لماذا سترتفع أسعار النفط فوق 100$ للبرميل في 2023

الساعة 10:36 ص|18 ديسمبر 2022

فلسطين اليوم

هبطت أسعار النفط في منتصف ديسمبر إلى أدنى مستوياتها في أكثر من عام، حيث لامس خام برنت القياسي المستوى 75$ للبرميل للمرة الأولى منذ ديسمبر 2021. أسباب الانخفاضات الأخيرة لسعر النفط كانت واضحة للعيان.

عانت توقعات الطلب خلال الربع الأخير من تدهور ملحوظ بسبب سعي البنوك المركزية لمجابهة الضغوط التضخمية من خلال إجراءات غير مسبوقة لتشديد السياسة النقدية. لجأ الاحتياطي الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي وبنك إنجلترا لرفع الفائدة بمعدلات غير مسبوقة بعد أن قفز مؤشر أسعار المستهلكين إلى أعلى مستوى في أربعة عقود. النتيجة الطبيعية لمثل هذه الإجراءات التقييدية هي تباطؤ النمو الاقتصادي وصولاً إلى مرحلة الركود.

الأدهى من ذلك هو أن العديد من البنوك المركزية أكدت على أولوية محاربة التضخم، حتى لو أتت على حساب النمو الاقتصادي في المدى القصير. ويجادل هؤلاء بأن خروج التضخم عن السيطرة يخلق حالة من عدم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي من شأنها الإطاحة بأية جهود لدعم النمو. وفي هذا السياق، ازدادت المخاوف بشأن تدحرج الأمور إلى هاوية السيناريو الأسوأ للركود التضخمي، والذي تفشل فيه جهود ضبط الأسعار بسبب عوامل متعلقة بجانب العرض، في الوقت الذي يتلاشى النمو الاقتصادي بسبب رفع الفائدة والإجراءات النقدية ذات الصلة.

برغم ذلك، يرى بعض المحللين أن هناك فسحة للتفاؤل بشأن أسواق النفط والطاقة عمومًا خلال العام الجديد. نلخص في السطور القادمة أهم العوامل التي يستند إليها هؤلاء في الرهان على أن أسعار النفط ستعاود القفز أعلى المستوى المحوري 100$ للبرميل خلال عام 2023.

تحسن توقعات التضخم وصلابة الاقتصاد الأمريكي

بحسب البيانات الأخيرة التي نشرتها easymarkets أتت القراءتين الأخيرتين لمؤشر أسعار المستهلكين في الولايات المتحدة دون التوقعات، كما هبط مؤشر التضخم الرئيسي إلى ما دون المستوى 8% للمرة الأولى منذ يناير الماضي. أدى هذا الاعتدال في معدلات زيادة الأسعار إلى أن يُخفض الاحتياطي الفيدرالي بالفعل وتيرة رفع الفائدة، حيث اكتفى في اجتماع ديسمبر الحالي بنصف نقطة مئوية بعد عدة زيادات غير مسبوقة بـ 75 نقطة أساس. يتحدث البعض عن زيادات طفيفة أخرى حتى إيقاف دورة رفع الفائدة بحلول منتصف العام القادم.

تأتي هذه التطورات في ظل إظهار الاقتصاد الأمريكي لمرونة كبيرة في وجه إجراءات تشديد السياسة النقدية. حافظ سوق العمل على أدائه الجيد ولا تزال معدلات البطالة عند مستويات معقولة، ناهيك عن أن معظم مؤشرات الاقتصاد الكلي لازالت مستقرة أو حققت تراجعات طفيفة. وبطبيعة الحال، فإن تحسن النمو خلال العام المقبل سيحفز الطلب على النفط باعتباره الوقود الرئيسي لعجلة النشاط الاقتصادي.

حظر صادرات الطاقة الروسية

فرضت الدول الغربية عقوبات مشددة على روسيا منذ غزو الأراضي الأوكرانية في فبراير الماضي. ولا يجادل أحد في أن القفزة غير المسبوقة لأسعار الطاقة خلال هذا العام جاءت بدعم رئيسي من تطورات الحرب الروسية الأوكرانية، حيث سجل خام برنت أعلى مستوياته في 15 عام بعد أيام قليلة من بدء العمليات العسكرية على حدود المستوى 130$ للبرميل.

وبرغم هدوء المخاوف لاحقًا بعد "تعايش" الاقتصاد العالمي مع مجريات الحرب كأحد المعطيات اليومية، بدأت أسعار النفط في اتجاه هبوطي بسبب العوامل التي أشرنا إليها آنفًا. من المفترض أن تزداد الأمور سوءً في هذا المنحى خلال الشهور القادمة مع بدء سريان الحظر الشامل الذي فرضه الاتحاد الأوروبي على واردات النفط الروسية في ديسمبر 2022، والذي سيعقبه حظر المنتجات البترولية المكررة في فبراير 2023.

وبحسب تقديرات الخبراء، فإن تطبيق هذا الحظر سيحرم السوق من نحو مليوني برميل من النفط الروسي. وفرضت الدول الغربية أيضًا في وقت سابق من هذا الشهر سقفًا على أسعار بيع النفط الروسي، وهي الخطوة التي قوبلت بالرفض من قبل موسكو وأعلنت أنها ستمتنع عن بيع نفطها لأي دولة تقرر تطبيق مثل هذا ’السقف الغبي‘.

سياسات أوبك+

على الرغم من المسار الهبوطي الذي بدأه سعر النفط منذ منتصف العام، إلا أن السوق شهد بعض القفزات المؤقتة من فترة لأخرى. جاء أخر هذه القفزات بعد إعلان تحالف أوبك+، والذي يضم الدول الأعضاء في منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) ومنتجين كبار من خارج الكارتل النفطي، على رأسهم روسيا، بخفض الإنتاج بنحو مليوني برميل يوميًا.

وبرغم أن التأثير الحقيقي لهذا القرار لم يستمر طويلاً، إلا أن البعض يراه تحولاً استراتيجيًا في موقف دول الخليج الغنية بالنفط، حيث تجاهلت تهديدات الإدارة الأمريكية وأقدمت على خفض إنتاج النفط. هذا التحول يعني أن كبار المنتجين في المنطقة العربية باتوا يفضلون التركيز على مصالحهم المالية والاستراتيجية، حتى لو جاءت على غير هوى حليفهم التاريخي في واشنطن. هذا التوجه قد يدفع تحالف أوبك+ إلى خفض الإنتاج مرة أخرى، وربما مرات عديدة، طوال 2023 إذا ما تدهورت توقعات الطلب مرة أخرى، أو حدثت انفراجه في المحادثات النووية بين الدول الغربية وإيران.

خاتمة

تواجه أسواق النفط تقلبات عنيفة وضبابية غير مسبوقة بشأن توقعات الطلب والعرض خلال الفترة الحالية. وبرغم أن سيناريوهات استمرار المسار الهبوطي للأسعار بسبب الركود الاقتصادي تظل واردة، إلا أن هناك العديد من السيناريوهات الإيجابية التي أشرنا إليها أعلاه. وعلاوة على ما سبق، من المحتمل أن تتلقى الأسعار دعمًا إذا ما تأكد تخلي الصين عن سياسة ’صفر كوفيد‘، والتي أدت إلى إضعاف الطلب في أكبر مستورد للنفط في العالم جراء إجراءات الإغلاق والحجر الصحي المشددة التي طبقتها بكين لاحتواء بؤر انتشار فيروس كورونا.

محصلة هذه العوامل هي بطبيعة الحال خفض حجم المعروض النفطي، والذي عانى بالفعل من حالة من عدم التوازن طوال العام الحالي. إذا صاحب ذلك تحسن ملحوظ في أداء الاقتصاد العالمي بعد نجاح البنوك المركزية في السيطرة على معدلات التضخم والبدء في تثبيت ثم تقليل أسعار الفائدة، فقد يزداد عجز الإمدادات بسبب قفزة غير متوقعة في معدلات الطلب. قد تسهم هذه العوامل المجمعة في إعطاء دفعة قوية لسعر النفط، وبالتالي فإن العودة للتداول أعلى حاجز 100$ للبرميل لن يكون هدفًا بعيد المنال.

 

 

كلمات دلالية