خبر في رحلة استضافها مكتب تحقيق الوقائي: وسيم أبو شهلا ذهب للعلاج في رام الله فعاد بساق متعفنة

الساعة 12:25 م|21 مايو 2009

في رحلة استضافها مكتب تحقيق الوقائي: وسيم أبو شهلا ذهب للعلاج في رام الله فعاد بساق متعفنة

بقلم: أسماء الغول

حين أنزل العلم الإسرائيلي في العام 2000 بداية الانتفاضة الأولى والتقطت الكاميرات صورته، كان وسيم أبو شهلا لا يزال في التاسعة عشرة من عمره وكان العدو لديه واضحاً، وكان معنى الوطن المحتل أيضا واضحاً، فكل تفكيره دار آنذاك حول كيفية انزل العلم الإسرائيلي عن مستوطنة "نتساريم"، رغم أنه أصيب برصاصتي "دمدم" في ساقه تسببتا له بشلل فيها.

 

بعد مرور عشر سنوات ماذا حدث لمفاهيم الوطن والعدو عند الشاب الذي عاد قبل أسبوع من علاج مفترض للمرة الثانية في المستشفى الإنجيلي بنابلس، يحمل وجعا قد لا يمحوه الزمن بفعل تجربة قاسية في التحقيق الأمني.

 

بداية الحكاية: الاستدراج

يقول وسيم الذي لا يتحرك سوى بمساعدة مرافق، إضافة إلى عكازين إنه تقدم بطلب تحويل للارتباط الفلسطيني للذهاب إلى المستشفى الإنجيلي، في يوم الثامن عشر من آذار العام الحالي، وذلك بعد الحرب، وبالفعل استلم التنسيق للمرة الثانية بعد أن كان قد ذهب إلى المستشفى ذاته في شهر تشرين الثاني العام الماضي وجلس في المستشفى آنذاك 25 يوما لعلاج ساقه.

 

وأوضح أنه حين تسلم التنسيق غادر إلى نابلس وتم إجراء الفحوص المعتادة، وهناك نصحه الطبيب بأهمية متابعة العلاج في الأردن فقدم للتحويل في مبنى العلاج بالخارج برام الله وقدمت له الكثير من التسهيلات وتسلم التحويلة في اليوم ذاته، واصفاً ما حدث بأنه استدراج.

 

بقي أبو شهلا ينتظر تصريح مروره من الجسر حتى جاء يوم الخامس من نيسان الماضي واتصل هاتفيا بالدكتور مدحت طه من مكتب الرئيس كي يساعده في الحصول على تصريح لعبور الجسر واستلام عدم الممانعة، وطلب منه طه آنذاك إرسال أوراقه إلى رفعت محيسن الذي يعمل في الارتباط في غزة.

 

يسترسل أبو شهلا وعيناه سارحتان قائلا إنه كان سعيدا جدا بكل تلك التسهيلات والوعود بالشفاء، آملا أن يمشي على قدميه من جديد.

 

وتابع: "في السابع من الشهر ذاته اتصل طه وسألني أين أنت؟ فقلت أنا في منطقة عين المصباح في رام الله أمام سوبر ماركت كذا، وفوجئت بسيارة هونداي سوداء فيها أربعة مسلحين والسائق، خرجوا من السيارة وكانوا يرتدون الزي المدني وسألوا عني في السوبر ماركت وأجبروني تحت تهديد السلاح على الصعود إلى السيارة".

 

وأضاف: "وحين رن هاتفي أخذوه مني، وكنت كلما أسألهم أين أنا، يصرخون: "حط الكندرة في تمك"، ثم وضعوني في مركز صدمت بعدد المسلحين فيه، وهو كما يبدو تابع لأحد أجهزة السلطة، ولأنني مع الأسف لا أعرف القراءة والكتابة لم أقرأ اللافتة".

 

اتهموني بالعمالة لحزب..

وزاد: "صعدت وهم يمسكونني من ذراعي ويصرخون أيها العميل أيها العميل، وهناك أخذوا يصورون وجهي من الأمام والجانب، ثم أخذوني إلى مبنى آخر ووضعوني في زنزانة. كان هناك كثير من الزنازين عليها أرقام"، مشيرا إلى أن زنزانته "كانت فردية مساحتها متران في متر".

 

ويتابع أنه لم يكن يعرف في أي مركز هو، واصفاً نفسه بالعصفور الذي إذا وضع في القفص يُجن، خاصة مع إصابته في ساقه التي تحتاج إلى علاج دائم كي تستمر فيها الحياة، "فدون العلاج لا يجري الدم فيها وقد تنتشر الغرغرينا".

 

وقال إنه بعد نصف ساعة من دخول الزنزانة أخذه اثنان إلى مكتب في طابق علوي ووضعوا لثاما على وجهه، وأخذوا يسألونه من أعطاك التصريح؟ وكيف جئت إلى الضفة؟ موضحاً أنه كان يجيب أن التصريح من وزارة الصحة في رام الله، مضيفا للمحقق "مين اللي بدو يكون جابني يعني؟!"، وهنا قال له المحقق "ما تحكي كثير.." وضربه "أول كف" وكان هذا أول استخدام للعنف الجسدي في التحقيق.

 

ويضيف أبو شهلا: "أرجعوني إلى الزنزانة وبعد ساعتين قادوني إلى التحقيق مرة أخرى ولكن مع محقق جديد، كنت أرى أثناء توجهي إلى الطابق العلوي كثيرا من المسجونين مشبوحين وقد نمت لحاهم بشكل كبير، ولحظتها استقبلني المحقق بقوله "وين يا سيادة الأمير، أم نقول لك يا شيخ، أنت عارف ليش جاي هون؟ علشان انت جاسوس"..!!

 

ويوضح أنه فقد أعصابه ورد عليه: "أنا أنزلت العلم الإسرائيلي عن نتساريم وهززت الكيان الإسرائيلي، فكيف تقول لي إنني عميل لهم؟" فأجاب المحقق "أنت عميل لأبو أنس الغندور مسؤول الأمن الداخلي في السرايا، وكنت تجلس معه في السرايا وتأتي بالمال إلى الضفة وتشتري السلاح".

 

مليون  أم مائة ..

وقال أبو شهلا إنه رد عليه أنه ليس معه سوى 24 مليون، وكان المقصود 2400 شيكل، من ضمنها راتب الجريح الذي يستلمه في غزة ولكن من حكومة رام الله، إلا أن الوصف الغزي للمائة شيكل هي المليون، ومن لحظتها والكل يردد أنه أدخل من "حماس" مبلغ 24 مليون شيكل، موضحاً أن محاولاته تفسير أنه يقصد 2400 شيكل، 1000 منها راتب الجريح والباقي استدانه من صديق له في غزة، ذهبت سدى.

 

وذكر أنه على مدار حوالي خمسة عشر يوماً في الزنزانة، "كان هناك كل يوم محقق جديد، وأساليب تعذيب وشتم جديدة"، وأحياناً كان يغطون عينيه وأحياناً يراهم، مشيراً إلى أنهم جميعاً كانوا من حليقي الرؤوس.

 

وتحدث أبو شهلا عن بذاءة الكلام الذي وصفوه به، شاعراً بالخجل من ترديده، منبهاً إلى أن التهم كانت أنه من الذين قادوا الانقلاب وأنه كان يزور المشتل وأنه كان يتجسس على أبناء حركة "فتح" ويعتقلهم وكذلك المشاركة في قتل سميح المدهون وإطلاق النار على أحد أفراد عائلة دغمش.

 

كنت في فتح..

وهنا تجمعت الدموع في عيني وسيم وقال: "حين أنزلت العلم الإسرائيلي كنت في حركة فتح، وفعلت ذلك للوطن ولحركة فتح، وأيامها أمر لي القائد ياسر عرفات برتبة عسكرية لم تنفذ.. كانت أيامها حركة فتح تعرف قيمة الرجال مثلي وتعرف قيمة إنزال العلم الإسرائيلي، واليوم يتهمونني بأنني من حركة حماس، كيف ذلك وأنا الذي اعتقلته حماس في أحد مقار الأمن الداخلي"، مؤكداً أنه لم يكن يوماً يعمل لدى أي جهاز أمني سواء في حركة "فتح" أو في حركة "حماس".

 

وحول إعتقاله من قبل أجهزة الحكومة المقالة في قطاع غزة، أوضح أنه تم احتجازه لعدة أيام تحت شكوى كيدية بأنه يشتري البنزين بإسم حركة "حماس"، الأمر الذي دفعهم لحجزه في ما سماه "منتدى المحطة" في حي التفاح، مؤكداً أن ذلك أيضاً ظلم لأنه لم يتم التأكد من الشكوى، رغم أنهم اكتشفوا الحقيقة وأطلقوا سراحه في نهاية الأمر.

 

ويضيف وهو يبكي: "إذا كنت مظلوماً من هذا الطرف وذاك، وكل ما أعانيه أنني مريض وأنني أنزلت العلم الإسرائيلي، فإذن أنا غريب في وطني، ما هو الوطن؟ إذا كان الوطن أن أسجن وأهان فلا اريده، سأهاجر، سأخرج من هنا"..

 

وذكر أنه لا يعرف الفرق بين انقلاب وحسم، وحين كان ينسى ويستخدم كلمة حسم عسكري كانت العصي تنهال على رأسه، قائلين "هذا انقلاب يا كلب يا قاتل".

 

وأضاف أنه بعد مرور عدة أيام عرف مكان تواجده، حين قال له أحد المحققين أنت في جهاز الأمن الوقائي المديرية العامة للتحقيق، موضحا أنه أدرك حجم الورطة التي هو فيها.

 

التعذيب..

وحول أساليب التعذيب تلك قال إنهم كانوا يقيدون يديه خلف كرسي بلاستيكي صغير يستخدم في الأعراس، ويضعون كرسيا آخر أمامه ويمدون ساقيه عليه ويخرجون قدميه من فتحات الكرسي ويضربونه عليهما، وإذا أنزل رأسه ليريحه يبدأ الضرب على رأسه.

 

ولفت إلى أنه كان يسمع ويشاهد من فتحة صغيرة جداً في الباب كيف وضعوا رجلاً لا يقل عمره عن ستين عاما على كرسي وقيدوه وبدأوا يوجهون إليه الكلام البذيء، وكيف سمع أحد المعتقلين يصرخ "ريقي حطب، بدي أشرب يا عالم، مشان الله بدي أشرب".

 

وقال إنه في حياته لم يفكر أن قلبه سيحمل ذاك الحقد لأحد مثلما يحمله الآن، وأن ابنه الصغير الذي لم يتجاوز العامين والنصف سيحمل الحقد ذاته على من سجنوه، وتسببوا في تلف ساقه وتذويب عظامه تماماً.

 

وأضاف أنه حين كانت هناك زيارات من الصليب الأحمر أو مؤسسات حقوق الإنسان، كان المحققون يزورون كل واحد في غرفته الفردية ويحذرونه من التحدث عن تعرضه للتعذيب، لافتا إلى وجود كاميرات في بعض غرف الزيارة.

 

وتابع: أحياناً كان يأتي رجلان من الأمن مع الحقوقي الزائر، موضحا أنه حين كان يسأله الزائرون إذا ما تم تعذيبه فيقول إنهم يهتمون به، كذلك كانوا قبل مجيء الحقوقيين لزيارتهم يشترون لهم السجائر والحلاوة ويضعونها في غرفهم، وذلك من أموال المسجونين الموضوعة في الأمانات.

 

حين وصل إلى اليأس..

ولا يخفي أبو شهلا أنه حاول الانتحار مرتين، مرة بربط قميصه ليشنق نفسه وفشل لقرب الأرض من مكان ربط القميص، والأخرى حين حاول قطع شريانه بموس حلاقة وجده في الحمام لكن المحقق الذي ينتظر خلف الباب شك في أمره لطول الوقت الذي استغرقه ففشلت المحاولة.

 

وفسر أنه حاول الانتحار ليهرب من التعذيب النفسي والجسدي الذي وصل معه حد الشعور بالجنون، وكيف وضعوه بعد أن قيدوه في دلو كبير للقمامة، وكيف قيدوه من رجليه وعلقوه لساعات وضربوه ومرجحوه وهم يرددون بصوت مرتفع "هيلا هبا".

 

وأضاف أنهم استخدموا سلكا كهربائيا لجلده، وكذلك آلة زنانة كهربائية يضعونها على الحديد فتصل إليه الكهرباء، لافتاً إلى أنهم كانوا يرشونه بمياه باردة في كل مرة بعد التعذيب والضرب كي لا تظهر آثار على جسده.

 

وقال إنه في آخر أيامه أصبح واضحاً للأطباء المتواجدين في قسم التحقيق أن قدمه تعفنت حين رأوا الدود يخرج منها، وفي يوم الثاني والعشرين من نيسان بدأوا يساومونه بأنهم سيخرجونه ويرجعونه إلى غزة بشرطين، أن يوقع على أوراق خروجه من المستشفى الإنجيلي وأوراق تثبت مسؤوليته عما يحدث لقدمه.

 

الخروج من الجحيم..

وأوضح أنهم قادوه بجيش كبير استغرب عدده وعدته إلى المستشفى، وحينما سأله الطبيب لماذا تريد الخروج، قال إنه سيسافر إلى الأردن، ولم يتحدث لأحد عن حقيقة ما تعرض له، فقد كان مستعدا للتوقيع على أي شيء للخروج من رام الله والرجوع إلى عائلته.

 

وبالفعل بمجرد التوقيع هرب أبو شهلا إلى حاجز قلنديا وعرض حالته الصحية على الجيش الإسرائيلي، وأوصلوه إلى إيرز وذلك بعد تدخل محاميتين حقوقيتين من مؤسسة "بتسيلم" الإسرائيلية، ومن هناك وصل إلى القطاع، لاهثا وراكضاً إلى البيت ليطمئن ذويه الذين كانوا يبحثون عنه.

 

ولا تزال لحظات رعب تصيب أبو شهلا، خاصة وأن هناك رقما مسجلا بـ"خاص" اتصل عليه في غزة أكثر من خمس مرات منذ قدومه يوم الجمعة الماضي، وهدده بأنه إذا تحدث للإعلام سيصلون إليه في غزة ويقتلونه.

 

وختم أبو شهلا: "طلبت من زوجتي ألا تطبخ البازيلاء التي كانوا يقدمونها كوجبة غذاء في السجن، كذلك أن تتصرف في الكراسي البلاستيكية لأنها تذكرني بالسجن"، موضحاً أن رؤيته لوالدته ولابنه جعلته يعرف أنه خرج من ذلك الجحيم.

 

وقد تم إجراء عملية جراحية لساق أبو شهلا بمجرد وصوله إلى قطاع غزة، وإخراج العظام والنسيج الذي وصل إليه التعفن قبل أن يمتد إلى الساق بأكملها فيتم قطعها، والآن ساقه عبارة عن كوم من اللحم.

 

رد الأمن الوقائي..

وسعياً وراء الحقيقة وإثباتها تم الاتصال بالمديرية العامة للأمن الوقائي بمدينة رام الله والتي وعدت أن تتصل بمديرية بيتونيا التي كان أبو شهلا محتجزا لديها لترد بشكل رسمي، وبعد يومين اتصل العقيد أبو إسماعيل الذي رفض ذكر اسمه الصريح، لكن الأحاديث والأرقام كلها محفوظة.

 

وقال إن وسيم أبو شهلا محجوز عندهم بتهمة العمل لصالح حزب بعينه ضد صالح الأمن العام، الأمر الذي يشير إلى احتمال ممارسته للعمل العسكري، لأن أبو شهلا كان عسكرياً في الأمن لوطني، وأنه خالف القوانين بعمله ذلك، واستغل منصبه لخدمة ذلك الحزب ألا وهو حماس، وقد أوقفنا راتبه منذ فترة طويلة، بسبب تعاونه إضافة إلى جنايات أخرى.

 

ثم تساءل أبو إسماعيل: "لماذا أنتم الصحافيون تكتبون عمن نسجنهم، في حين لا أحد يكتب عن أولادنا في غزة الذين يتم تعذيبهم؟"

 

وأضاف أبو إسماعيل: "وسيم أبو شهلا كانت بانتظاره محكمة عسكرية لعمله المخالف لقوانين الخدمة العسكرية، ولكننا أفرجنا عنه مراعاة لحالته الصحية المتدهورة".

 

وأكد أنه لم يتم تعذيب أبو شهلا، كذلك لا يتم تعذيب أي من المسجونين لدى الأمن الوقائي وكل ما يقوله ويصفه من مشاهدات لتعذيب سجناء آخرين هو افتراء وكذب.

 

متابعة حقوقية..

المحامي صلاح عبد العاطي مدير الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان في غزة، يقول إنه يتابع شكوى المواطن وسيم أبو شهلا، موضحاً أن أبو شهلا بالفعل كما يدل العفن الذي وصل إلى ساقه قد تأذى بشكل كبير، وذاكراً أن أساليب التعذيب التي وصفها هي ذاتها التي اشتكى منها معتقلون سابقون عذبوا لدى الأمن الوقائي في رام الله وقدموا شكواهم إلى مكتب الهيئة هناك.

 

وأضاف أنه لم يتم بعد التحقق من التهم التي تم توجيهها إلى أبو شهلا، واصفاً أنه لا يمكن التأويل القانوني في هذه الحالات لحين تبادل المكاتبات الرسمية مع الأمن الوقائي في رام الله، مؤكداً أنها الحالة الأولى التي تخرج من القطاع ويتم اعتقالها في رام الله وتعذيبها ثم إرجاعها إلى القطاع مرة أخرى.

 

وختم أنه من المحزن استمرار ظاهرة الاعتقال السياسي في غزة وفي رام الله واستمرار تعذيب المحتجزين، بطرق مختلفة تزداد يوماً بعد يوم، وعدم كفالة حقوقهم في إجراءات قانونية عادلة، مؤكداً أن هذا الانقسام سببه زيادة انتهاكات حقوق الإنسان بين فعل ورد فعل متبادل في غزة ورام الله، الأمر الذي اثر على حقوق المواطنين وأدى إلى تجاوز سيادة القانون.

 

- شبكة أمين