الصهيونية الدينية من الهامش إلى مركز القرار الإسرائيلي (2) ​​​​​​​

الساعة 12:26 م|23 نوفمبر 2022

فلسطين اليوم | حسن لافي

حسن لافي

 

تحالفت الصهيونية الدينية سياسياً بصورة كاملة مع حزب "مباي" (العمل لاحقاً) في بدايات "إنشاء إسرائيل"، وكان هدفها الرئيس من وراء ذلك المحافظة على استمرارية اتفاقية الوضع الراهن، والموقَّعة بين ديفيد بن غوريون وحزب "أغودات إسرائيل" عام 1947، وذات العلاقة بالمحافظة على احترام الدولة للدين. ولم يكن في تفكير الصهيونية الدينية التدخل في السياستين الخارجية والأمنية لـ"الدولة"، لكن الأمر بدأ يتغير مع حرب عام 1967، وما نتج منها من احتلال أراضٍ عربية، أعادت صياغة فكرة "أرض إسرائيل الكبرى" التوراتية من جديد.

ومع صعود حزب الليكود، اليميني القومي العلماني، إلى الحكم عام 1977، عُدَّ الأمر انقلاباً سياسياً حقيقياً آنذاك على القيادة التاريخية للمشروع الصهيوني، متمثلةً بالحركة الصهيونية العمالية بقيادة حزب "مباي"، الأمر الذي أنتج واقعاً جديداً في عدة مستويات أمام الصهيونية الدينية، كرّس حضورها داخل الحلبة السياسية الإسرائيلية والمجتمعية الصهيونية، أهمها:

أولاً، انقسام الخريطة السياسية في "إسرائيل" إلى حزبين سياسيين متنافسين، لكنهما متقاربان في القوة السياسية، الأمر الذي فتح الباب أمام زيادة أهمية الأحزاب السياسية الصغيرة في لعبة تشكيل الائتلافات الحكومية، بحيث إن الأحزاب الدينية الصهيونية باتت تؤدي دور إبرة الميزان في تلك الائتلافات.

أضف إلى ذلك، أن بحث كل من حزب العمل وحزب الليكود عن طريقة للوصول إلى السلطة، دفع قادة كل منهما إلى تقديم مزيد من التنازلات السياسية إلى الأحزاب الصهيونية الدينية، بحيث عدّ الكاتب الإسرائيلي، سامي ميخائيل، أن "قوة الأحزاب الدينية لم تنبع من داخل اليهودية الأصولية، بل إن قادة هذه الاحزاب اكتسبوا القوة والنفوذ على هيئة رِشىً من جانب اليسار واليمين المتعطشَّين دوماً إلى السلطة". وفي المحصّلة، باتت الضغوط، التي مارستها الاحزاب الدينية، ذات أثر بالغ في إعادة تشكيل سلّم الأولويات القومي الإسرائيلي وفقاً لمعايير وقِيَم دينية وتوراتية ذات طابع أسطوري.

ثانياً، لم تعتمد الحركة الصهيونية الدينية فقط على المشاركة السياسية في الكنيست والحكومات الإسرائيلية، من خلال حزب المفدال، أو حتى بعض الأحزاب الأخرى التي انشقت عنه، بل أيضاً كان تأثيرها، سياسياً واجتماعياً، أوسع وأعمق من ذلك كثيراً، من خلال مؤسساتها الشعبية فوق الحزبية، والساعية لاختراق المجتمع الصهيوني، تحت شعار "استيطان القلوب"، فاستفادت الصهيونية الدينية، عبر مشاركتها السياسية في الحكومات المتعاقبة، في شرعنة شبكة واسعة من جمعياتها، ومنظماتها الاستيطانية الدينية، مثل حركة غوش إيمونيم، ومجلس مستوطنات قطاع غزة والضفة الغربية، "ييشع"، وكليات "الهسديير" التحضيرية العسكرية.

القومية، والتقيا على مفهوم "أرض إسرائيل الكبرى"، ومركزية القوة في مجمل العلاقات، سواء بالعالم بأسره، أو بالعالم العربي، بصفة خاصة، من خلال مقولة إن "القوة تحلّ كل شيء"، ناهيك بالحاجة المتزايدة إلى الكراهية، باعتبارها عنصراً رئيساً في الأيديولوجيا الصهيونية اليمينية والصهيونية الدينية، على حد سواء.

على الرغم من تعرّض حزب المفدال، الممثل الرئيس للصهيونية الدينية، لعمليات انشقاق متعددة، الأمر الذي أثّر في الوزن الحزبي للصهيونية الدينية في الحكومات الإسرائيلية، فإن ذلك لم يوقف تغلغل أجندتها السياسية داخل الحالة السياسية الإسرائيلية برمتها، متمثّلةً بمعارضة كل من قيام دولة فلسطينية، وأي سيادة "أجنبية"، غربي نهر الأردن، وعودة اللاجئين، ومتمثّلةً أيضاً بالعمل على تعزيز هذا الاستيطان، وعدم إزاحة أيّ مستوطنة يهودية من مكانها، وضمان أمن المستوطنين، والتمسك بالقدس المحتلة "عاصمة موحدة وأبدية للدولة اليهودية"، وتكثيف عمليات التهويد في المدينة المقدسة وضواحيها، الأمر الذي زاد في وضع العراقيل في وجه التسويات في جميع المسارات.

لكنّ الصهيونية الدينية تلقّت صدمة كبيرة من خلال قرار الانسحاب من مستوطنات قطاع غزة وعدد من مستوطنات شمالي الضفة، تحت عنوان "قانون فك الارتباط"، الذي نفّذه أهم حلفاء الصهيونية الدينية، رئيس الوزراء الأسبق، أرئيل شارون، الأمر الذي دفع الأحزاب الصهيونية الدينية إلى التفكير في إعادة التموضع من جديد في كل المستويات، وأهمها ترتيب بيتها الحزبي، تحت مظلة حزب واحد يمثل الصهيونية الدينية، أُطلق عليه حزب البيت اليهودي، عام 2008، الأمر الذي سيتناوله الجزء الثالث.