وثائقي "خارج الحسابات" يعزز الإجابات ويؤكد الروايات

الساعة 09:23 م|07 يناير 2023

فلسطين اليوم | شريف الحلبي

ما كُشف عنه من معلومات وحقائق وأحداث في حلقة "خارج الحسابات" من برنامج "ما خفي أعظم" الذي بثته قناة الجزيرة مساء الجمعة السادس من يناير 2023م يؤكد ويعزز الإجابة عن العديد من التساؤلات التي يتم طرحها سواء من عامة الناس أو من المختصين والمهتمين، وعلى رأس هذه التساؤلات: هل بالإمكان هزيمة المشروع الصهيوني؟، كانت الإجابة عن هذا التساؤل الهام قبل عقود تأخذ شكلاً نظرياً يصعب استيعابه، وكان المُنظّرون لحتمية هزيمة هذا المشروع يحتاجون وقتاً وجهداً لإقناع الآخرين بما يعتقدون، وتدعيم أدلتهم النقلية المستوحاة من المعتقدات الدينية والسنن التاريخية، بأدلة عقلية واقعية من خلال الممارسة والفعل، لكنّ الوقائع الميدانية التي شهدناها في العقدين الأخيرين على أقل تقدير قرّبت إلى الأفهام بما حملته من أدلة عقلية واقعية ملموسة فكرة هزيمة المشروع الصهيوني، فنظرية الأمن التي أسسها رئيس أول حكومة اسرائيلية "دافيد بن غوريون" والتي تُعد إلى جانب العقيدة العسكرية الإسرائيلية من أهم مقومات بقاء وحماية هذا الكيان، تعرضت لخلخلة شديدة في مرتكزاتها الأساسية الأولى (تعزيز قوة الردع – الحسم السريع – الإنذار الاستراتيجي بفعل القدرة الاستخباراتية) من خلال المواجهات والمعارك التي خاضتها المقاومة الفلسطينية واللبنانية ومن خلفها قوى محور المقاومة ضد الكيان الصهيوني، وعلى الرغم من محاولات بعض رؤساء هيئة الأركان وغيرهم لتطوير هذه العقيدة الأمنية بما يصلح لمواجهة التحولات والتحديات في البيئة الإقليمية "لإسرائيل" إلا أن (الردع والحسم والإنذار المبكر) بقيت من الثوابت المركزية، وقد أجمع المختصون الصهاينة بأن الوجود القومي الإسرائيلي مرتبط بمدى كفاءة جهاز الأمن بمفهومه الواسع. ما شاهدناه في وثاقي "خارج الحسابات" من إنجاز أمنى كبير حققته سرايا القدس في معركة صراع الأدمغة يُضاف إلى إنجازات أمنية أخرى كبيرة للمقاومة الفلسطينية من بيت العنكبوت "1" إلى عملية انتزاع الحرية من سجن جلبوع إلى الفشل الاستخباري المدوّي المرتبط بالعمليات المنفردة قبل واثناء وبعد تنفيذها، وإنجازات أمنية لقوى صديقة ومساندة لجهاد الشعب الفلسطيني على صعيد معركة الامن السيبراني وغيره من المعارك الأمنية، كل هذه النجاحات تسلب من "إسرائيل" التفوق الأمني وتهز الثقة في أجهزتها الأمنية، وتشكك في كفاءتها وبالتالي تجعل الوجود القومي الإسرائيلي في خطر حقيقي، يُضاف إلى ذلك تآكل الردع، والفشل في الحسم الاستراتيجي للمعارك مع المقاومة سواء في ساحة لبنان عام 2006م، أو في ساحة غزة 2008م، 2012م، 2014م، 2019م، 2021م، وختام القول لتتميم الإجابة عن هذا التساؤل (هل بالإمكان هزيمة المشروع الصهيوني؟) هو ما جاء على لسان مسؤول الدائرة العسكرية وأبرز المطلوبين لإسرائيل القائد أكرم العجوري بأن "نتنياهو" عاجز وغير قادر على شن حروب مفتوحة، وأنَّ ما يُعد "لإسرائيل" من قوى محور المقاومة في الحرب المفتوحة القادمة هو شيء كبير وما يتم الإعلان عنه هو شيء متواضع.

تساؤلات أخرى تتردد منذ أشهر عن طبيعة ما يحدث في الضفة الغربية من انتفاضة، من الذي فجّرها؟ ومن يقف خلف تشكيلاتها توجيهاً ودعماً؟ وما مدى قوتها؟ وما هي مفاعيل عملها؟، أجابت حلقة "خارج الحسابات" بنوع من السلاسة والوضوح وعلى لسان أولى الامر على تلك التساؤلات، فأصل الحكاية هي كتيبة جنين التابعة لسرايا القدس ومؤسسها جميل العموري، فقد ساعدت مجموعة من العوامل الفكرية والتاريخية والسياسية والميدانية في التكوين والانطلاق من مخيم جنين، وعلى رأسها معركة سيف القدس، وعملية انتزاع الحرية من سجن جلبوع، فكانت الكتيبة أحد ارتدادات تلك المعارك الميدانية لتؤكد على ترابط الساحات، ثم تمدّد هذا الفعل المقاوم إلى طولكرم ونابلس من خلال كتائب أخرى تابعة لسرايا القدس تم تأسيسها في تلك المدن، وبثت تلك الكتائب الروح القتالية من جديد في أرجاء الضفة الغربية وانطلقت العمليات المنفردة التي هزّت الكيان الصهيوني لتهزم استراتيجية الاحتواء وكي الوعي، وتطيح بعقيدة دايتون التي هدفت لخلق مواطن فلسطيني منزوع الإرادة، يستسلم للاحتلال، ويعيش على سياسة "الاسترزاق"، لقد كان لصدى عمليات تلك الكتائب المنتشرة في عدة مدن وقرى ومخيمات الضفة وما حملته من روح، وللعمليات المنفردة التي نفذها الاستشهاديون الأبطال في داخل مدننا المحتلة، ولتضحيات الشهداء، الفضل بعد الله لينتقل العمل إلى مستوى جديد وهو ممارسة شعبية فوق حزبية انتجت نموذج "عرين الأسود" الذي مثّل وحدة ميدانية بروح قتالية مستوحاة من جميل العموري واخوانه الذين قضوا نحبهم، هذا الواقع الشعبي والميداني يتطور وفق منحنى تصاعدي على الصعيد الكمّي والنوعي، هذا ما أكّده بثقة وهدوء لافتين القائد العسكري الأول لحركة الجهاد الإسلامي أكرم العجوري الذي تتهمه "إسرائيل" إلى جانب الأمين العام للحركة القائد زياد النخالة بالوقوف خلف ما يحدث في الضفة الغربية، وأضاف – بما يُطمئننا – أنه على الرغم من اغتيال العديد من القيادات الميدانية للكتائب إلّا أنها تُشكِّل نواة صلبة، وتزداد تطوراً وتراكم الخبرة وستستمر في أداء واجبها، كما أن الروح التي تنطلق منها هي روح وحدوية قائمة على التعاون والتآزر والتعاضد مع الاجنحة العسكرية المقاتلة الأخرى.

الحلقة التي شاهدناها قدّمت أيضاً إجابة موضوعية عن تساؤل مركزي هام وهو: ما سر قوة سرايا القدس على الرغم من الاغتيالات العديدة لأبرز قياداتها ومحاولات استنزاف قدراتها، والتحديات التي تحيط بها، والمضايقات والملاحقات التي يتعرض لها كوادرها وعناصرها؟ فمن خلال الحلقة يمكن استنباط ثلاث عناصر أساسية للإجابة عن هذا التساؤل تضاف إلى عناصر أخرى وهي:

العنصر الأول/ القيادة: يمثل عنصر القيادة عاملاً أساسياً وحاسماً في صمود ونجاح وتطور أي كيان، ودرجة الوعي والقوة والإرادة التي بدت على قائد سرايا القدس أكرم العجوري تجعلنا ندرك أن من يدير هذه المنظومة العسكرية وبتوجيهات من القائد العام للسرايا "الأمين العام القائد زياد النخالة" هي قيادة صادقة ومضحية تُقدم أغلى ما لديها من نفسٍ وولد لخدمة مشروع المقاومة ولا تُسخّر المشروع لمصالحها، قوية لا ترهبها محاولات الاغتيال الفاشلة ولا التهديد به وتمتلك إرادة المواجهة، وتفهم طبيعة المشروع الصهيوني ونقاط القوة والضعف فيه وتُحرِّض عليه.

العنصر الثاني/ الجُند: الإنجاز الأمني الذي حققته سرايا القدس من خلال عملية المجند 106 المزدوج يؤكد على براعة عقول مقاتلي السرايا، وتطور قدراتهم، وجهدهم واجتهادهم بالرغم من قلة الإمكانيات، وإيمانهم بإمكانية خلخلة المنظومة الأمنية الإسرائيلية، إلى جانب ذلك فإن الروح المعنوية والقتالية التي يتحلى بها جُند السرايا هي روح استثنائية ولا يمكن ردعها، عبّر عنها بالقول "أبو محمد" أحد مؤسسي كتيبة جنين الذي تم استضافته في الحلقة: "كل شهيد باستشهد بطلع بداله عشرة"، وترجمها مقاتلو السرايا بتشكيلاتهم المختلفة في غزة في المعارك المتعددة ضد العدو والتي كان آخرها معركة وحدة الساحات، فجند السرايا يتحلى بالشجاعة والقوة والانضباط والمهنية، ويُطوّر من قدراته، ولديه من الوعي والبراعة ما يُمكّنه من إفشال مخططات العدو.

العنصر الثالث/ المرتكزات الحركية: تمثل المرتكزات والمبادئ الحركية وعلى رأسها "مركزية القضية الفلسطينية واستمرار القتال ضد الكيان الصهيوني والوحدة في مواجهته" المنطلقات الأساسية التي يتم من خلالها صياغة العقيدة العسكرية للسرايا والاستراتيجيات التي تُبنى في ضوئها وأدوات الفعل والممارسة التي يتم تنفيذها، وما جاء على لسان مسؤول الدائرة العسكرية القائد أكرم العجوري من مفاهيم ورؤى تتعلق بضرورة القيام بواجب القتال ضد العدو، والوحدة الفصائلية الميدانية والعمل الفوق حزبي في الضفة الغربية الذي تجلّى باحتضان كتيبة جنين لفصائل المقاومة الأخرى، والتنسيق والتعاون الكبير مع عرين الأسود، والتعاون الأمني الكبير الذي أشار إليه القائد العجوري بين السرايا والقسام في غزة يأتي في سياق هذه المرتكزات، ويمثل عامل قوة لسرايا القدس.

ما سبق استعراضه في هذا المقال من إجابات عن التساؤلات التي تم الإشارة إليها بالاستناد إلى برنامج "ما خفي أعظم " هو مجرد تأكيد على أمورٍ باتت معلومة ومفهومة، وتعزيز للرواية الفلسطينية التي تبشّر بحتمية زوال هذا الكيان الصهيوني وانتصار أصحاب الأرض الحقيقيين، ودخوله مرحلة العد التنازلي، في مواجهة الرواية الصهيونية المُزيفة التي تدّعي الحق في الأرض، والتي تخدع من طبّعوا واستسلموا بقوة "إسرائيل" التي لا تُقهر، فالمقاومة تصفعها وتقهرها وتُقصِّر من عمرها.

أختم المقال بسؤال هام أترك إجابته لشرفاء حركة فتح وهم كُثر بعد ما ورد من معلومات في برنامج "ما خفي أعظم" حول الدور الوظيفي الذي تقوم به الأجهزة الامنية الفلسطينية ضد المقاومين في الضفة الغربية من كتيبة جنين وعرين الأسود والكتائب الأخرى لوأد الانتفاضة، هل هذا هو إرث الشهيد أبو جهاد والشهيد أبو عمار؟ أم أن هناك من يسرق منكم الحركة!!

كلمات دلالية