خبر هل المناورة الإسرائيلية الثالثة... «ثابتة»؟ .. خليل حسين

الساعة 08:46 ص|21 مايو 2009

خليل حسين

تباشر «اسرائيل» آخر الشهر الحالي لخمسة أيام مناورة عسكرية تعتبرها الاضخم في تاريخها لجهة محاكاتها الواقعين العسكري والسياسي اللذين يحيطان بها. فاسرائيل كما المنطقة تمر بمجموعة متغيرات، وهي على مفترق طرق، ستحدد مجريات الواقعين الأمني والعسكري ونتائجهما السياسية اوضاع الشرق الأوسط التقليدي والجديد، ربما لعقود قادمة. وفي واقع الامر من الصعب فصل هذه المناورات عن حدثين اساسيين، طروحات رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض مع الرئيس باراك اوباما، والثانية زيارة الاخير الى المنطقة وبالتحديد القاهرة. وبين الحدثين رمال لبنانية متحركة، سياسية عبر انتخابات نيابية ستحدد بشكل او بآخر موقع ومصير لبنان في ترتيبات المنطقة، وأمني عبر انكشاف العديد من شبكات التجسس الاسرائيلية التي تعكس بشكل او بآخر الحراك الاسرائيلي في الساحة اللبنانية الداخلية. فما هي خلفيات وأبعاد المناورة؟ وما هي الرسائل التي يراد منها وبأي اتجاه مصوّبة؟

ساحتان معنيتان مباشرة في المبدأ من هذه المناورة، الاولى الساحة اللبنانية وبالتحديد بيئة المقاومة بمختلف جوانبها، والثانية ايران وبالتحديد برنامجها النووي. وفي كلتا الحالتين هما ملفان مرتبطان عضويا، وأثر المناورات عليهما هو واحد بصرف النظر عن الاولوية، او عن اولوية التنفيذ اللاحق اذا تمكنت اسرائيل من تكوين البيئة الدولية المناسبة لها.

في الملف الاول، لم تتمكن «اسرائيل» عمليا من اعادة هيبتها وسطوتها الى الذاكرة الجماعية للمجتمع الاسرائيلي بعد عدوان غزة، وظلت نتائج هزيمتها في عدوان 2006 ماثلة في اذهان القيادتين السياسية والعسكرية، ما يعيد الى الاذهان مجدداً ان بيت القصيد من المناورة مغامرة اخرى ضد لبنان ومقاومته، وما يعزز ذلك ما تتداوله التقارير السياسية والأمنية المتتالية حول جهوزية المقاومة وتضاعف قواها خلال السنوات الثلاث الماضية، بل ان ثمة تقارير اسرائيلية يرتكز عليها القراران الأمني والسياسي مفاده ان قوة المقاومة باتت استراتيجية المفاعيل والآثار ووسائلها باتت تهدد اسرائيل مباشرة، ما يتطلب اجراءات عملية وتنفيذية متسارعة.

فمن الناحية العملية، لا تعتبر المناورات أمراً جديداً او استثنائيا في الحياة السياسية والأمنية الاسرائيلية، الا ان الجديد فيها هذه المرة، مدى حجمها الكمي والنوعي، ومدى نطاقها البشري والجغرافي، ومدى شمولها السياسي والعسكري، والاهداف الاستراتيجية المتوخاة منها. علاوة على البيئة السياسية الحاكمة التي تشكل اقصى مستويات التطرف في التعامل مع الملفات التي ينبغي الاجابة عنها، كملف المفاوضات مع السلطة الفلسطينية وسوريا، وغيرها من المسائل المتعلقة بلبنان، كمزارع شبعا وتلال كفرشوبا، مروراً بمستجدات الادارة الاميركية وحكم الديموقراطيين الجدد فيها.

إن قراءة دقيقة للخطاب السياسي للثنائي نتنياهو ـ ليبرمان، ومقاربتها ببرامج عمل الحكومة الاسرائيلية توضحان اولويات اسرائيل الحالية وتتلخص بالتوجه نحو البرنامج النووي الايراني وهو بات أمراً علنيا يصرح ويعلن عنه بوضوح تام، وآخرها برنامج زيارة نتنياهو الى البيت الأبيض وما تم التوصل إليه. وقبلها تسريب معلومات موضوعها الزيارة السرية لرئيس جهاز الموساد الاسرائيلي الى واشنطن الذي ناقش خطته الهجومية لضرب المنشآت النووية الايرانية، وهو ما تردد ان الادارة الاميركية رفضته، في هذا الوقت. بيد ان اسرائيل عدلت من طلبها واعطته بعدا عسكريا اقل، مفاده توجيه ضربة كلاسيكية بحيث يسمح للاميركيين بمواصلة التفاوض ولو غير المباشر مع الايرانيين، من دون الضرورة للجوء للتنازلات، رغم ذلك لم تصل هذه الطلبات الى مكان يذكر، وفضلت ادارة اوباما المضي في سلوك الطرق الدبلوماسية لنهاية العام.

الى جانب ذلك، ثمة قوة صاروخية ضاربة ذات بعد نوعي تمتلكه المقاومة وتعتبره اسرائيل ذراعا ايرانية متقدمة على حدوها الشمالية، وهي تعطيه الاولوية عينها باعتبار ان اثر العمل العسكري لاي منهما سيؤدي الى التأثير المتبادل عليهما، وهي أي اسرائيل لا تزال تعتبر هزيمتها في العام 2006 هي هزيمة بالنقاط امام ايران وقوى المقاومة والممانعة في المنطقة، لذا تبدو هذه المناورة موجهة الى المقاومة في لبنان في ظروف لبنانية دقيقة جداً، بدءاً بالتباين الحاد حول الكثير من المسائل التي تترجم انقساما واضحا تحت عناوين انتخابية ستصل ذروتها إبان المناورة الاسرائيلية نفسها.

عن نتائج اللقاء بين نتنياهو وأوباما لم يخرج عن الحدود المتوقعة له، اذ احتفظ نتنياهو برؤيته المتشددة السالفة الذكر تجاه ايران، والذي يعتبر تهديدها ليس استراتيجيا فحسب بل كياني، وهو في اللغة الدبلوماسية الاستعداد لاعلان حرب، فهل سيقدم عليها نتنياهو قريبا وتكون المناورة الضوء الاخضر للبدء في التنفيذ؟ ثمة تحليلات ومعطيات كثيرة لا تماشي هذا الاتجاه للعديد من الاعتبارات، ومنها افتقاد اسرائيل حتى الان الغطاء الاميركي المباشر، اضافة الى عوامل اخرى، لكن القيادات المتشددة والمتطرفة في اسرائيل تعودت على اللجوء الى «سياسة التوريط» وهذا ما فعلته في مواقع كثيرة في اطار الصراع العربي ـ الاسرائيلي وغيره من الملفات، وبخاصة الاستراتيجية او الكيانية، ولا يزال لجوؤها لضرب مفاعل تموز العراقي في العام 1981 بعيداً عن علم الادارة الاميركية، مائلا في الأذهان.

لقد اطلقت اسرائيل على هذه المناورة اسم «التحوّل الثالث»، وقد سبقها مناورتان تحت مسمى اول وثان، فهل ستكون الثالثة ثابتة أم لا؟ إن عصر المغامرات الاسرائيلية قد تكرر كثيرا في العقود الثلاثة الاخيرة، وكانت في غالبيتها ليست لمصلحتها وبخاصة المواجهات مع قوى المقاومة في المنطقة، ومع معرفة اسرائيل الأكيدة عدم قدرتها على استيعاب وهضم الدروس التي لقنتها اياها قوى المقاومة تدرك سلفا، ان أي مغامرة غير محسوبة النتائج ضد ايران على سبيل المثال ستجرها الى حروب من نوع آخر لن تستطيع استيعابه وهضمه لوقت طويل.

إن سياسة المناورات الاستراتيجية الطابع، في مناطق تذخر بأسباب وعوامل التفجير من الصعب ابعاد نطريات الحروب الاستباقية عن اهدافها، لا سيما ان اسرائيل لم توفر ظرفا لتنفيذ اعتداءاتها، ولو بحجج ومبررات تصنعها هي نفسها. من هنا فإن الحذر والاحتياط بل الاستعداد واجب في مثل تلك الظروف وبخاصة في الساحة اللبنانية التي تمتلك كل وسائل التفجير وأدواته.

([) استاذ القانون والعلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية