"إسرائيل" في مؤتمر المناخ: تطبيع تقوده الأزمات والفوائض المالية وشعارات إنقاذ الكوكب..بقلم/ عصام شعبان

الساعة 02:00 م|25 ديسمبر 2022

فلسطين اليوم

مثّل مؤتمر المناخ الذي عقد في مدينة شرم الشيخ فرصة إسرائيلية أتاحت تمتين علاقات التطبيع، التي اتخذت من قضايا المناخ مرتكزاً لها، استهدف الوفد الإسرائيلي؛ الكبير نسبياً، الذي ضم ممثلين عن الحكومة والقطاع الخاص، جملة من الأهداف، ليست منفصلة عما تحاول إحرازه إسرائيل في منظمات دولية من مكانة متميزة، ظهرت في قضايا نوعية، مثل قضايا البيئة وقضايا النوع الاجتماعي وحقوق النساء، بغرض غسيل السمعة من جانب، وإحراز مكانة أممية من جانب آخر، غير جذب استثمارات وتمويلات خاصة في قضايا المناخ، التي استطاعت إسرائيل تحقيق تقدم ملموس فيها.

يمكن تحليل مستهدفات إسرائيل في جملة من الأهداف، أولاً؛ إعادة تسويق مشروع الشرق الأوسط بمدخل بيئي، يتسق مع قضايا كوب 27، حمل عنوان مشروع شرق أوسط متجدد، تتعاون وتقوي إسرائيل من خلاله علاقتها مع دول الإقليم. ثانياً؛ جذب استثمارات جديدة لقطاعات تنشط في مجالات مكافحة التغيير المناخي، ضمنها قطاعات الزراعة والغذاء والطاقة النظيفة، ثالثاً؛ ممارسة أكبر قدر من الدعاية المكثفة، بوصفها فاعلة في قضايا المناخ، لديها مؤهلات تقنية واستراتيجية تمكنها من مواجهة تداعياته.

تحضيرات المؤتمر

قبيل المؤتمر؛ ركز خطاب إسحاق هرتسوغ، رئيس دولة الاحتلال، على شعارات إنقاذ الكوكب، معلناً عن مشروعات تعاون إقليمي، في إشارة إلى عقد لقاءات مع قادة المنطقة العربية خلال المؤتمر، ضمنها الإمارات والأردن والمغرب، بجانب مشاورات مع بريطانيا والنرويج وكولومبيا والتشيك وبلجيكا وتشاد والكونغو.

ضمن أنشطة الجناح الإسرائيلي؛ الذي دشن للمرة الأولى، كانت هناك 35 فعالية، كما غدا الجناح في كوب 27 مساحة لأنشطة ونقطة التقاء بممثلي الدول المشاركة، مرتكزاً على شعارات حماية التنوع البيولوجي والأمن الغذائي وأمن المياه والطاقة والتصحر، على اعتبارها مشروعات تتكيف مع التغيرات المناخية.

قادت وزيرة البيئة؛ تمار زاندبيرغ، حملة دعائية تروج لإمكانيات مواجهة التحديات المناخية، عبر شركات وتبادل المعارف وخطط العمل، مستهدفةً تعزيز التعاون الدولي المشترك، ضمن وفد ضم وزراء آخرين ومختصين بمجالي البيئة والاقتصاد.

استكمال مقررات غلاسكو

جاء كوب 27 استكمالاً لخطط إسرائيلية طرحت في مؤتمر المناخ السابق؛ كوب 26، الذي عقد في مدينة غلاسكو، قدمت خلاله تل أبيب نفسها على اعتبارها نموذجاً للصمود أمام أزمة المناخ، مستهدفة عقد شراكات إقليمية ودولية في مجال مكافحة تداعيات المناخ، عبر مشروعات استثمارية ضخمة، مَثل العام الماضي؛ 2021، محطة للتطبيع الإقليمي في مجال البيئة، مدفوعة باتفاقيات أبراهام، أعلنت حكومة نفتالي بينت أن قضايا واستثمارات المناخ جزء من الأمن القومي الإسرائيلي.

كان من المقرر في كوب 26 توقيع اتفاقيات تعاون ثلاثي في مجال المياه، بين الأردن وإسرائيل والإمارات، لكن تأجلت بطلب إسرائيلي؛ وفق تقارير إعلامية، ينص الاتفاق على تزويد إسرائيل بالطاقة الكهربائية من محطة طاقة شمسية أردنية (تمولها الإمارات وإسرائيل جزئياً)، مقابل تزويد الأردن بالمياه عن طريق محطات تحلية المياه الموجودة في إسرائيل.

تناول الرئيس الإسرائيلي في كلمته أثناء كوب 27؛ المشروع بنوع من الاحتفاء، واصفاً إياه بـ "شراكة الازدهار الأخضر والأزرق"، التي تعكس نية الأردن تزويد إسرائيل بالكهرباء الخضراء، ونية إسرائيل تزويد الأردن بالمياه المحلاة، بمشاركة ودعم الولايات المتحدة والإمارات، كما اعتبر المشروع دليلاً على شراكات خلاقة تساهم في الاستقرار.

مشروعات التعاون الإقليمي تطبيع واستثمار الأزمات: المشروع الأردني نموذجاً

جاء لقاء الرئيس الإسرائيلي مع الملك عبد الله؛ على هامش مؤتمر المناخ، استكمالاً لنقاشات ومشاورات سابقة تناولت خطط ومشروعات تعاون في مجالي الطاقة والمياه. خلال المؤتمر وقعت الإمارات والأردن وإسرائيل مذكرة تفاهم، حول إنشاء مشاريع تواجه تداعيات تغير المناخ، أيضاً؛ وقع الأردن وإسرائيل على هامش المؤتمر إعلان نوايا، بغرض تأهيل وتحسين بيئة ونظام المياه في نهر الأردن والبحر الميت.

ساهمت اتفاقيات التطبيع، أزمات الأردن خاصة في ملف المياه، وساطة الإمارات لتقوية العلاقات الإسرائيلية الأردنية، في استكمال مخططات التعاون في مجال المياه وغيره من المجالات، التي أسست لها اتفاقيات السلام الأردنية الإسرائيلية. كما لعبت الإدارة الأميركية دوراً هاماً في تسيير العمل المناخي، على اعتباره إطاراً للتطبيع في محطات متتالية منذ اتفاقية أبراهام، ساهمت في تعزز العمل الإقليمي، خاصة في مجال المياه مربوطاً بقضية المناخ.

التقاء الأهداف وتوفر التمويل

دفعت الإدارة الأميركية وحليفتها الإمارات في اتجاه تسيير مشروع التطبيع، نحو تعاون أردني إسرائيلي؛ خلال معرض إكسبو دبي، في نوفمبر/تشرين الثاني 2021 وقعت وزيرة الطاقة والموارد المائية الإسرائيلية كارين الحرار، ووزيرة التغير المناخي الإماراتية مريم المهيري، ووزير المياه والري الأردني محمد النجار، اتفاقية للمياه، وصفت حينها بإعلان نوايا، بحضور مبعوث المناخ الأميركي؛ جون كيري، وولي العهد الإماراتي؛ الأمير محمد بن زايد.

في يوليو/تموز 2022؛ اتفق على إنشاء محطة طاقة شمسية في الأردن، بوساطة ومساهمة مالية إماراتية، تحصل إسرائيل بموجب الاتفاق على الكهرباء، فيما ترسل إسرائيل المياه إلى الأردن من محطات تحلية المياه التي تملكها.

روج للمشروع بوصفه تحالفاً في مجالي المياه والطاقة، يعد ضمن أكبر مشروعات الطاقة النظيفة في الشرق الأوسط، إذ يمكّن الأردن من تحقيق جزءٍ من استراتيجيتها المناخية، بما فيها التحول إلى مركز للطاقة النظيفة وجذب الاستثمارات، خفض الانبعاثات الكربونية. ينتج الأردن حالياً؛ حسب تقديرات، قرابة 20% من الطاقة التي يحتاجها عبر مصادر متجددة، ويستهدف زيادتها إلى 50% بحلول العام 2030. كذلك يساهم الاتفاق في حل جزء من أزمة المياه الأردنية، خاصة مع التقارير التي تتحدث عن احتمال انخفاض هطول الأمطار بمقادير عالية.

المرتكزات والمستهدفات الاقتصادية

وفق بعض التقديرات، يوفر المشروع بناء محطة طاقة وتحلية في الأردن، نحو 47 مليار دولار بحلول العام 2050 لجميع الأطراف الشريكة، أما إذ أضيفت مشروعات الرياح؛ فسوف يجذب الأردن استثمارات عديدة في مجال الطاقة، يعتمد المشروع؛ الذي تطلب سلسلة من المشاورات والاتفاقات، على مرتكزات ثلاثة هي: توظيف الموارد الطبيعة والبنية التحتية الأردنية، التقنية الإسرائيلية بمعاونة فرق علمية أوروبية وأميركية، استثمارات مالية إماراتية.

يستهدف التعاون الثلاثي: معالجة نقص المياه الأردني، رغبة إسرائيل في توفير الطاقة، توسيع استثمارات الإمارات، كما يوظف أزمات الشرق الأوسط المناخية في خدمة التطبيع، مثل التصحر ونقص كميات المياه، تراجع القدرة على إنتاج الغذاء وارتفاع أسعار الطاقة، في ظل تحديات تزداد مع ارتفاع عدد السكان، ضعف الموارد أو عجز الدول عن توظيفها.

مكاسب إسرائيلية

من ناحية تقنية؛ تستغل إسرائيل مساحة الصحراء الأردنية وخصائصها، ارتفاع مستويات الإشعاع الشمسي، الذي ينتج عوائد توليد كهربائي مرتفعة، فضلاً عن طاقة الرياح، تشير التقديرات إلى أن توليد الطاقة المتجددة في الأردن سيوفر نحو 18.3 مليار دولار لإسرائيل بحلول عام 2030.

ستنتج محطة الطاقة الكهروضوئية ما يقدر بـ 600 ميغاواط؛ مع نظام تخزين يسمح بتصديرها إلى إسرائيل، التي ستحقق عبر توفير الطاقة فائضاً من المياه الناتجة عن مشروعات تحلية مياه البحر، سوف توظف إسرائيل هذا الفائض من أجل تلبية بعض احتياجات الأردن والسلطة الفلسطينية من المياه.

كان ملف المياه ضمن الملفات الأساسية في اتفاقية السلام الأردنية الإسرائيلية، كذلك كان؛ ما زال، موضوعاً للصراع العربي الإسرائيلي. المشروع الأخير؛ أعدت خططه، بدعم علمي شارك به أكاديميون من أكسفورد، يعملون على التعاون عبر الحدود في مجال الموارد الطبيعية، على اعتبارها وسيلة للتعامل مع نقص المياه والطاقة.

أشارت الحكومة الإسرائيلية في وقتٍ سابق إلى أن المشروع يجمع علماء البيئة والسياسة والمسؤولين الحكوميين، مشكلين دبلوماسية البيئة، الساعية إلى دفع عمليات التطبيع، قدمت خلالها فرق العمل تصوراتها حول التعاون.

عوامل تدفع نحو التطبيع المناخي

مثلت مؤتمرات المناخ عموماً؛ بينها كوب 27، فرصاً من أجل توسع التطبيع المناخي في المنطقة، مدفوعةً بعدة عوامل، هي:

أولاً؛ طرح أزمات المناخ وتداعياته المتكررة عربياً ودولياً، إضافة إلى معاناة بعض الدول من مشكلات حادة، مثل شح المياه، كما في الأردن والأراضي الفلسطينية.

ثانياً؛ رغبة دول خليجية للعمل والتعاون من خلال صناديق الاستثمار التي تمتلكها، توجه بعضها للعمل واستثمار فوائضها المالية في مجالات الطاقة النظيفة.

ثالثاً؛ توسع مجالات التطبيع، وازدياد عدد الدول المطبعة بعد اتفاقيات أبراهام.

رابعاً؛ رغبة الإمارات في تبوؤ موقع قيادي ومؤثر في الشرق الأوسط؛ عبر التحالف مع إسرائيل، على حساب قوى إقليمية ذات ثقل تاريخي.

ساهمت كل هذه العوامل في تدشين علاقات شراكة ثلاثية؛ بين إسرائيل والأردن والإمارات، توفير سياقات لتمرير التطبيع عبر خطوط المياه والكهرباء، فضلاً عن مشروعات إماراتية أخرى في مجال التعاون التقني والأمن السيبراني والفضاء. لا تنفي مركزية الدور الإماراتي استعداد؛ ربما انضمام، أطراف أخرى إلى مشروعات تستثمر في الأزمات الحادة، كما في أزمة التصحر والمياه والطاقة وإنتاج الغذاء، أو في نماذج شبيهة، كما في مشروعات الابتكار التكنولوجي المرتبط بقضايا المناخ والبيئة.

إجمالاً؛ تعد الاتفاقية الثلاثية استكمالا وإعادة تنشيط للتطبيع الأردني الإسرائيلي، أي تنفيذاً لاتفاقيات سابقة أو تطويراً لها، تتعلق بملف المياه والطاقة مربوطاً بالتغير المناخي، لكن هذه المرة مع دخول أطراف جديدة، وإدماج الملف الاقتصادي بدور أكبر، وجذب الاستثمارات العربية والبنية التحتية، واستثمارها بكفة إسرائيلية راجحة، التي تمارس دعاية واسعة في ما يتعلق بقضايا البيئة والمناخ، بينما تنتهك سبل الحياة التي تتأثر بالتغير المناخي، بينها الزراعة التي منعت إسرائيل أنشطته في فلسطين، بالإضافة إلى التضييق على أنشطة الصيد والملاحة.

كذلك تسرق إسرائيل الموارد، وتفرض حصاراً خانقاً على قطاع غزة، ينتج آثاراً كارثية على البيئة، ويضر بسبل العيش، رغم ذلك يحاول المحاصرون في غزة المقاومة بكافة السبل، منها إبداع طرق وابتكارات للعيش، بما فيها عمليات تدوير وبحوث وأنشطة تختص بقضايا البيئة والمناخ، التي تحاصرها إسرائيل أيضاً، فيما يوصف بالأبارتهايد المناخي.

كلمات دلالية