خبر ما هكذا تكون « الرعاية » .. فهمي هويدي

الساعة 08:56 ص|21 مايو 2009

فهمي هويدي ـ الشرق القطرية 21/5/2009

يظل اللواء عمر سليمان إحدى الشخصيات القليلة التي تحظى بالثقة والاحترام بين المتربعين على قمة هرم السلطة في مصر. وهذه المواصفات تجعلنا نزن كلامه بميزان مختلف عن غيره من المسؤولين. خصوصا أولئك الذين يتحدثون في الشأن الفلسطيني ويسيء كلامهم إلى مصر إساءة بالغة، بحيث أصبحوا ينتقصون من رصيدها كلما تطرقوا إلى الموضوع. حتى غدوا نموذجا لذلك الذي أراد أن "يكحلها" فأعماها.

لأن الرجل من جنس آخر ومقام آخر، فقد استغربت ما نشرته جريدة الأهرام على لسانه يوم الاثنين 18/5 من أنه لا يمكن الحديث عن إعادة الإعمار أو فك الحصار أو التهدئة أو تحريك عملية السلام في المنطقة دون التوصل إلى اتفاق ينهي الانقسام في الساحة الفلسطينية. وهو كلام حمل الانقسام المسؤولية عن كل العناوين بالملفات المتعثرة في الملف الفلسطيني. كأنما كان كل شيء سائرا على ما يرام خصوصا في مسيرة العملية السلمية منذ توقيع اتفاق أوسلو في سنة 1993، ولكن الانقسام الذي حدث في عام 2007 أوقف المراكب السائرة وأعاد عقارب الساعة إلى الوراء، بحيث تراجعت كل "الإنجازات" التي تحققت بين عامى 93 و2007. وهو ما لا يصدقه عقل ولا تؤيده شواهد الواقع، ولا يقول به حتى أبومازن ذاته.

لا أريد أن أهون من شأن الانقسام، لكننا لا ينبغي أن نهول من شأنه أيضا. ولا ينبغي أن نحوله إلى مشجب نعلق عليه كل الإخفاقات التي حدثت أو العقبات التي وضعت أمام التسوية المرجوة.

إنني أفهم أن تتذرع السلطات الإسرائيلية بالانقسام لكي تستمر في الحصار وتمنع الإعمار وتسوّف في مفاوضات السلام، باعتبار أنها لا تريد أن تفوت فرصة وتتعلق بأي ذريعة لكي تواصل الضغط على الفلسطينيين لإذلالهم وإجبارهم في غزة على الرضوخ لشروط الرباعية الدولية، في الوقت الذي تواصل فيه من جانبها توسيع المستوطنات وإكمال السور العازل وتهويد القدس وطرد الفلسطينيين منها بعد تدمير بيوتهم.

أفهم من رجل في حصافة اللواء سليمان أن يقول إن الاحتلال هو المشكلة، وإن مواقف الحكومة الإسرائيلية الجديدة تضاعف من تعقيد أي تقدم مرجو. وإن الانقسام يضر بوحدة الصف الفلسطيني حقا، لكن هناك أمورا يمكن أن تنجز حتى مع استمراره. فقد ظلت المفاوضات مستمرة في ظل ذلك الانقسام طوال السنتين الأخيرتين، بين أبومازن وجماعته وبين الحكومة الإسرائيلية السابقة، وقرأنا أن خمسين اجتماعا عقدت بين أحمد قريع رئيس الوفد المفاوض وبين تسيبي ليفني وزيرة الخارجية السابقة، لكن تلك الاجتماعات لم تسفر عن شيء. فلا حركت حاجزا ولا أطلقت أسيرا، ولكنها ظلت ستارا يخفي التوسعات الإسرائيلية على الأرض. إلى جانب ذلك فالتهدئة التي قصد بها وقف إطلاق الصواريخ من غزة تمت في ظل الانقسام، وتجددت عمليا بعد ذلك والانقسام لا يزال مستمرا.

أما ما كان مثيرا للدهشة في كلام السيد عمر سليمان فهو قوله أيضا إنه لا يمكن في ظل أن يكون هناك أيضا حديث عن إعادة الإعمار وفك الحصار. وهو كلام يمكن توقعه من الأطراف الأخرى ذات المصلحة في استمرار الدمار وتجويع سكان القطاع. لكنه لم يكن متوقعا من رئيس المخابرات العامة الذي كان ينبغي أن يعلن عن أن إعادة الإعمار لا ينبغي أن تؤجل لأي سبب. بعد التدمير الوحشي الذي تعرض له القطاع وأدى إلى تشريد ربع مليون فلسطيني في القطاع. وهو خير من يعلم أن ثمة اقتراحا مسكوتا عليه بتشكيل جهة محايدة تتبع الجامعة العربية أو أي مؤسسة دولية تتولى الإشراف على الإعمار. ولكن حكومة رام الله ترفضه لكي تواصل ابتزاز حكومة غزة ولي ذراعها. ولست أشك في أنه يعرف كذلك أن الحصار فرضته إسرائيل على القطاع بعد حسم الأوضاع في غزة. وأرادت بذلك عدة أمور أولها تأديب القطاع ومعاقبته لأنه صوّت لحركة حماس في الانتخابات. وثانيها إخضاع حكومة غزة وإجبارها على الاعتراف بإسرائيل. وثالثها الانتصار لحكومة أبومازن في رام الله. ورابعها الضغط على أهالي القطاع للثورة ضد حكومة إسماعيل هنية أو على الأقل عدم التصويت لها في أي انتخابات قادمة.

إذا كان ما نشر على لسان السيد عمر سليمان دقيقا، فأخشى أن يحمل كلامه باعتباره انحيازا إلى موقف الأطراف الأخرى وإسهاما في ابتزاز حكومة القطاع وإرغامها على الخضوع للرغبات الإسرائيلية التي تبنتها الرباعية الدولية. وهو ما يسحب من رصيده كطرف نزيه يفترض أنه راعٍ للحوار وليس خصما فيه.