خبر باراك أوباما .. الوهم والسراب ..د. محمد مورو

الساعة 03:23 م|23 مايو 2009

قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية بحوالي عام ونصف, نشرت مجلة النيوزويك العربية مِلَفًّا عن السيناتور باراك أوباما، وأحسستُ ساعتها أن الرجل يتم تَلْمِيعُه لتقديمه إلى الانتخابات الرئاسية الأمريكية؛ ليصبح أول رئيس أسود لبيت أبيض، وأن ذلك هو رغبة الأجهزة الأمريكية المتنفذة.

 

وقلت ساعتها في أكثر من مقال، وفي أكثر من صحيفة وموقع إليكتروني: إن باراك أوباما سيصبح رئيسًا لأمريكا، ورغم أن تلك التوقعاتِ كانت وقتها غريبة, إلا أنني أصررتُ على هذا الرأي طَوَال الانتخابات التمهيدية الأمريكية, ثم سباق الرئاسة الأخير بينه وبين السيناتور جون ماكين، واستندتُ في ذلك التحليل إلى أن السياسة الأمريكية ليست صناعةَ الرئيس الأمريكي وحده, بل هي صِنَاعَةُ مُؤَسَّسَةٍ، وأن تلك المؤسسة تحتاج بِشِدَّةٍ في ذلك الوقت إلى شخصٍ جديدٍ، وفِكْرٍ جَدِيدٍ يُحَقِّقُ أكثر من هدف, فما دامت المشروعات الإمبراطورية الأمريكية قد فَشِلَتْ , وما دامت الهزيمة الأمريكية قد حدثت في العراق وأفغانستان, وما دامت الشعوب قد اكتشفت أن الإنسان أقوى من التكنولوجيا, وأن الإرادة والإيمان أقوى من الطائرة والدبابة, فإن المطلوب شَخْصٌ يحول دون تحويل هذه الهزيمة الأمريكية من هزيمة تكتيكية إلى هزيمة إستراتيجية , وأن معركة أمريكا ضد الإرهاب قد تحولت في الوجدان العالمي ومن ثم العربي والإسلامي إلى حرب على الإسلام , وهذا يعطي مَدَدًا مُسْتَمِرًّا من الشباب والرافضين والغاضبين إلى منظمات العنف, وهذا أَمْرٌ لا يمكن لأمريكا مواجهته , ومن ثم فإن المطلوب هو مَنْعُ هذه الظاهرة , والحيلولة دون حصول تلك المنظمات على المزيد من البشر والناس، والدعاية التي يقدمها الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش ورجال إدارته من اليمين الأمريكي الأصولي إلى هذه المنظمات مَجَّانًا؛ تصرفاتُهم الحمقاءُ وتصريحاتهم الأكثر حُمْقًا.

 

ومن الضروري للمؤسسات الأمريكية في ذلك الوقت, أنْ تبحث عن شَخْصٍ يحقق نَوْعًا من الدعاية المضادة لصالح أمريكا في معركتها ضد الإرهاب، وقد تجسدت هذه المطالب في شخص السيناتور باراك حسين أوباما , ذي الجذور الإسلامية، وإن كان قد أصبح مَسِيحِيًّا, والأسود اللون، رُغْمَ كونه من خريجي جامعة هارفارد، والذي تربَّى على قيم أمه البروتستانتية البيضاء. وهكذا تَمَّ دَفْعُ الرجل - وهذا لا يمنع أنه شخص موهوب ويمتلك كاريزما شخصية وذكاءً - وأُزِيلَتِ العقبات من أمامه، وحصل على أكبر تحويل مالي في تاريخ الانتخابات الأمريكية.

 

وعندما فاز الرجل وأصبح رئيسًا لأمريكا، تَمَّ تقديمه إلى الرأي العام العالمي عمومًا والإسلامي خصوصًا على أنه المهدي المنتظر ,  الذي سوف يُغَيِّرُ سياسة أمريكا, وقد أفاد ذلك في تحسين صورة أمريكا بالفعل, ولكنّ الوقائع على الأرض أقوى من الصورة الإعلامية, خاصةً مع الشعوب العربية والإسلامية، التي تتمتع رُغْمَ تخلفها الظاهر بِعُمْقٍ حضارِيٍّ غيرِ مُحْدُودٍ، وخبرةٍ تاريخِيَّةٍ طويلة وعريضة, وهذا يجعلها أَذْكَى من أن تُخْدَعَ بمجرد الصور الإعلامية وحملات الدعاية .

 

على أي حال، فإن الأوهام قد تبدَّدَتْ سريعًا, وذلك أنّ الرجل الذي جاء ليقول ويتمسك بحل الدولتين, لم يستطِعْ أن يطالب إسرائيل مثلًا بتفكيك الجدار العازل, ومن ثم فإن الحديث عن حل الدولتين يصبح مُجَرَّدَ كلام لا قيمة له؛ لأنّ الجدار العازل الذي تبنيه إسرائيل يَنْسِفُ فكرة حل الدولتين نَسْفًا.

 

ثم إن الرجل لم يُغَيِّرْ موقفه من حماس ولا المقاومة الفلسطينية, ولم يفعل شيئًا لِرَفْعِ حصار غزة، وتقليلِ معاناتها, فضلًا عن أي تَحَرُّكٍ لمحاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين في مجزرة غزة التي لا تزال آثارُهَا موجودةً حتى اليوم.

 

من ناحية أخري، فإن الرجل عندما قابل نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي يرفض حل الدولتين، ويَرْفُضُ وقف الاستيطان , ورغم أنه قال بحل الدولتين, فإنه لم يشفع ذلك بالتلويح بأيّ عقوبة لإسرائيل إذا لم توقف الاستيطان مثلًا ! وهكذا فإن المسالة تصبح كلامًا!

 

ولو فكرنا بمنطق المؤامرة, نقول: إنه سوف يصل إلى حل الدولتين فعلًا لإنقاذ إسرائيل ذاتِهَا , على أساس تقديم العرب للمزيد من التنازلات، ومن ثمَّ تصبح الدولة الفلسطينية المزعومة مجرد كانتون عازل، لا أكثر ولا أقل.

 

على مستوًى آخر , فإن الرئيس الأمريكي باراك أوباما سَحَبَ بعض القوات من العراق، وأرسل المزيد إلى أفغانستان، وتَسَبَّبَ مع وزيرة خارجيته في حرب أهلية في باكستان، وسقوط ضحايا مسلمين من الجيش الباكستاني أو الشعب الباكستاني على حد سواء.

 

ولعلَّ من المفيد هنا أن نرصد حالة الهستريا التي تعاملت بها السيدة هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية مع موضوع تطبيق الشريعة الإسلامية في وادي سوات، بعد الاتفاق المعروف بين الحكومة الباكستانية وحركة تطبيق الشريعة الإسلامية في وادي سوات!! وكأن العالم قد انتهى بتطبيق الشريعة, أو كأن الدنيا أظلمتْ, ووَصَلَتْ ضغوطها على الحكومة الباكستانية حتى ألغت الاتفاق, وبدأت الحرب التي لن يكون فيها خاسرٌ إلا الباكستانيين أنفسهم .

 

على مستوي ثالث, فإن الأمل المعقود على احترام حقوق الإنسان، ودعم الحرية التي بدأ بها أوباما رئاسته، عندما صرح بإلغاء مسكر جوانتانامو، والتحقيقِ في حالات التعذيب التي مُورِسَتْ في سجون جوانتانامو والعراق وأفغانستان، وَسْرَعان ما تبددت , فالمسألة تسير بِبُطْءٍ شديد , ويتم التراجع شيئًا فشيئًا عن إجراءات هامة ومؤثرة في هذا الصدد, وآخرها عَدَمُ نشر صور التعذيب التي وعدت إدارة أوباما بنشرها .

 

بل الأكثر مفارقةً أن أوباما اختار مصر التي تملك بالفعل زَخَمًا تارِيخِيًّا ووجدانيًّا وعاطفيًّا وجغرافيًّا وحضاريًّا وسياسيًّا كبيرًا؛ ليُخَاطِبَ العالم العربي والإسلامي من خلالها, ولكنّ هذا في حد ذاته نوعٌ من الضربة شبه القاضية لأحلام الليبراليين المصريين والعرب الذين كانوا يراهنون على أوباما، فخاب رهانهم, واكتشفوا أن أوباما ليس رجلَ مبادئ , بل هو رجل براجماتي حتى النخاع!