كريم يونس 40 عاماً... أُقَسِّمُ جِسمي في جُسومٍ كَثيرَةٍ.. والأرضُ أرضي والساحُ ساحي..!

الساعة 02:02 م|05 يناير 2023

فلسطين اليوم

صوتُ بوقُ السيارةِ التي استقلها كريم لمسقطِ رأسهِ ببلدة عارة بالمثلث بالداخل المحتل، وزغاريدُ النسوة طغت على أي صوت آخر ولم تترك للكلامِ مكاناَ لدى من قسَّم جسدهُ في أجسادٍ رفاقه في الأسر لمدة أربعين عاماً.. نعم إنه كريم يونس ابن الـ62 ربيعاً حراً بعد أربعة عقودٍ متتالية ذاق فيها كلَّ صنوف العذاب واحتسى قُراحَ ماءِ غربةِ السجنِ وهو بارد، فكيف لكريم أن يحتمل كل هذه السنوات العجاف فقد أضحى كريم أقدمَ أسيرٍ في العالم؟!...

ولكنها إرادةُ الرجالُ ومن عشقوا حُب الوطن وعرفوا أن الأرض أرضهم والساح ساحهم ولا تراجعّ عن هذا الخيار حتى وإن كان الثمن أعماراً تسرقُها سجون الاحتلال الغاصب المنعدم الإنسانية، كريم لم يستطع الكلام في بداية الإفراج عنه من قبل الاحتلال كانت بمثابة لحظات صدمة وقال:"لا أستطيع الكلام في هذا الوقت اتركوني قليلاَ".

ليتهم عرفوا حجم الشعور الذي تشعر فيه يا كريم الآن فلا أحد يعلمه إلا أنت، وليتهم عرفوا حجم ساعة الشمس في السجن، وساعة الليل في السجن، وحجم العذاب والقهر والغربة عن البيت والأهل والأصحاب، فربما كريم لم يعرف من التقى بهم وربما لا يعرف حتى أسمائهم.

فور الافراج عن كريم ذهب لقبر والدته ليعتذر لها عن سنوات الغياب قصراً بفعل الاحتلال الحاقد، وكأنه يقول لها سامحيني يا أمي على لحظات الفراق كنت أود أن أكون بجانبك، ولكن؟؟!!، توفيت والدته قبل أن ترى كريم محرراً، فعزاؤك يا كريم في هذا الوقت أن أمهات فلسطين جُلها الآن هي بمثابة أمك...!، وواجب علينا أن نرد لك جزءاً من الجميل وعمرك الذي قسمته في سجون الاحتلال.

صديق الأسير المحرر كريم يونس المحرر جهاد غبن الذي قضى 23 عاماً في الأسر قال واصفاً صديقه ورفيق دربه: "كريم" متواضع ومفكر وصبور وقائد بكل معنى الكلمة ولا يبحث عن الشهرة ولا عن الأضواء وله مكانة كبيرة لدى جميع الأسرى "وهو إنسان بسيط جداً ويتفاعل مع كافة الناس، وكريم إنسان لديه بعد نظر من خلال تجربته الكبيرة والممتدة على امتداد سنوات أسره ومعرفته بالمجتمع الصهيوني، وكان حكيماً وتتلمذ على يديه الآلاف من الأسرى من كافة فصائل المقاومة، واكتسبوا من كريم تجربته النضالية، فقد قسم نفسه بين جسوم كثيرة، وقام بتعليم الأسرى اللغة العبرية في داخل السجن".

وأضاف الأسير غبن في حديث خاص لـ"وكالة فلسطين اليوم الإخبارية": "منذ صغره وهو يناضل في صفوف حركة فتح حتى قام بالعلمية التي اعتقل على خلفيتها وهي أسر جندي صهيوني ومحاولة نقله إلى لبنان، ولكن لم تكتمل العملية وقاموا بقتله في النهاية "وكريم هو "أيقونة" ورمز من رموز الشعب الفلسطيني ويؤكد دائماً على وحدة الشعب الفلسطيني في كل الجغرافيا الفلسطينية".

وتابع غبن: "كريم يعتبر الأسير الفلسطيني الوحيد الذي يوجد عليه إجماع من كافة الفصائل الفلسطينية، ويحظى بالتفاف وشعبية كبيرين، وهو يتميز بأنه الأسير المثقف والفدائي العنيد الذي كان له بصمة في العمل الوحدوي الفلسطيني داخل السجون؛ لذلك كان كل هذا الإجماع الذي استحقه".

وأضاف: "عاش كريم يونس في أغلب فترة اعتقاله مع الأسرى من أبناء قطاع غزة في سجني "نفحة" و"عسقلان" وهذان المعتقلان يمكث بهما أسرى من القدس والداخل المحتل وقطاع غزة، وكريم غزاوي الهوي ويحب غزة كحبه لبلدته عارة مسقط رأسه".

وقال غبن :"التقيت في كريم في عام 1991 في سجن "نفحة"، بينما كان آخر لقاء لي به في الـ18 من أكتوبر 2011 ابان صفقة لتبادل الأسرى مع الجندي الصهيوني "جلعاد شاليط"، وكان موقف مؤثر جداً، وبكيت حينما خرجت أنا من السجن وبقي كريم فهو الذي علّمنا وهو رفيق العمر ويجب على كل الفلسطينيين الافتخار به".

وأردف قائلاً :"هو نموذج للتضحية والعطاء بين الأسرى في داخل السجون فهكذا كان معروفاً عنه، وحينما أُبلغنا أنه سيتم الإفراج عنا بقي الأسير البطل كريم يونس برفقة الأسير خليل سراحنه في سجن "هداريم" ولم يتم الإفراج عنه؛ لذلك لم تدخل الفرحة قلوبنا لبقاء كريم في السجن، وفي اليوم التالي وقبل الإفراج عنا زارنا كريم وطلب منا أن نبتسم ونفرح، وفي اليوم التالي خرج الأسير البطل كريم لممارسة الرياضة في ساحة السجن وكأن شيئاً لم يكن".

وختم المحرر غبن قائلاً :"كريم أخفى حزنه حين الإفراج عنا في عام 2011 وقال لنا:"عيشوا حياتكم" وكان يبث فينا الأمل ويدعونا للفرحة وعدم الحزن ويرفع من معنوياتنا، وأنا انهرت بالبكاء أمام كريم في هذا الموقف الصعب ولحظات الفراق وفراق الأحبة داخل الأسر ولم أستطع الوقوف على أقدامي، وطلب مني كريم ومن باقي الأسرى الذين سيتحرروا بأن يبقوا على تواصل معه حتى بعد خروجهم من السجن، متمنياً السعادة لكريم بين أهله في الداخل المحتل وبلدته "عارة".

 بدوره قال الأسير المحرر كريم يونس في تصريحات صحافية فور الإفراج عنه:" إن الاحتلال تعمد إرباكه من خلال نقله من مركبة إلى أخرى خلال الإفراج عنه، دون إبلاغه بالمكان المتواجد فيه، وتركه في مكان مجهول حتى تمكن من الاتصال بعائلته وإبلاغهم بمكان تواجده".

وأضاف يونس من أمام قبر والدته الذي احتضنه باكيا بشدة: "والدتي كانت سفيرة لكل أسرى الحرية، وتحملت فوق طاقتها لكنها اختارت أن تراني من السماء بعد انتظار طويل".

وكان قد توجه كريم إلى قبر والده الذي توفي قبل 10 سنوات والذي حرم من لقائه لأكثر من 17 عامًا.

وحول الرسائل التي حملها الأسرى له قال: الرسالة الأولى هي رسالة الأسرى حب وعرفان لشعبنا الفلسطيني في كل مكان، على صموده وصبره على كل ما يواجهه من إجراءات الاحتلال".

والرسالة الثانية حسبما قال، هي رسالة الوحدة، فهم يدركون جيدا أن الوحدة هي قانون الانتصار.

وقال يونس :"إن الأسرى يحملون الكثير من التساؤلات والرسائل، أنا تركت خلفي الكثير من الأسرى وقلبي معهم، هناك أسرى يحلمون الموت على أكتافهم، واستشهاد ناصر أبو حميد في ظل انعدام الأمل أصبح الأسرى يدخل سهم اليأس لقلوبهم".

ورغم ذلك، قال يونس عن صمود الأسرى: "لدينا استعداد تقديم 40 سنة أخرى من أجل حرية شعبنا وهذه العزيمة والعطاء موجودة لدى كل الأسرى، وعزاؤنا أن الأسرى اليوم موحدين أمام همجية الاحتلال".

وكانت أفرجت قوات الاحتلال في وقت مبكر بعد فجر اليوم الخميس عن الأسير كريم يونس من الأسر بعد اعتقال دام 40 عاماً على التوالي، في محاولة منها لمنع مظاهر الاحتفال بخروج كريم من الأسر وهو ما لم يحدث وحدث عكس ذلك من الالتفاف الجماهيري لأهل الداخل المحتل حول كريم.

ويُشار إلى أن الأسير كريم يونس هو عميد الأسرى الفلسطينيين، وعضو اللجنة المركزية لحركة "فتح"، ولد في الـ23 من تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1958، في بلدة عارة في أراضي الداخل المحتل عام 1948، وهو الابن الأكبر لعائلته.

جدير ذكره أن رفيق دربه، الأسير ماهر يونس، والذي أمضى معه حتى اليوم 40 عاما في السجون، يستعد بعد عدة أيام لنيل حريته، حيث ولد ماهر يونس في الـ6 من كانون الثاني/ يناير 1958، وهو من قرية عارة في أراضي العام 1948، ومن عائلة مكونة من خمس أخوات، وأخ، واعتقلته قوات الاحتلال في الـ18 كانون الثاني/ يناير 1983، وحكمت عليه بالسجن المؤبد، حيث جرى تحديده لاحقا بـ40 عاما، وخلال سنوات اعتقاله توفي والده وذلك عام 2008.

كلمات دلالية