رمزيــة "الشعــراوي" بيـن النقـد والنقـض

الساعة 12:56 م|03 فبراير 2023

فلسطين اليوم | الدكتور وليد القططي

رمزيــة "الشعــراوي" بيـن النقـد والنقـض.. بقلم د. وليد القططي

أعلن مدير المسرح القومي المصري الفنان إيهاب فهمي، مؤخراً، أنَّ المسرح القومي المصري سيُطلق أُمسيات رمضانية تحت عنوان "سيرة"، تتناول حياة شخصيات مصرية مؤثرة؛ بهدف إحياء تاريخ هذه الرموز وإبراز دورها في مسيرة التنوير الحديثة في مصر، وعدّد بعض هذه الرموز، ومنها: الإمام محمد عبده، والشاعر أحمد شوقي، والأديب نجيب محفوظ، والفيلسوف زكي نجيب محمود، والعالِم أحمد زويل، والشيخ محمد متولي الشعراوي.

وما إنْ أُعلن ذلك المشروع الفني حتى بدأت حملة إعلامية شرسة عنوانها مُهاجمة وجود الشيخ الشعراوي ضمن هؤلاء الرموز، أما مضمونها فاتّهامه بالتطرف والتخلّف، ورميه بالرجعية والداعشية، وإدانته بمعاداة المرأة والفن، ووصمه بأنه ضد التطوير والتنوير، وتجريمه بإثارة الكراهية والفتنة. وكان أبطالها شخصيات إعلامية وفنية وفكرية التصقت بتيار "التنوير العلماني" في مصر. وهدفها تجاوز النقد المشروع لإنتاج الشيخ الشعراوي الديني والفكري إلى النقض الممنوع لشخصية الشيخ الشعراوي الرمز.

النقد المشروع للشيخ الشعراوي وكل علماء الإسلام، لا سيما البارزين منهم، الذين أصبحوا رموزاً يُرجع إليهم في أمر الدين، ويُقتدى بهم في شأن القيم، ينطلق من حقيقة العمل البشري القابل للصواب والخطأ، مهما كان صاحبه عظيماً وعبقرياً ومبدعاً، وهي الحقيقة التي أقرها الرسول بقوله: "كل بني آدم خطاء"، وفرضية الخطأ في أي عمل بشري خاصة الاجتهاد الديني والفكري نابعة من الطبيعة البشرية غير المعصومة من الخطأ والنقص.

وفرضية الخطأ موجودة في العمل البشري مهما كان صاحبه رمزاً دينياً كبيراً، وغير موجودة في النص الديني القطعي الثبوت والدلالة، سواء أكان القرآن الكريم أم السنة النبوية الصحيحة، وهذا يعني التمييز بين الدين الإسلامي كوحي إلهي مُطلق الصحة، وبين الفكر الديني الإسلامي كاجتهاد بشري نسبي الصحة، ولذلك لا يجوز تقديس إنتاج العلماء الرموز الديني والفكري، كما لا يجوز، في المقابل، نقض الرموز الدينية من العلماء وهدمها وإسقاطها، بتشويه إنتاجهم الديني والفكري وشيطنة شخصياتهم لإسقاط مرجعيتهم ورمزيتهم.

وجود الرموز الدينية في حياة الأمة الإسلامية وشعوبها على اختلاف أنواعها مثل علماء الدين والشريعة، وكبار العُبّاد والزُهّاد، وقادة المجاهدين والمرابطين، وأئمة الدعاة والوعّاظ، وروّاد الإصلاح والتنوير... له أهمية كبيرة إذا قاموا بدورهم الرسالي، فيكونون بمنزلة الروح التي تسري في جسد الأمة والشعب، فتشحذ الهمم، وتنير الوعي، وتقوّي الإيمان، وتُلهب الحماسة، وتوحّد الصفوف، وتُفجّر الطاقات...، وهم دليل انتماء إلى أمة إسلامية واحدة، أو شعب وطني واحد، لأنهم يرتبطون بالرموز نفسها، وهم صورة محتوى يتجاوز ظاهر الوعي إلى باطن اللاوعي في العقل الجمعي والوجدان الشعبي.

وتكمن أهمية وجود الرموز الدينية البشرية على اختلاف أنواعها في الوظائف التي تقدمها للجماعة الدينية الواحدة مهما اتسعت في أمّة كبيرة أو ضاقت في شعبٍ صغير، ومن هذه الوظائف: تجسيد القيم الأخلاقية المُجرّدة في نماذج إنسانية ملموسة، وتوحيد الأفراد المُفرّقين في جماعة دينية واحدة، وتوفير التوازن النفسي – الاجتماعي للمجتمع، وتزويد الطاقة النفسية – الإيجابية للأفراد... وبغياب الرموز بعد نقضها وهدمها تهتز الثقة فيها، وتفقد مرجعتيها الدينية، وتبهت القيم الأخلاقية، وتضعف الرابطة الجمعية، ويفقد المجتمع توازنه، وتنضب طاقة الأفراد الإيجابية، ويُحطّم القدوة، ويُشيطن المثال... والهدف النهائي لمنهج نقض الرموز الدينية خاصة العلماء هو إخراجهم من عملية التأثير في المجتمع، وصولاً إلى إخراج ما يحملونه ويمثلونه من رسالة دينية حضارية من توجيه مسار الحياة للأمة الإسلامية وشعوبها.

وفي الموازنة بين النقد المشروع والنقض الممنوع، أصدرت دار الإفتاء المصرية فتوى، جاء فيها: "الأصل في التجرؤ على العلماء المنع، ويُحرم في حق العوام مُطلقاً، أما العلماء فيجوز لهم النقد والاعتراض والمناقشة بشروطها... ولا حرج أن يختلف المرء مع عالم أو داعية في رأي أو اجتهاد متى كان أهلاً لذلك، لكن الحرج في تحوّل هذا الاختلاف إلى معول هدم لمكانة هذا العالم والحطّ من قدره وازدرائه وسوء الأدب معه".

والنقد المشروع للعلماء لا سيما الرموز منهم لا يتناقض مع الاحترام والتبجيل لهم كوسيط بين النقض والتقديس، فاحترامهم يُعدّ واجباً مصدره تكريم القرآن الكريم والسُنّة النبوية لهم، كونهم ورثة الأنبياء بنص الحديث النبوي في نقل رسالة الدين الحضارية للبشرية.

فصل المقال إذا كانت الفضيلة وسطاً بين رذيلتين، والاعتدال وسطاً بين تطرفين، فالفضيلة والاعتدال في الجدل الدائر حول شخصية الشيخ محمد متولي الشعراوي، كرمز ديني وكل الرموز الدينية من العلماء الأعلام عبر التاريخ هو في الوسط بين رذيلتين وتطرفين، تطرف النقض والهدم لشخصية الشعراوي وغيره، وتطرف التقديس والتنزيه لشخصية الشعراوي وغيره، والوسط هو النقد المشروع لآراء الشعراوي واجتهاداته، وكل العلماء كبشر غير معصومين من الخطأ والنسيان أو الزلل والنقصان مع أهمية الحفاظ على رمزيتهم من دون إسقاط وهدم باحترامهم وتكريمهم، وفي ذلك احترام وتكريم للدين نفسه.

كلمات دلالية