خبر جوازات السفر.. تجارة رائجة تنهب أموال الغزيين

الساعة 08:25 ص|25 مايو 2009

فلسطين اليوم- قسم المتابعة

دفعت المعاناة المتواصلة التي نسجتها صنارة الحصار على أقوات الغزيين بالعديد من الشبان للهروب من واقعهم الأليم، ورسم لوحة مستقبلهم خارج جدران الوطن،الذي يعاني من حالة انقسام متردية، وحصار مزمن يعصف بأركان الحياة، ففرصة عمل في إحدى البلدان الأجنبية تدور في مخيلتهم باعتبارها قارب النجاة الذي سيرسو بهم على بر الأمان.

 

وحتى تكتمل أحلامهم الوردية فهم بحاجة إلى إصدار جواز سفر جديد يحمل ختم وزارة الداخلية التابعة لحكومة رام الله، مما أوقعهم تحت رحى ابتزاز غير أخلاقي من بني جلدتهم، حيث تستغل مجموعات وأفراد، وبعض مكاتب السفر والسياحة التي لها علاقات وطيدة مع حكومة رام الله حاجة المواطنين لامتلاك جوازات سفر سارية المفعول، سواء عبر إصدار جوازات جديدة، أو تجديدها مقابل ضعف ثمن الجواز الذي يصل إلى 230 شيقلاً في حين أن ما يتقاضاه هؤلاء يصل إلى (500 إلى 700) شيقل يدفعها صاحب الجواز.

 

أماني متعثرة

 

وغالبا ما يقع المرضى والطلبة وأصحاب الإقامات ضحية لتلك المساومات المبتذلة، فأحلامهم بالسفر إلى الخارج تدفعهم لحيازة الجواز الجديد الذي أصدرته حكومة رام الله قبل شهور، والذي تستمر صلاحيته لمدة خمس سنوات.

 

المواطن (ك. م) الذي فضل عدم الكشف عن هويته "للرسالة" كان من ضمن الذين حصلوا على جواز سفر يحمل اللون الأسود، لتحقيق حلمه بالسفر إلى النرويج، وشق مشوار حياته المظلم كما يصفه، ويضيف: "الحصول على جواز سفر أمر ليس صعباً- فالنقود تفتح جميع الأبواب المغلقة، وقد تمت المعاملة عن طريق شخص له علاقة بجوازات رام الله مقابل 500 شيقل، نظرا للإجراءات المعقدة التي يقوم بفك طلاسمها عن طريق الأموال، وطمأنني أن الجواز سيكون في جيبي خلال أسبوع بالكثير". وبالفعل حصلت على جواز سفر جديد، لكن إغلاق معبر رفح عثر طريق أمنياتي، وسأنتظر الفرصة المناسبة لتحقيق ذلك فلا مجال للبقاء في ظل الأوضاع المشحونة التي يخيم عليها الانقسام والحصار.

 

نصيحة مريبة

 

أما قصة المواطنة(أ. ز) من حي الشجاعية فكانت دربا من الخيال، فبعد أربعة شهور تنتهي صلاحية جواز سفرها، مما دفعها للتوجه إلى مكتب للسفريات السياحية وشئون الحج، للاستفسار عن إمكانية تأدية رحلة حجها لهذا العام في حال التمديد على جواز سفرها من قبل الجوازات المدنية التابعة لحكومة غزة.

 

صاحب المكتب قدم لها نصيحة ذهبية تنم عن جشعه في استغلالها، وأخبرها أن السلطات المصرية والسعودية لا تتعامل إلا بجواز السفر الصادر عن حكومة رام الله، مما سيعرقل رحلة حجها لهذا العام.

 

وبحنكته وخبرته في ابتزاز المواطنين أمرها صاحب المكتب بالتوجه للمحكمة الشرعية لحلف يمين على أنها فقدت الجواز، ومن ثم نشر إعلان في إحدى الصحف المحلية(القدس- الأيام – الحياة الجديدة)، وفي النهاية ستكلفها إجراءات الجواز كاملةً ما يعادل 580 شيكلا- كما تقول.

 

وأوجس قلبها خيفة من ذلك العرض الذي يثير التساؤلات والريبة، وقررت الانتظار لموعد الحج ريثما تتحسن الظروف، وتنتهي الخلافات، وحالة الانقسام، فهي تخشى أن تدلي بيمين كاذب وهي ذاهبة لبيت الله الحرام.

 

فرحة مجتزئة

 

هذا الابتزاز لم يكن وليد اللحظة، فعمليات النصب على المواطنين المغلوب على أمرهم حدذت حتى قبل إصدار رام الله لجواز السفر الأسود، فالشاب (خ. س)، من حي التفاح، الذي انهى عقده الثاني تعرض لابتزاز أكثر من سابقه، فقبل ثلاثة شهور استطاع أن يوفر "تحويشة الزواج" بعد أن عمل في مجال الأنفاق؛ وبسبب ضنك العيش وظروفه القاهرة قرر السفر إلى السويد لتحسين وضعه الذي يهدده الحصار بالانحراف كما يقول.

 

وتمكن (خ س)،مع صديقه (م. ر)، من الحصول على جواز سفر أخضر اللون عن طريق شخص له ارتباط مباشر مع رام الله مقابل 800 شيقل، لتذهب نقودهم أدراج الرياح، فبعد أيام قليلة تحطمت أحلامهم على صخرة قرار رام الله بإصدار جواز السفر الجديد، ولم يعد بوسعهم السفر دون تجديد جوازهم مرة أخرى.

 

وتبقى أحلام هؤلاء الشبان في مهب الريح ما دامت بوابة رفح مغلقة، الأمر الذي قد يوقعهم رهينة للمساومة مرة ثانية، فهم بحاجة " للتنسيق الأمني"، ودفع رشاوى مالية تسهل إجراءات خروجهم من القطاع، وغالبا ما تنجز تلك المعاملات تحت ذريعة العلاج بالخارج.

 

تهم باطلة

 

وتجني أطراف محسوبة على حكومة رام الله أموالا غير معقولة أمام رغبة المواطنين بالسفر للخارج في حال فتح معبر رفح ، مما يفتح الباب على مصراعيه أمام هذه الفئة لنهب أموال المواطنين مستغلين  حالة الانقسام السياسي الحاصل في ربوع الوطن.

 

وتهدف حكومة رام الله لتضييق الخناق حول رقاب الغزيين، وحركة تنقلهم، ووضع العقبات أمام حكومة غزة ، فهي تمنع إرسال دفاتر جوازات السفر الجديدة إلى القطاع، مما يضر بمصالح العديد من المرضى والطلبة، وأصحاب الاقامات، لاسيما الذين يحتاجون لإصدار جوازات جديدة.

 

وتنصلت حكومة رام الله من تلك المسئولية، حيث قال أمين مقبول وكيل وزارة الداخلية في حديث لـ"الحياة الجديدة" أنه طرح فكرة إعادة تشغيل مديرية الجوازات في قطاع غزة، لتتولى استقبال المعاملات والتحقق منها، وإرسالها إلى رام الله عبر البريد؛ بعد دفع الرسوم في الحساب البنكي للوزارة لوقف استغلال المواطنين، مشيرا إلى أن قيادة حماس رفضت التجاوب مع هذه المبادرة، لأن هناك علاقة شراكة تربطها مع مكاتب الخدمات التي تعمل في موضوع معاملات جواز السفر، فهي مستفيدة من هذا الوضع كون المواطن يدفع ثمن إصدار جواز السفر مرتين، واحدة لوزارة الداخلية في رام الله، والأخرى للمكاتب التابعة لحماس في غزة.

 

حاجة المواطنين

 

وبحسب الإحصائية التي كشف عنها مقبول لشهر نيسان الماضي -فإن عدد المواطنين الغزيين الذين صدر لهم جوازات سفر وصل إلى ستة آلاف.

 

من جانبه نفى وسام الرملاوي مدير عام الجوازات في وزارة الداخلية بحكومة غزة تلك الادعاءات والإشاعات المغرضة للتغطية والتسويق على جريمة حكومة رام الله بمنعها إرسال دفاتر جوازات السفر لقطاع غزة.

 

وقال الرملاوي "للرسالة": "الطرح الذي عرضته وزارة الداخلية في رام الله لم يتم بشكل رسمي، مضيفا لا يعقل أن يكون 1.5 مليون ونصف نسمة تحت رحمة حكومة رام الله، فالإمكانيات لدينا متوفرة لتجهيز معاملات المواطنين، لاسيما وأننا نمتلك المركزية الخاصة بإصدار الجوازات، لافتا إلى أن إصدار الجوازات في قطبي الوطن كان يتم في قطاع غزة قبل مرحلة الانقسام.

 

وللتخفيف من عبء المعاناة على المواطنين قال: "عملنا على تمديد جوازات السفر المنهية مدة سريانها، وإضافة الأبناء على نفس جوازات السفر، فنحن لا نملك حلا آخر، موضحا أن هناك تعاون مع السلطات المصرية والسعودية لتذليل العقبات أمام المسافرين، والانتفاع من تمديد الجواز لأصحاب الاقامات في الدول العربية وبعض الدول الأوروبية."

 

وحذر المواطنون أن يكونوا عرضة للنصب والاحتيال، فالجواز يمكن تزوير من خلال مطابقة اسم على اسم أخر، أو تبديل الصور، وتغيير المهن وعدم إثباتها نظرا لأنه لا يحتوي على بيانات مفصلة لحامله.

 

وقال الرملاوي:" نحن نتابع بشكل دقيق عمل المكاتب التي ترسل دفاتر جوازات السفر إلى رام الله، لكننا لا نستطيع منعهم؛ بسبب احتياجات المواطنين، مؤكدا على اتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم في حدوث أي تجاوز يمس القانون.

 

ويبقى الغزيون عرضة للابتزازات الجشعة ما دامت حكومة رام الله تمنع حقهم في الحصول على جواز السفر الذي أصبح سلعة للمتاجرة في ظل الحاجة الماسة لامتلاكه.

- الرسالة