خبر تشيني في تقاعده نصب نفسه محامياً عن ارث بوش ومعادياً لمن يعاديه

الساعة 05:30 ص|23 مايو 2009

فلسطين اليوم-القدس العربي

الازمة التي يواجهها الرئيس الامريكي باراك اوباما والهجمات المستمرة التي يقوم بها نائب الرئيس الامريكي السابق عليه فيما يتعلق باغلاق معتقل غوانتانامو تضع استراتيجية الادارة محل تساؤل، فهناك من يعتبر ان الرئيس فشل في اول امتحان له في الايام المئة الاولى من حكمه، واخرون يعتقدون ان المسألة هي مسألة تسويق وتعليم للامريكيين، والحديث معهم كأفراد ناضجين بدلا من الاملاء عليهم كما كانت تفعل الادارة السابقة.

ويقول هذا الفريق ان اوباما سينجح في الامتحان مثلما واجه تحدي العنصرية اثناء حملته الانتخابية في خطابه المهم الذي اعتبره المراقبون في حينه من اهم الخطابات حول العلاقات العرقية منذ ابرام لينكولن.

 

جاء اوباما للحكم بوعود باغلاق كل الملفات الشائكة التي خلفتها ادارة الرئيس السابق جورج بوش خاصة منع التعذيب في السجون السرية التي اعلن عن اغلاقها بما فيها معتقل غوانتانامو بقرار اول بعد اليوم الثاني من دخوله البيت الابيض، في ذلك اليوم شكك الكثير من القانونيين بقدرة اوباما على الوفاء بتعهداته باغلاق المعتقل سيئ السمعة بنهاية العام الحالي للتعقيدات القانونية التي سيواجهها، مثلما شككوا في قدرته على سحب كل القوات الامريكية من العراق بنهاية عام 2011. لم تعرف الادارة الجديدة انها بدخولها البيت الابيض واستلامها ملفات النظام الماضي فقد كانت تتسلم صندوق بندورة او انها تفتح على نفسها عش الدبابير. امام المعوقات القانونية التي بدأت تظهر امام ادارة اوباما حول مصير المعتقل وحتى الصور التي تظهر التعذيب فيه وفي معتقلات العراق وافغانستان الامريكية اضطر اوباما للتراجع واخيرا الدفاع عن نفسه وعن استراتيجية الامن القومي التي تتبعها الادارة، وبدا هذا واضحا في خطابه في الارشيف القومي.

 

وجاء الخطاب في محاولة لاقناع الامريكيين ان البلد وامنه بيد امينة على الرغم من صيحات التخويف التي يقوم بها اليمين الذي خسر السلطة اضافة الى تشكك التيار الليبرالي بقدرة الرئيس على الوفاء بوعوده، فهو هنا امام معضلة تقتضي منه اقناع هذا التيار ان ما يقوم به من اصلاح لاخطاء النظام القديم كاف لتحقيق الامن بدلا من التخلي عنه.

ولاحظ تحليل في 'نيويورك تايمز' ان الرئيس الامريكي يجد نفسه ولاول مرة في موقع الدفاع، ومن هنا فهو يقامر باستخدام قدراته الخطابية للتأكيد للرأي العام ان ما يقومه هو الصواب، اي ان نقل المشتبه بتورطهم بالارهاب ضد امريكا للسجون الامريكية لن يعرض امنهم وحياتهم للخطر.

 

ووصفت الصحيفة وضع اوباما بانه يقع بين معسكر بوش وبين اتحاد الحريات المدنية، ولانه كذلك يقوم باختيار ملامح تمت لهذا التيار وذلك التيار ليقنع الجميع، فهو يمنع التعذيب لاقناع التيار الليبرالي الذي يعتبر قاعدته، لكنه في الوقت نفسه يقوم بتبني سياسة سلفه من ناحية احتجاز المشتبه بهم بدون محاكمة ولفترات طويلة، من ناحية اخرى يعلن اغلاق المعتقل في قاعدة غوانتانامو لكنه يتمسك في الاتجاه الاخر بالمحاكم العسكرية التي انشأتها الادارة السابقة لمحاكمة المعتقلين هناك. في ظل هذه الانتقائية هل هناك امكانية لنجاح هذا المدخل الذي يطلق عليه اوباما ' المدخل الجراحي'.

 

ومن هنا علق التحليل قائلا ان مدخلا كهذا لا يمكن ان يقنع اي طرف على اليمين او اليسار خاصة عندما يتعلق الامر بموضوع يثير العواطف ويؤججها مثل مكافحة الارهاب. ومن هنا كان اوباما واضحا في موقفه في المراوحة بين عدم الموافقة على الايديولوجية الشاملة المفروضة من فوق على الامريكيين وعلى التنازل عن القيم الامريكية في التعامل مع الارهابيين، وعليه دعا لمدخل حذر يأخذ بالاعتبار الحس العام، لكن ديك تشيني نائب الرئيس السابق عاد وذكر الرئيس الحالي انه في مكافحة الارهاب لا توجد حلول وسط وتبني ايديولوجية ليس امرا مهينا. هذا النقاش الدائر في الاوساط السياسية الامريكية حول قرار اوباما ايجاد ارضية قانونية لحبس المعتقلين بدون محاكمة ومنع نشر صور التعذيب ومواقف التيار المعارض له هو نفس النقاش المتوقع ان يلاحقه طوال فترة ولايته الاولى وهو نقاش لا يريده لانه يحتاج للتركيز على القضايا المحلية الاكثر الحاحا مثل الاقتصاد وحالته المتردية. لكن اوباما يجد نفسه مضطرا لمواجهة النقاش الذي يوزعه بين قطبين: اليمين المحافظ الذي يتهمه بالحاق الخطر بالبلاد جراء سياساته والتيار الليبرالي، الذي يعتبر قاعدته الذي يتهمه بالتخلي عن مبادئه.

 

وفي الوقت الذي يرى فيه كبير مستشاري اوباما ديفيد اكسيلورد ان المشاكل تشعبت في الاسابيع القليلة الماضية الا انه واثق بقدرة اوباما على تجاوزها، مما سيؤدي حسب المستشار الى تقبل الرأي العام لما اسماه المدخل المتعدد الطبقات. بالنسبة للمراقبين فمدخل اوباما البراغماتي وان اعترف بتعقيدات الوضع يتفهم الهجمات على الحزب الديمقراطي خاصة فيما يتعلق بمواجهة الارهاب حيث اتهم اعلان تجاري الحزب بالضعف امام الارهاب لكن المشاكل نفسها قد يعاد انتاجها في الانتخابات النصفية للكونغرس العام القادم.

فحسب محلل يقول ان المدخل الجراحي قد يؤدي لان يترك اوباما بدون داعمين من كلا الطرفين، لكن آخرين يرون ان لا محالة من بروز مدخل لا يعجب اي طرف سواء من يتهم اوباما بانه يتبع خطى بوش السابقة او من يقول من اليمين انه يقول شيئا ويفعل امرا اخر.

 

تشيني وقضايا اخر العمر

 

في الوقت الحالي فان اليمين المحافظ الممثل بديك تشيني لا يرى في المدخل الا خطرا على امن البلاد، فنائب الرئيس الامريكي السابق حسب 'واشنطن بوست' في تقاعده حدد مهمتين له: الاولى الدفاع عن سياسات بوش التي تتعلق بمحاربة الارهاب، والثانية شجب كل من يحاول الكشف عنها وفضحها.

ومن هنا جاء خطابه الذي تزامن مع خطاب اوباما الذي اتهم فيه الاخير بانه 'سيندم' على نقل المعتقلين من غوانتانامو لامريكا، فيما هاجم الناطقة باسم الكونغرس نانسي بيلوسي بمعاملة الاستخبارات بنوع من الريبة. وفي خطابه امام امريكان انتربرايز المعهد المحافظ اكد على ان ما قامت به ادارة بوش سيحكم عليه التاريخ بأنه الصواب.

 

وترى الصحيفة ان تشيني اكد في خطابه على انه سيكون حارس ارث بوش وسيعمل جاهدا على التأكد من عدم قيام ادارة اوباما بتشويه ثمانية اعوام من حكم بوش الذي لم يمنع نائبة من الظهور او يطلب منه الدفاع عنه. لكن حركات المسؤول السابق لقيت ترحيبا من معسكر بوش الذي لم ير ضررا في الدفاع عن سياسات بوش وانه في النهاية يمارس حقه بالتعبير عن رأيه. لكن مسؤولي البيت الابيض يرون تشيني الذي لا يتمتع بشعبية في استطلاعات الرأي بأنه يساعد اوباما على تسويق سياساته. فيما حذر اخرون من ان ظهور تشيني المتكرر يضر بسمعة الحزب الجمهوري الذي يجب ان يعمل على دفع اصوات اخرى للدفاع عنه حسب اري فليتشر المسؤول الاعلامي السابق للبيت الابيض. على العموم جاء دفاع تشيني الاخير في 15 صفحة مليئة بالتفاصيل القانونية والتبريرات لما قامت به الادارة بعد هجمات 11 ايلول (سبتمبر) 2001 لحماية امريكا.