خبر زمن الردود..معاريف

الساعة 09:13 ص|15 مايو 2009

بقلم: شموئيل روزنر

مستشار الامن القومي لباراك اوباما الجنرال جيمس جونز نجح في التسبب بقفز عدة مستمعين في القدس في هذا الاسبوع من اماكنهم، عندما صرح علانية بان هناك علاقة مباشرة حسب رأيه بين التصدي لايران وبين التقدم في المفاوضات الاسرائيلية الفلسطينية. هذا حدث في نهاية مقابلة منحها لشبكة الـ أي. بي. سي عندما قال "هناك امور كثيرة يتوجب عليك ان تفعلها حتى تخفف من التهديد الوجودي من خلال عمل جهيد من اجل التوصل الى حل الدولتين". الشخص الثاني الذي جرت معه المقابلة جون ماكين، الذي خسر في الانتخابات لصالح اوباما قبل نصف عام فقط، هنأ جونز باستئناف الجهود للتوصل للسلام بين اسرائيل وجيرانها، الا انه قال "ليس هذا الوقت الملائم لاملاء سياسة جديدة مع حكومة جديدة في اسرائيل".

 

      جونز جاء لهذه المقابلة من اجل الدفاع عن رئيسه وعن نفسه. وعن اوباما في وجه الانتقادات الشديدة التي يوجهها له نائب الرئيس السابق ريتشارد شيني والدفاع عن نفسه من الشعور العام في واشنطن بان جونز هو الحلقة الاضعف في الادارة الجديدة. في المدينة التي يعتبر فيها التصور الذاتي ضروريا لاداء مسؤول بارز، يبدو ان جونز يفقد بعض النقاط مؤخرا. في وزارة الخارجية تجلس امرأة قوية ومؤثرة. بجانبها مدافع ثقيلة مثل ريتشارد هولبورغ الذي يدير سياسة المنطقة الحاسمة في افغانستان والباكستان بينما حصل السيناتور جورج ميتشل على الملف الاسرائيلي – العربي. هذه المجالات على الاقل تنطوي على دور ثانوي لمستشار الامن القومي واقل تأثيرا مما كان معتادا في عهد بوش.

 

      في هذا الاسبوع تمت المصادقة رسميا على تعيين مارا ردومان نائبة لميتشل.

 

      المرأة التي كانت عضوة في مجلس كلينتون للامن القومي وبعد ذلك محققة بارزة في "المركز الامريكي للتقدم" تعرف جيدا تعرجات عملية السلام. عندما اجريت مقابلة معها قبل عامين حول دور "المبعوث الخاص" للشرق الاوسط اوضحت لي بانها لا تعتقد ان مبعوثا من النوع الذي كان معتادا عند كلينتون (دينس روس) وبوش (انتوني زيني واشباهه) يمكن ان يجلب منفعة كبيرة. "مع كل الاحترام لاصحاب المناصب العامة المخلصين هؤلاء" قالت من دون ان تذكر الاسماء، "ليس من الممكن تشبيههم بشخص ما على درجة رئيس دولة سابق". المطلوب بالنسبة للشرق الاوسط هو "احد في هذه المكانة" . ربما قصدت بيل كلينتون الذي شاعت اشاعات بين الحين والاخر عن رغبته في التدخل مجددا في دفع عملية السلام. ولكن كما اتضح هي تعتقد ان جورج ميتشل هو مبعوث كبير بدرجة كافية. الدليل: هي اختارت الانضمام اليه.

 

      رودمان تدرك ان تعيين مبعوث ليس حلا سحريا لاوضاع معقدة. اليكم النكتة التي روتها حتى تجسد ذلك: "ان كنت تريد ان تنتصر في محاكمة فمن الافضل ان يكون القانون والبراهين الى جانبك في ان واحد. ما الذي يفعله المحامي عندما تكون الحقائق ضده؟ يضرب بواسطة القانون. وما الذي يفعله المحامي الذي يقف القانون ضده. يضرب بواسطة الادلة والحقائق. وما الذي يفعله عندما تكون الادلة ضده في ان واحد؟ يضرب على الطاولة". هذا المثال الذي ساقته رودمان. اما الشخص المقصود – هو "المبعوث الخاص لعملية السلام جورج ميتشل" في دور المحامي. ولتضعوا امامه طاولة قوية.

 

      زيارة الصديق

 

      جولة العلاقات الاولى التي يقوم بها بنيامين نتنياهو كرئيس لوزراء اسرائيل مع الادارة الامريكية لم تكن ناجحة. نتنياهو كان شابا متهورا مع الكثير من الاصدقاء في الحزب الجمهوري. بيل كلينتون كان ملتزما بعملية اوسلو ومن صناعها، اسحاق رابين وشمعون بيرس الذي خلفه. لم تنشأ صداقة كبيرة في ظل هذه الظروف – الا ان نتنياهو ليس القائد الاسرائيلي الاول الذي يفشل في الجدولة الاولى في امريكا ويحصل على فرصة اخرى. رابين نفسه وجد صعوبة في تدبر امره مع جيرالد فورد الى انه تصادق بسهولة مع كلينتون. اريئيل شارون كوزير للدفاع تصادم مع رونالد ريغان الذي لم يرضى عن افعاله في لبنان ولكنه حرص كرئيس للوزراء على منظومة علاقات جديدة مع ادارة بوش.

 

      عندما دخل شارون الى المنصب، لم يكن بوش مهتما بصورة خاصة بالشرق الاوسط. اغلبية شؤون الادارة مع اسرائيل حولت نحو ممر جانبي هام: ديوان نائب الرئيس ريتشارد شيني. بوش كان مشغولا جدا في تخفيض الضرائب. هذه كانت قناة مريحة. كان لتشيني الكثير من الاصدقاء في جهاز الدفاع الاسرائيلي وكان لديه الكثير من الاصدقاء في البنتاغون الامريكي. حيث ارسل الى هناك صديقه المخضرم رونالد رامسفيلد في منصب انتهى بعد ذلك بست سنوات بصورة رديئة لم تكن متوقعة سلفا. الملف الاسرائيلي عولج بصورة قريبة من وزارة الدفاع وبعيدا عن وزارة الخارجية التي جلس فيها كولن باول وأعد الخطط غير القابلة للتطبيق لايقاف العنف واستئناف المباحثات. في وقت لاحق عندما تطرق الرئيس بوش للمسألة الاسرائيلية كانت أسس السياسة قد وضعت في مكانها.

 

      فرصة نتنياهو بنوع مشابه من التعاطف معدومة. اوباما هو شخص اكثر برودا بكثير، فقد سمع عن نتنياهو قدرا غير قليل من الشكاوي. ايضا الفجوات الايديولوجية عميقة والمشاكل اكثر اثارة للضجيج من تلك التي وضعت على طاولة بوش – الانتفاضة الفلسطينية هي حدث محلي، بينما وصول ايران الى الذرة او هجوم اسرائيلي مفاجىء لايران هما حدثان عالمييان. المارد الايراني هو وسيلة عمل تستخدم من قبل كل اللاعبين الذين يرغبون بتضليل بعضهم البعض. اوباما يستخدمه ضد نتنياهو من اجل دفعه للتحرك في عملية السلام ونتنياهو ضد اوباما من اجل حرفه عن مسارات ثانوية (فلسطين) وتحويله الى الاساسية (ايران وسوريا). طهران تمارس الضغط على الولايات المتحدة من خلال التهديد بضرب جنودها المنتشرين في العراق وافغانستان حتى تمنع اسرائيل من الهجوم. الولايات المتحدة تلوح بالهجوم الاسرائيلي المحتمل للضغط على دول اخرى من اجل المصادقة على عقوبات جديدة على ايران.

 

      في هذا الاسبوع استخدم بشار الاسد الايرانيين ايضا للتلميح للامريكيين بان الاوراق بيديه. هذا حدث قبل قليل من زيارة جديدة يقوم بها مبعوثا اوباما جيرمي بلاتمان ودان شابيرو لدمشق – زيارة كسابقتها انتهت ببعض خيبة الامل. الامريكيون بعد الزيارة بيوم استئنافوا عقوباتهم على سوريا. الاسد عشية زيارة الامريكيين اشار في لقاء صحفي مشترك مع احمدي نجاد بانه لا يوجد اي سبب للابتعاد عن ايران حسب رأيه. قبل سنة اصلا اتهمت ادارة بوش بانها تكبح وتمنع مباحثات السلام بين اسرائيل وسوريا. هذا كان سهلا ومريحا – ففي تلك الفترة كان من السهل اتهام بوش بكارثة غرق التايتنك.

 

      بوش كان محقا – الاسد لم يرغب بالسلام مع اسرائيل هو يريد عقد الاعمال مع واشنطن. وبعد ذلك بعام يتضح ان ادارة اوباما عالقة في نفس النقطة.

 

      خطاب الرئيس

 

      ان كان براك اوباما يؤمن بقوة الخطابات وقدرتها على تغيير وجه التاريخ فمن الممكن ان نغفر له ذلك. تاريخه الشخصي قد تغير من هذه الخطابات بالتأكيد. وربما ايضا وجه السياسة الامريكية. هو قد القى خطابات زاهرة كثيرة حتى الان ولكن احدها اكثر وردية من الخطابات الاخرى واكثر اهمية. "خطاب فيلادلفيا" حيث حاول موقعة هويته كاسود امريكي في الاطار الذي يتيح له البقاء وفيا "للعشيرة" وان يكون مرشحا لرئاسة "الجميع" في آن واحد.

 

      هذا كان خطابا ورديا القاه في ايام عاصفة سياسية عصفت به عندما كشف النقاب عن ان الخطيب في كنيسته اعتاد توجيه السباب لامريكا. اوباما طولب في حينه بتفسير بقائه في كنيسة شخص كهذا ولماذا لم يسارع للتنصل منه عندما تكشفت مواقفه. تفسيره كان مثيرا ولكنه لا يخلو من الاشكالية ايضا. "خدعة لامعة" قال الكاتب الصحفي المحافظ تشارلز كروتهامر حول ذلك. وقال ان كتاب دفاع اوباما ارتكز على اساسين: معادلة اخلاقية مدحوضة حسب رأي الكاتب بين التطرف الاسود للداعية جيرميا رايت وبين تصريحات عنصرية من "البيض" بما في ذلك جدته هو. و "مشاعر الذنب التي يشعر بها الانسان الابيض" – اي محاولة تبرير تصريحات رايت في سنوات القمع التي عانى منها السود.

 

      معادلات اخلاقية مثيرة للخلاف ومشاعر ذنب حول اعمال ارتكبت في الماضي ستبقى خلافية ايضا بعد خطاب اوباما القادم – "خطاب القاهرة" . بعد عدة اسابيع يحاول اوباما اعادة تعريف علاقات الولايات المتحدة وربما الغرب كله مع العالم الاسلامي. اوباما سيقول في هذا الخطاب للعالم العربي ان عليه ان يتعلم كيف يعيش مع اسرائيل، ولكن قد يقع في اغراء عبارات من النوع الذي اجتذب له الانتقادات بعد خطاب فيلادلفيا. الجلد الذاتي المفرط والامتناع عن انتقاد الانظمة الاستبدادية لن يستقبل بصورة جيدة.

 

      اوباما اختار القاهرة ليس لانه رغب بها وانما لان رغبته كانت اقل في الخيارات الاخرى. السعودية ليست مقبولة، والاردن هامشي جدا والعراق مثير جدا للخلاف. مصر هي الحل الوسط الذي يمكن تحمله: دولة هامة بدرجة كافية ونظام يوجد لدى اوباما "الواقعي" استعداد للتودد منه وقائد (مبارك) يمتلك وزنا اعتباريا. رغم ذلك سيضطر للالتواء عندما سيتحدث من القاهرة حول حقوق الانسان وحقوق معارضي النظام. قادة الحكم المصري – الذين تلقوا الاهانات من وزيرة خارجية بوش كونداليزا رايس سيبرهنوا في الشهر القادم انهم اخر من يضحك.