وحدة الساحات المعركة التي لم تنتهي بعد.. بقلم/ رامي حاج سعيد 

الساعة 10:32 ص|07 يناير 2023

فلسطين اليوم

وحدة الساحات المعركة التي لم تنتهي بعد.. رامي حاج سعيد 

منذ اللحظة الأولى لإعلان معركة وحدة الساحات أدركت قيادة حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين بأنها أمام معركة من نوع آخر، ربما تتشابه فيها موجبات إطلاق عملية عسكرية ضد قوى الاحتلال، ولكنها قطعاً تختلف من حيث المؤشرات الأوليّة لمحاولات فصل الضفّة عن غزّة، وتفريغ معركة سيف القدس من مخرجاتها، وأيضاً لبروز بعض المؤشرات المتعلّقة بعدم تلازم المسار المقاوم عند كل القوى السياسية الفلسطينية العاملة، وتحالف القوى العسكرية في غزّة.

وبهذا فقد شكّل عنوان وحدة الساحات بالنسبة للقيادة في حركة الجهاد الإسلامي امتداداً أصيلاً لمفهوم المعركة الاستباقية، بغية إعادة هندسة البنية التحتية للفعل المقاوم على مستوى الكلّ الفلسطيني، ومن ثمّ تحقيق فعل المشاغلة الذي تصرّ عليه حركة الجهاد الإسلامي في ممارستها الثوريّة.

وبهذا المعنى فوحدة السّاحات كعنوان يشكل الرؤية الاستراتيجية لحركة الجهاد الإسلامي…لما يجب أن تكون عليه أي معركة سياسية أو عسكرية أو اشتباك مع قوى الاحتلال، وبالتالي هو جزء أصيل من خطاب إعلامي وسياسي ثابت تم تأطيره عسكرياً في هذه المعركة تحديداً…

نتيجةً لضرورات الأمر الواقع، فهو عنوان لاحق لفعل مستمر.

ولهذا فإنّ إصرار بعض القنوات الإعلامية على تحجيم قرار الحرب ببعض الموجبات المتعلّقة باعتقال الشيخ المجاهد بسام السعدي ومن ثم اغتيال القائد الشهيد تيسير الجعبري والقائد الشهيد خالد منصور وتجاهل الكامن في رؤية قيادة حركة الجهاد الإسلامي إنما هو تفريغ مؤلم لحقيقة هذا العنوان، ولطبيعة الفهم الاستراتيجي لموجبات المعركة، وعلى الجميع أن يتحمّل مسؤولية عدم مواجهة هذا النوع من الخطاب الإعلامي وكل مفرزاته المتعلّقة بالجرأة على صوابيّة قرار وقف إطلاق النار الذي اتخذته حركة الجهاد الإسلامي، ووصف المعركة بمحدودية الأهداف، وبأنها لم تحقق أيٍ منها ضمن إعلان وقف إطلاق النار في السابع من آب 2022.

نعم لقد تعثّر الخطاب الإعلامي لقوى المقاومة ولبعض القنوات الإعلاميّة التي تبنّت معركة وحدة الساحات عندما أخرجوا وقف إطلاق النار على جبهة غزّة، كإعلان لوقف الحرب، وعندما تجاهلوا استمرارها على جبهات أخرى أو بالحدّ الأدنى تعاملوا معها خارج مفهوم وحدة الساحات، ووفقاً لجغرافيا التّصعيد وكأنّ المعركة لم تكن ولم تعيد تركيب المشهد.

ثم كيف لم يتنبهوا للمحدّد الأهم لمفهوم “القتال ووقف القتال” والذي جاء نصاً صريحا في خطاب الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين زياد النّخالة عندما قال: “إن حركة الجهاد الإسلامي قوة فعلية في الساحة الفلسطينية، ولن نتوقف عن القتال ما دام هذا المشروع الصهيوني قائماً، ولن نقدّم أي تنازلات”.

ويبقى السؤال الأكثر الحاحا هو أسباب غياب القدرة على أدلجة خطاب إعلامي موازي قادر على تقديم الحاصل اليومي للفعل الفلسطيني المقاوم على أنه شكل من أشكال تطور الوعي الجمعي الفلسطيني نحو أهمية توحيد الساحات، وكنتيجة منطقية لهذا العنوان الذي تجرأت حركة الجهاد الإسلامي على اجتراحه بالرغم مما بدى في بداية المعركة من تحور المزاج العام، وغياب بعض القوى العسكرية الوازنة.
نعم لا يمكننا بأي شكل من الأشكال فهم المعنى الحقيقي لعنوان معركة وحدة الساحات خارج اطارها الاستراتيجي، وخارج الفهم الحقيقي لقيادة حركة الجهاد الإسلامي بأنها معركة مستمرة وذلك للعديد من الأسباب.

أولها: تطور مفهوم وحدة الساحات ومساره على المستوى الفلسطيني، بدليل كلّ تلك النقاشات الحادّة والمتعلقّة بدور بعض القوى العسكرية في هذه المعركة، ولعلّها النّقطة الأهم في تفاصيل المشهد برمّته.

ثانياً: إنّ من أدار المعركة أدرك بأنّ الندّية في فرض عنوان بهذا الحجم هو جزء من صناعة الفرق على مستوى المشهد المقاوم على الرغم من كل المؤشرات التي تناولتها في بداية المقال، وليس الركون لميزان القوّة العسكريّة والسياسيّة فقط، وبالتالي وضع يده على كلمة السرّ في بناء العقيدة القتاليّة المتعلّقة بوجوبيّة استمرار المعركة حتى ما بعد اعلان انتهاء جولتها الأولى وهذا تماماً ما نراه يوميا في الضفّة وعلى امتداد فلسطين المقاومة.

ثالثًا: القدرة على قراءة المشهد وفقاً لما يجب أن يكون، وليس فقط بالاستناد على قراءة المعطيات الميدانيّة والعسكريّة، وأعتقد أنها سابقة في تاريخ فلسطين المعاصر وثورتها، على أنّها عامل ثابت ومستمر.

 فقرار الحرب الذي أَعلن عنه الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي زياد النخالة كان يتكئ بداية على ما لديه من ثقة بطبيعة التكوين العقائديّ لقواه العسكريّة، ومن ثمّ على إيمانه بضرورة تجاوز كل محددات الخطاب السياسيّ، والعسكريّ والإعلاميّ السابق، والتأصيل لمفاهيم لا يمكن وصفها بالجديدة، بالقدر الذي يمكن أن نقول عنها بأنّ هناك من تجرأ على دفعها من إطارها النظريّ والعقائديّ للتطبيق العمليّ.

رابعاً: ليس من الحكمة تجاوز قدرة العقل العسكريّ والأمنيّ الاسرائيليّ على قراءة المستجد التأصيلي في عنوان معركة وحدة الساحات، وتنبهه لخطورة الطرح المتعلّق باستمرار المعركة حتى تحقيق مفهوم وحدة الساحات وبالتالي قد نفهم هنا كلّ هذا الإصرار للخطاب الإعلاميّ “الإسرائيليّ” على تقزيم مفهوم وحدة الساحات لصالح تظهير المعركة على أنّها مع فصيل واحد وبالحد الأكبر مع قطّاع غزّة.
 فالتغطية على هذا الاتّساع المفاهيمي لعنوان وحدة الساحات، كان أحدّ أهمّ أولويات المنظومة الفكريّة لكيان الاحتلال، لأن حجم الخطر الكامن في تفشّي مفهوم وحدة الساحات على حواضنه الشعبية، يشكل خطورة قد تلامس جوهر الفكرة الصهيونية، وقاعدتها الأساس بأنّ فلسطين أرض بلا شعب، وأيضاً على خطاب كيان الاحتلال لمجتمعه باستحالة بروز البعد العقائدي والوطني لفلسطينيي ال 48 والضفّة، وأيضاً لاستشعاره بأنّ هناك نواة صلبة لخطاب إعلاميّ فلسطينيّ جديد يظهّر المقاومة الفلسطينيّة وغرفة عمليّاتها المشتركة كمشروع تحرّر وطنيّ مستمر، وبما يخالف سرديّة الإرهاب في الروايّة الصهيونيّة.

وبهذا … نعم يجب علينا كإعلاميّين أيضاً أن نتجاوز خطابنا التقليدي، وأن نعيد قراءة معركة وحدة الساحات خارج زاوية التحليل، والسرد ووفقاً لمحدد “المعركة المستمرة”، او ما تطلق عليه حركة الجهاد الإسلامي ” استراتيجية المشاغلة”
ومن ثمّ إعادة تعريف الحواضن الشعبية بأن قيادة حركة الجهاد الإسلامي لم تفهم معركة وحدة الساحات خارج مسارها الجمعي المتصل بكل المعارك السابقة والممهد لكل المعرك القادمة، وبأنّ قرار الحرب كان جزء من قرار استراتيجي لحتمية الخروج من فصائلية الفكرة والعودة بها لمركزية القضية، فوحدة الساحات ما هي إلا معركة مستمرّة ضمن مسار وحدة الوطن ووحدة الأمة ووحدة الهدف.

كلمات دلالية