاستقرار والأمن، بأي معنى، على الرغم مما تتمتع به من تفوق عسكري على جيرانها، واليهود اليوم ليسوا بالضرورة سعداء في إسرائيل أكثر مما هم في الولايات المتحدة أو في أوروبا أو أي مكان آخر.

ــ إسرائيل التي ولدت من منطق العنف والقتل والإرهاب برغم مرور كل هذه العقود على إنشائها غير قادرة على الخروج من منطق الصراع والقتل والتوسع الاستيطاني ومعبأة بالعنصرية الإستعلائية ونزعة دائمة ومتجددة للهيمنة والسيطرة والتوسع وترفض جميع عروض السلام مع الفلسطينيين والعرب.

  إن من أهم وأبرز التحولات التاريخية لهذا الكيان الصهيوني المليء بالتناقضات والمفارقات هو صعود الصهيونية الدينية وبناها الاجتماعية الى مركز الحكم والقيادة في إسرائيل لتكتمل السيطرة للكتلة اليمينية المهيمنة على السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية وسعيها لتغيير هوية الدولة كدولة شريعة ثيوقراطية من جهة، وحسم القدس بوصفها عاصمة تاريخية للشعب اليهودي، وتغيير طابعها الفلسطيني والعربي والإسلامي، وحسم كامل للضفة الغربية وضمها بوصفها جزء لا يتجزأ من إسرائيل التوراتية، من جهة ثانية. 

وبذلك تكون الدولة الصهيونية وصلت الى طبيعتها النهائية، فهي ذاهبة في مسار التفسخ والاستبداد السياسي، والانحطاط الأخلاقي، وتحولها الى دولة للاستيطان الصافي كهوية، ودولة عنصرية رسمية تمارس التطهير العرقي تجاه الفلسطينيين وبذلك تضع نفسها نقيض كامل لفلسطين وحضارة العرب والمسلمين.