"تراجّيديا فلسطينيّة"...مختارات من أعمال وليد القططي

الساعة 11:05 ص|07 مارس 2023

فلسطين اليوم | حسن صعب

برز "الإسلام الأميركي" بوجهيه: الاستسلامي التطبيعي والدموي التكفيري، ولا بدّ من الإسلام الحضاري القائم على الوسطية والاعتدال، بجوهره الإنساني، وطبيعته الثورية.

الكتاب: تراجّيديا فلسطينيّة

-تأليف: د. وليد علي القططي.

-جمع وإعداد: ثابت العمّور.

-إصدار: مركز الشام للدراسات والبحوث - 2023.

يُكمِل هذا الكتاب حلقة من حلقات مشروع فكري وثقافي، بدأها الكاتب بثلاثة أجزاء سابقة صدرت على عدة مراحل؛ وهذا هو الجزء الرابع الذي يضم بين دفّتيه ما كُتب من مقالات على مدار عامين كاملين، ابتداءً من يناير/ كانون الثاني 2021 حتى نهاية ديسمبر/ كانون الأول 2022.

إن خصوصية الكتاب لم تتكوّن فقط نتيجة تغطيته لأحداث ومواضيع فلسطينية سُمّيت (تراجيديا فلسطينية)؛ لكنها خصوصية المرجعية الفكرية والحركية للكاتب؛ فالمسكوت عنه في هذا الكتاب أن مجموع ما جاء من مقالات وأفكار محكومة بوجهة نظر ورؤية إسلامية أوّلاً، وبمرجعية حركية تنتمي إلى حركة الجهاد الإسلامي ثانياً؛ فالكاتب الدكتور وليد القططي عضو مكتب سياسي في حركة الجهاد الإسلامي. وهذا الموقع الحركي يُضفي على الكتاب خصوصية مختلفة.

لقد اشتمل الكتاب على جملة محدّدات وعناوين خُصّصت واختصّت بحركة الجهاد الإسلامي؛ منها "الجهاد الإسلامي واستراتيجية المقاومة المستمرة"؛ و"الحركة الوطنية والجهاد الإسلامي بين الانسجام والتمايز"؛ و"حزب الله والجهاد الإسلامي: الفكر والمقاومة"؛ و"الجهاد الإسلامي والإسلام الآخر"؛ و"الشقاقي وفلسطين: بين فقهي الانتظار والثورة".

والكتاب يجيب عن سؤال مهم لكلّ مهتم بفكر الحركة الإسلامية وممارساتها؛ فهو يسدّ خانة مهمة في باب أدبيات الحركة الإسلامية عموماً، وأدبيات "حركة الجهاد الإسلامي" على وجه الخصوص.

وفي هذه التراجيديا تجد مساراً موجّهاً معلوم الوجهة سلفاً ولا حساسية لديه عندما يوغل في الفكر، فيذهب حيث العلاقة بين "الجهاد" و"الإخوان المسلمين" بين الامتداد والتجاوز؛ ثم يأخذك إلى معادلة موضوعية تتعلق بمحدّدات الالتقاء بين الكاتب وبين الدكتور الشهيد فتحي الشقاقي؛ فكلاهما من مشكاة واحدة، وكلاهما أفرد للكتابة والفكر مساحة كافية برغم كثرة الأعمال والمهام.

وفي ما يلي أبرز الأفكار التي عرضها الكاتب ضمن سلسلة مقالات نشرها خلال عامين كاملين، في مجالات الفكر والسياسة والدين والمقاومة:

حتميّة تجديد التراث الإسلامي

-حول (حتميّة تجديد التراث الإسلامي)، يقول الكاتب إن الوحي الإلهي هو الصانع الأوّل للأمّة الإسلامية، ومصدر القوّة الأساسي لوجودها الحضاري؛ وفهم السلف للوحي الإلهي القرآني والنبوي هو التراث الإسلامي الذي أبدعه أسلافنا، وهو كنز ثمين علينا أن نتعامل معه بضوابط واضحة، ومعايير موزونة، فنأخذ منه ما يتّفق مع الشرع والعقل، وما ينفع في الواقع المعاصر، ونترك منه ما يناقض الشرع والعقل، وما يضرّ في الواقع المعاصر. وفي كلا الحالتين لا بدّ من تجاوز إبداع السلف مع الاعتزاز به والاستفادة منه، إلى إبداع  لفكر جديد من نور الوحي الإلهي القرآني والنبوي المتجدّد.

التطبيع المغربي

-تحت عنوان (التطبيع المغربي.. الحرام بنكهة إسلامية)، انتقد الكاتب تغطية حزب العدالة والتنمية الإسلامي في المغرب لاتفاقية التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، وتجاهل المبادئ التي آمنت بها الحركة طوال تاريخها حول عدم شرعية "إسرائيل" ومركزية القضية الفلسطينية، وذلك استناداً إلى "فقه المصالح المرسلة في أحكام السياسة الشرعية"، في إطار رؤية (الملك محمد السادس) للمصلحة، والذي رأى في التطبيع مع الكيان مصلحة يتم من خلالها "تعزيز سيادة المغرب على الصحراء" (الغربية) بعد الاعتراف الأميركي بسيادته عليها؛ وهذا يعني التضحية بفلسطين.

ويتساءل الكاتب: هل الفتوى الدينية وما بُني عليها من مبادئ فكرية ومواقف سياسية تتغيّر بتغيّر الزمان والمكان أم بتغيّر المناصب والحكّام؟ وهل تحوّلت السياسة الشرعية بدون ضوابط دينية إلى انتهازية سياسية وانحطاط أخلاقي وإفلاس فكري؟

السنّة والشيعة

-تحت عنوان (السنّة والشيعة.. التعايش بدل التقريب أو الصراع)، يدعو الكاتب إلى اعتماد نهج التعايش كنهج وسطي بين التقريب البعيد والصراع الدائم، كونه ضرورة حياتية وفريضة شرعية وطريقة واقعية وتجربة فعلية، تضمن أن يعيش المسلمون على اختلافاتهم المذهبية والسياسية والاعتقادية والفقهية، كأفراد وجماعات ومجتمعات وشعوب ودول، مع بعضهم البعض وجنباً إلى جنب، بأمن وطمأنينة وسلام.

وكنهج ومضمون إنساني وإسلامي، يوجّه التعايش رسالة لكلّ متطرّفي المذاهب في الدائرة الإسلامية، ولا سيما التكفيريون منهم، بأن احتكارهم للإسلام، واستئثارهم بالإيمان، وتكفيرهم للأنام، لن يكون هو الفيصل في دخولهم الجنّة، ودخول غيرهم النار؛ فالحكم لله تعالى في ذلك يوم القيامة؛ فليهتموا بإصلاح أنفسهم، وليتّعظوا بمن سبقهم من الأمم(يُدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعدّ لهم عذاباً أليماً).

فلسطين بين البنا والخميني

-تحت عنوان (فلسطين.. بين إمامين)، رسم الإمامان حسن البنّا وآية الله الخميني-بحسب تعبير الكاتب- معالم الطريق لتحرير فلسطين، بكثير من التشابه القريب إلى التطابق بينهما؛ وأوّل هذه المعالم هي (العودة إلى قِيم الإسلام والتوكل على الله)، في استحضار للبعد الديني وعقيدة الأمّة. وثاني هذه المعالم (تحقيق الوحدة الإسلامية)، حيث دعا البنّا إلى التمسك بسلاح الاتحاد والتماسك، ودعا الإمام الخميني إلى وحدة الكلمة والاتكال على الله، كطريق لإنقاذ فلسطين.

يقول الكاتب "إن حضور فلسطين في فكري الإمامين -الشهيد والثائر- وعملهما، كان حاضراً في فكر الثائر الشهيد فتحي الشقاقي، فاعتبرهما رجلي القرن العشرين، وقرأ فكرهما قراءة التجاوز المبدع، فأدرك ثنائية المشروع الإسلامي-الوحدة وفلسطين- أمام تحدي ثنائية المشروع الاستعماري - التجزئة و(إسرائيل) - واكتشف كلمة السر الثلاثية لمشروع التحرير: الإسلام وفلسطين والجهاد.

اليمن وآل سعود

-تحت عنوان (في اليمن شيء لا يفهمه آل سعود)، عرض الكاتب للفشل السعودي في الحرب العدوانية المستمرة على الشعب اليمني، مشيراً إلى دراسة تاريخ اليمن منذ القرن العشرين قبل الميلاد وحتى القرن العشرين للميلاد تؤكد أن الغزاة لليمن كانوا في أوج قوّتهم العسكرية، بينما كان اليمن في أسوأ حالاته عند الغزو؛ ورغم ذلك، خرج الغزاة أضعف واليمنيون أقوى. إن صفات الأحرار التي تعمّقت عبر الزمن في الشعب اليمني من خلال مقاومته للغزاة، لم يفهمها آل سعود لافتقارهم إليها، وفاقد الشيء لا يفهمه.

حلف القدس

-تحت عنوان (حلف القدس.. إيران والجهاد الإسلامي نموذجاً)، يقول الكاتب إنه ما بين انتصار الثورة الإسلامية في إيران(1979) واشتعال معركة "سيف القدس"(2021) في فلسطين، مروراً بعدوان تموز(يوليو) 2006 في لبنان، تكوّن من خلال الصراع ضد الاستعمار الأميركي والكيان الصهيوني حلف جديد في المنطقة العربية والإسلامية، يضمّ دولاً ممانعة للاستعمار الصهيوني الأميركي، وحركات مقاومة للاحتلال الصهيوني الإسرائيلي؛ ومحور الحلف فلسطين وقبلته القدس. ولذلك هو في مضمونه حلف القدس؛ وأقدم دول هذا الحلف هي الجمهورية الإسلامية في إيران، كما أن أقدم حركات المقاومة الفلسطينية في الحلف هي حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين.

ويتوقف الكاتب هنا عند تأكيدات الأمناء العامّين المتعاقبين لحركة الجهاد الإسلامي (فتحي الشقاقي وعبد الله شلح وزياد النخالة) على وضع المقاومة خارج الاصطفاف السياسي والمذهبي والقومي في المنطقة، وعلى عمق التحالف بين إيران وحركة الجهاد الإسلامي في إطار محور المقاومة وحلف القدس المذكور.

اتفاقات أبراهام

-تحت عنوان (اتفاقات أبراهام: سلام إسرائيلي وإسلام أمريكاني)، يقول الكاتب إن أصل الفكرة الإبراهيمية التي رافقت كل اتفاقيات السلام والتطبيع السابقة برزت بعد وصول (إسرائيل) إلى ذروة قوّتها العسكرية والدعم الغربي لها، وإدراك قادة الغرب والصهيونية أن ذلك غير كافٍ لإبقائها على قيد الحياة واستمرار وجودها؛ وهذا يحتاج إلى تغيير عميق في ثقافة النخبة الحاكمة والشعوب المحكومة يكون الدين أحد مكوّناته. فجاء التطبيع الثقافي لترسيخ وجود (إسرائيل) في عقول وقلوب العرب بعد ترسيخ وجودها على أرض الواقع؛ وكانت الفكرة الإبراهيمية تطويراً للتطبيع الثقافي ليأخذ بعداً دينياً.

وفي الموازاة، برز "الإسلام الأميركي" بوجهيه: الاستسلامي التطبيعي والدموي التكفيري. وفي مواجهة "السلام" الإسرائيلي و"الإسلام الأميركي" لا بدّ من الإسلام الحضاري القائم على الوسطية والاعتدال، بجوهره الإنساني، وطبيعته الثورية، ليعود الإسلام من جديد روحاً للأمّة، وجوهر هويتها، وصانع مجدها، ومفجّر ثوراتها.

الصهيونية والداعشية

-تحت عنوان (الصهيونية والداعشية.. وجهان لعملة واحدة)، يعدّد الكاتب نقاطاً مشتركة في منظومة التفكير لدى الصهيونية والداعشية، ومنها:

 

· فكرة الاختيار الإلهي؛ فالصهيونية أخذتها من فكرة (شعب الله المختار) الموجودة في التوراة والتلمود المزيّفين؛ وفي الداعشية توجد فكرة الاختيار الإلهي في عقيدة (الفرقة الناجية)، المستمدّة من فهم مغلوط لحديث الفرقة الناجية النبوي(تفترق أمّتي إلى ثلاث وسبعين فرقة كلّها في النار إلاّ واحدة).

· فكرة الاختيار الإلهي عند الصهيونية والداعشية تؤدّي حتماً إلى رفض الآخر، كنتيجة للإحساس بالتفوّق والتميّز وممارسة الاستعلاء والعنصرية.

· من عناصر منظومة التفكير المشتركة بين الصهيونية والداعشية توظيف الدين لخدمة السياسة؛ فالصهيونية، المسيحية واليهودية، وظّفت الديانة اليهودية في خدمة أهدافها السياسية؛ والداعشية، بمفهومها الوهّابي السعودي، وظّفت الديانة الإسلامية في خدمة أهدافها السياسية.

· استراتيجية الرعب مشتركة كذلك بين الصهيونية والداعشية. فالصهيونية مارست الإرهاب بهدف الرعب القائم على عقيدة دينية عنصرية تقدّس إبادة غير اليهودي؛ فيما استخدمت الداعشية استراتيجية الرعب بالمذابح والحرق والقتل والإرهاب في إقامة الدولة السعودية الأولى والثانية والثالثة، وإقامة دولة داعش في العراق وسوريا ككيان مشوّه مسخ من الدولة السعودية الوهّابية، وقامت بشرعنة الإرهاب والرعب دينياً بتوظيف نصوص القرآن والسنّة بطريقة ملتوية ومحرّفة لإباحة دماء المسلمين وغير المسلمين وأموالهم وأعراضهم، لمجرّد اختلاف الدين والمذهب والرأي.

· فكرة التوسع الجغرافي مشتركة بين الصهيونية والداعشية؛ فالصهيونية كحركة استيطانية إحلالية أقامت دولتها (إسرائيل) عام 1948، ولكنها لم تسلّم بحدودها السياسية الفعلية على خط الهدنة، كما لم تسلّم بحدود قرار التقسيم عام 1947؛ وكذلك فإن حدودها التوراتية غامضة ما بين النهرين: النيل والفرات، أو ما بين العريش وجبل حرمون(جبل الشيخ)، أو نهر الأردن والبحر المتوسط. أما فكرة التوسع الجغرافي عند الداعشية، فكانت موجودة في الدولة السعودية بالجزيرة العربية، ودولة داعش في العراق والشام، من خلال شعارها(باقية وتتمدّد).

وبوجود عناصر الاتفاق في منظومة التفكير الصهيو-داعشية، لا غرابة في وجود عدو مشترك لهما هو محور المقاومة، بحركاته، كحزب الله والجهاد الإسلامي وحركة حماس، وغيرها، ودوله، وخاصة الجمهورية الإسلامية في إيران، وتيّارها في الأمّة العربية والإسلامية.

"الجهاد الإسلامي" و"الإخوان"

-تحت عنوان ("الجهاد الإسلامي" و"الإخوان" بين الامتداد والتجاوز)، حلّل الكاتب طبيعة العلاقة بين حركة الجهاد وجماعة الإخوان المسلمين، والتي تلتبس على الكثير من الباحثين.

يقول الكاتب إن التراث الفكري للدكتور فتحي الشقاقي في مرحلة المخاض والنشأة لحركة الجهاد الإسلامي نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات من القرن العشرين، يؤكد أن العلاقة بين حركة الجهاد والإخوان قد اتخذت ثلاثة مسارات متوازية زمنياً(ليست متتالية)، ومتداخلة فكرياً(غير منفصلة)، وهي مسارات الامتداد والنقد والتجاوز؛ الامتداد الحركي والفكري، والنقد الفكري المرتبط بالوعي، والتجاوز الإبداعي الجامع بين الأصالة والتجديد.

وهذه المسارات خاصة بالعلاقة بين الجهاد و"الإخوان" في مرحلة التأسيس، ولا تنسحب على العلاقة بين حركة الجهاد وحركة المقاومة الإسلامية-حماس، التي ولِدت من رحم جماعة الإخوان المسلمين كحركة إسلامية فلسطينية مقاومة تجاوزت في كثير من أفكارها ومفاهيمها الحركة الأم؛ مع الإشارة إلى أن فلسطين كانت العنوان الأكثر بروزاً لمسار النقد الخاص بحركة الجهاد و"الإخوان"، والذي تركّز في أربعة عناوين فرعية هي: الغياب والهامشية والضبابية وانحراف البوصلة.

تحرير فلسطين

-تحت عنوان (تحرير فلسطين بين الحرب الشعبية والحرب الفاصلة) ، دعا الكاتب إلى أن تكون القراءة لوعد الآخرة الإلهي ومضمونه الخاص بزوال "دولة إسرائيل" على مستوى الوعي والعمل. وهذا يعني أن يقوم الشعب الفلسطيني وطليعته المقاومة بدوره في حرب تحرير فلسطين بواسطة الحرب الشعبية الطويلة الأمد، حتى يأتي وعد الآخرة أو الحرب الفاصلة، والشعب الفلسطيني ومقاومته جزء من وعد الآخرة والقدر الإلهي بالفعل الإنساني، ما يتطلب مواصلة مشروع التحرير باستمرار مشاغلة العدو بالمقاومة، كطريق لمراكمة القوّة للشعب والمقاومة والأمّة، واستراتيجية لتعميق مأزق "إسرائيل" الأمني والوجودي، وصولاً إلى هزيمتها النهائية وزوالها بالحرب الفاصلة.

 

كلمات دلالية