خبر عمليات استعداد جيدة وهذا كل شيء..معاريف

الساعة 09:11 ص|15 مايو 2009

بقلم: بن كاسبيت

 العلاقة بين جابي اشكنازي وعوفر عيني تبلورت من تحت السطح. عندما كان اشكنازي مديرا عاما لوزارة الدفاع كان عيني قد اصبح مديرا عاما للدولة. أحدهم ربط بينهما فحصل الارتباط فورا. هما شخصان متشابهان. قطط شارع جاءت من الاسفل سقطت ونهضت ولم يكن احد يكترث بها وفجأة وجدا نفسيهما معا على السطح. العلاقة تواصلت وتنامت، وحينئذ جاء وزير المالية روني باراون في جولة الميزانية الاولى ووضع على طاولة الحكومة بديلان: المس بالامن او المس بالطبقات الفقيرة. باراون وجد نفسه منتصبا امام جبهتين. من جهة وقف له عوفر عيني وبوغي هرتسوغ واللوبي الاجتماعي، ومن الناحية الاخرى رئيس هيئة الاركان جابي اشكنازي ووزير الدفاع باراك واللوبي العسكري. باراون كان واثقا مثل العادة ان احدى الجبهتين ستخترق. لشدة المفاجأة لم تخترق اي جبهة. قلة قليلة تعرف ان اشكنازي اتصل بعوفر عيني حينئذ وطلب مساعدته. عيني تطوع للمهمته هكذا بكل معنى الكلمة. بعد ان منع المس بالشرائح الفقيرة، ساعد اشكنازي على كبح المس بجيش الدفاع الاسرائيلي. ما الذي تمخض عنه ذلك كله؟ اننا اصبحنا بلا ميزانية. الدولة تدبرت امرها من دون ميزانية. والان جاء الموعد ب.

 

      في هذه المرة ايضا برزت الحاجة للاختيار. الجيش او الرفاه الاجتماعي. سلاح الجو او التربية والتعليم. في هذه المرة ايضا عملا معا. عندما وقف اشكنازي قبالة رئيس الوزراء والوزراء وقال: "ليس لدي هستدروت، انتم الهستدروت خاصتي" هو عرف ان عيني يعمل من اجله ايضا. هذا التحالف السري بين عيني واشكنازي مع شارغا بروش على الخطوط الهاتفية هو الذي حسم مصير ميزانية الدولة التي تم تمريرها في الحكومة في هذا الاسبوع.

 

 عيني واشكنازي اليوم ايضا اقوى مجموعتي ضغط في دولة اسرائيل. كلاهما يمتلكان وفقا للتقديرات مستقبلا سياسيا. هما الامر القادم. عيني اقسم طوال الوقت ان هذا الامر لا يعنيه. ولكن من المثير ان نعرف كيف سيرد عندما سيقترح عليه احدهم ترميم هيكل البورصة المسمى حزب العمل. فهل سيقبل حكم ما تبقى من الحركة ام يبقى رافضا. اشكنازي في المقابل سيتسرح من الجيش بعد عامين. هو ملزم ببند الفترة الفاصلة لثلاث سنوات طوال، الامر الذي يحوله الى شخص ذو صلة بعد خمس سنوات فقط. هناك في الكنيست من الان وفي اماكن اخرى اشخاصا يتمتمون ضد هذه الفقرة الفاصلة القانونية. اشكنازي تحديدا هو الذي يتوجب عليه ان يسقط بسبب بند الفترة الفاصلة هذه بعد ان تم التعامل معه طوال عشرات السنين في الجهاز السياسي بصورة انتقائية؟ هذا بند تصنيف وليس بند تبريد وفترة فاصلة يقول من يقول.

 

للنجاح ثمن. الامر ملموس بالنسبة لعيني. هذا الشخص يراكم ثقة ذاتية بنفس السرعة التي يفقد فيها نتنياهو مصداقيته. هو لم يعد يتشاور مع المستويات الاختصاصية قبيل اتخاذ القرار والبت في القضايا الاقتصادية الهامة. هو لا يرى اي احد من مسافة متر. الاتجاه ان تواصل يمكن ان يقوده الى الانهيار. هذا قد حدث لاشخاص اخرين من قبله. على عيني ان يأخذ نفسه بيديه وان يدرك حدود قوته وان يهدأ ويستكين. هو في اخر المطاف الحكاية الجيدة وبشارة غير سيئة للسياسة الاسرائيلية. هو رئيس هستدروت ولا يوجد من يضغط عليه من ورائه ولديه جيش الدفاع ورئيس هيئة الاركان ووزير الدفاع الى جانبه، هو قائد سلاح الحراسة لائتلاف نتنياهو، قوته غير محدودة تقريبا. قبل مدة غير بعيدة اندلع اضراب منفلت في سكة القطارات، عيني اقال رؤساء النقابات الذين اضربوا من دون ان يرف له رمش. كل هذا جيد وجميل ، ولكن على عيني ان يواصل اتصاله بالعين مع الواقع وان لا ينسى ولو للحظة، ان الامر الوحيد الذي يحدث اسرع من الصعود هو الهبوط السريع نحو الحضيض.

 

 اول المؤشرات لهذه الظاهرة يمكن ان نراها عند اشكنازي. شخص متواصل رئيس هيئة الاركان هذا، يتحلى بالمسؤولية وبالغرائز الجيدة ، يحب العمل والقيم الحقيقية، ولكن انفجاره في هذا الاسبوع في وجه رئيس الوزراء تسبب له بالضرر. حتى ان كان قد تحدث من القلب، فثورة الغضب جيدة للقاءات الثنائية المنفردة وهو يمتلك كثيرا منها مع نتنياهو. من الجيد انه اعتذر.

 

 مشاهد هذه الليلة الطويلة بين الثلاثاء والاربعاء في ديوان رئيس الوزراء في القدس تجسد الى اي مدى وصل انفراط الحكم في اسرائيل. وزراء الحكومة يجلسون على مقاعدهم من الساعة الحادية عشرة صباحا طوال 21 ساعة متواصلة. الجلسة تستمر وتتقطع بقيادة نائب رئيس الوزراء سلفان شالوم. واحيانا يقوم بقيادتها يوفال شتاينتس حتى. نتنياهو يتنقل بين الغرف صاعدا ونازلا ذهابا وايابا.

 

 هذه جلسة طويلة لا تنطوي على اية اهمية حقيقية. الجلسة الحقيقية تجري بعد طابقين في الاعلى. غرفة صغيرة في الطابق الخامس من المبنى يجلس فيها عوفر عيني واوري يوغاف وشارغا بروش. يتداولون حول صفقة الرزمة. الوزراء في الاسفل يقومون بتمرير الوقت من اجل اخلاء مكان للمزيد من الوقت. جاء دور يوسي بليد حتى يتحدث. هو يتحدث عن التقليص في جهاز الامن وعن سن التسريح للعسكريين الالزاميين. في ذلك الوقت تحديدا تذكر نتنياهو بان عليه ان يطلب من الوزراء ان يختصروا كلامهم. بيلد شعر بالاهانة. ولماذا لا يشعر بالاهانة؟ "يبدو ان رأيي غير هام لكم" قال ، "حسنا يبدو انني لا افهم في هذا الامر". وعندئذ اضاف: "انا افهم مثلكم في هذا المجال" قال موجها كلامه للوزراء، "قبل 48 ساعة قدمت هنا ميزانية امنية مغايرة تماما وها هو كل شيء يتغير ويطرحون علينا ميزانية جديدة. حسنا يبدو ان حدثا امنيا هاما قد حدث في هذه الاثناء. وربما كان ايهود باراك هو الحدث الامني الهام".

 

هكذا يتواصل الامر لساعات. في مرحلة معينة من الليلة تحدث الوزير جلعاد اردين حول اهمية الاصلاح الضريبي الاخضر واوصى بزيادة قيمة استخدام السيارات الملوثة، الامر الذي ذكر شالوم سمحون بان السيارة الطويلة التي يحصل عليها من الدولة تكلفه حوالي 7 الاف شيكل شهريا ومن اجل ماذا؟ حماتي تسكن على مسافة كيلومتر مني، قال متذمرا، وانا لا استطيع ان اخذ السيارة واسافر اليها. لماذا؟ لان علي ان استدعي السائق والمرافقين وهم لا يسمحون بالقيام بذلك اصلا. السيارة الفارهة تعتبر ايضا سيارة انقاذ وهناك اسلوب قتال خاص يقيد استخدامها. كلمات سمحون فتحت مجالا للنقاش والجدال. يتضح انها نقطة مؤلمة بصورة خاصة. رغم ذلك 7 الاف شيكل في الشهر هو مبلغ كبير حتى بالنسبة للوزراء. وزراء كثيرين اشتكوا من انهم يضطرون لاستخدام سيارات زوجاتهم او ايجاد حلول خلاقة للالتفاف على الجهاز الرسمي. الوزراء الجدد مثل ميخائيل ايتان الذي قال انا اخذ السيارة واسافر متى خطر ببالي، واسحاق اهرونوفيتش وجلعاد اردين ايضا علموا نظرائهم القدامى ان من الممكن تربيع الدائرة. من الممكن اقناع المرافقين بان يحترموا الوزير ويدعوه يسوق بنفسه. وهكذا جرى النقاش طوال 20 دقيقة حول هذه القضية الوطنية المؤلمة.

 

      قبيل الفجر اصبح الجميع متعبون تماما. صفقة الرزمة اغلقت فزال التوتر. الوزراء تنقلوا بين الغرف متعبين مرهقين. نتنياهو توجه الى بيته لاخذ قسطا من الراحة. ايلي يشاي سيطر على غرفة سكرتير الحكومة سفيكا هاوزر ونام هناك على الاريكة. ايهود باراك ضبط بالجرم المشهود وهو نائم في الغرفة المجاورة لغرفة الاجتماعات.

 

 مسؤولو المالية خصوصا الرفاق من قسم الميزانيات يستحقون كلمة خاصة بهم. في تلك الساعات الجنونية لم يحسبوا حسابا لاحد. رغم انهم تجولوا بين وزراء كبار الى انهم وزعوا الشكاوي بوتيرة تجارية.

 

  "رئيس الوزراء الحقيقي هو عوفر عيني" قالوا، "هذه مبيعات تصفية" و "فوضى مطلقة" . احد الوزراء الذي اصغى لما يقولون باهتمام كبير وصف ما حدث هناك بانه "اجواء تمرد مكشوف". بعد ذلك اشرقت الشمس كعادتها. يتسحاق هرتسوغ ذهب لاعداد قهوة له ولايهود باراك. "هناك نظام عندنا" تفاخر، "رقم 2 يعد القهوة لرقم 1". افي شاي بريفرمان قال: "انت ليست رقم 2". جدعون ساعر طلب بدوره بالتوقف عن التعرض لرقم 2 . بعد ذلك حدث التصويت وانتهى كل شيء. الوحيدون الذين انقذوا كرامتهم كانوا وزراء شاس الذين عارضوا.

 

  يوفالمان؟

 

  في يوم الاربعاء اتصل محافظ بنك اسرائيل ستانلي فيشر بوزير المالية يوفال شتاينتس. اردت ان اقول لك مبروك نجاح الميزانية، هنأ فيشر شتاينتس. وزير المالية الذي لوثت ملابسه ووجه بالغبار، لم يعرف ان كان عليه ان يضحك ام يبكي. الحظ ابتسم له فعلا. يجب ان نقول بحق شتاينتس انه يفعل كل شيء بعقيدة تامة. من وراء ظهره يوجهون له نظرات استغراب ان لم نقل شفقة. "هو على قناعة انه رقم 2 لبيبي وانه الخليفة". قال احد وزراء الليكود ساخرا. "هذا ما يحدث عندما يصر وزير في وزارة المالية بان يكون وزير المالية" اضاف الثاني.

 

 شتاينتس لا ينظر للوراء. هذا الاسبوع كان بالنسبة له نجاحا كبيرا. حتى ستانلي فيشر قال ذلك. اخيرا يفعلون شيئا ما ويبلورون خطة اقتصادية وفيشر حسب شتاينتس هو الاجماع الاقتصادي. اذا من الصحيح ان شتاينتس يعترف بان اخطاء قد ارتكبت هنا وهناك خلال العملية نفسها. وعلى الطريق يسقط الشباب كما يقول متجاهلا حقيقة انه الان من هؤلاء الشباب.

 

 احدهم سأله في هذا الاسبوع حول مصر. شتاينتس طوال فترة طويلة تجول منظرا ضد السلام مع مصر. وكم من الواجب الاستعداد طوال الوقت للحرب. وكيف يتآمرون علينا وان من المحظور علينا ان نغفوا وان علينا ان نعد العدة وما الى ذلك من الامور. فجأة اصبح وزير المالية.  وكل شيء يتوجب فعله كما كان يطالب يكلف المليارات. فما العمل الان؟ الان، قال شتاينتس يلمس تغير دراماتيكي في العلاقات مع مصر. اخيرا بدأوا يتعاونوا ضد ايران وحزب الله. تغير استراتيجي حقيقي. بالفعل الامور التي يرونها من هنا لا يرونها من هناك.

 

 لم يتعلم كيف يدير نفسه

 

  غدا سيتوجه نتنياهو الى واشنطن هو يخشى من هذا اللقاء وعن حق. ليس هناك خطأ لم يرتكبه نتنياهو واعوانه قبيل التوجه الى واشنطن. كان من الممكن وبجهد بسيط تحويل الزيارة الى رافعة. تقليص المقاومة والتقليل من الثرثرة حول الجهور. كل "اعادة النظر" التي قام بها نتنياهو كانت مجرد وهم. ادارة اوباما ترسل الاشارات الينا بوتيرة دموية. لا بيبي لن يطرد من البيت الابيض، الزيارة الاولى تنجح دائما وكل مظاهر التشريفات ستكون في مكانها. ولكن التقارب والتعاون والقنوات الخاصة والتحالف الاستراتيجي، كل هذه الامور التي قام شارون واولمرت بدفعها الى الامام بدرجة كبيرة، تمر الان في جمود عميق. نتنياهو ربح ذلك باستقامة. هو لم يتعلم كيف يتدبر امره. وهو لا يعرف كيف يدير الامور في اية مرة من المرات على ما يبدو.

 

 اليكم مثلا زيارة البابا: ديوان نتنياهو يكرس طاقة لا تتوقف طوال اسابيع من اجل عقد لقاء بين البابا ونتنياهو في القدس. الفاتيكان يرفض. الزيارة اعتبرت "دينية" وليس رسمية. المستضيف هو شمعون بيرس. تحدد ان يجري اللقاء في الناصرة وهذا ما سيحدث. ديوان نتنياهو لم يتنازل وحاول مرارا وتكرارا. يوم الخميس هناك زيارة سرية للاردن ونتنياهو يفضل القدس.

 

 الامور وصلت الى الذروة عندما جرت محاولة لعقد لقاء بين الاثنين يوم الاثنين في هذا الاسبوع. خلال زيارة البابا للحاخامات الرئيسيين لاسرائيل. تحت جنح الظلام جاء اتصال هاتفي مستعجل من ديوان نتنياهو. وزارة الخارجية وغيرها من الاطراف حذروا: ليست هناك فرصة لان يوافق الفاتيكان. هذا يناقض كل قواعد الطقوس والمراسيم. اتباع نتنياهو تجاهلوا ذلك. الطلب نقل. الفاتيكان رفض. مرة اخرى. اتباع رئيس الوزراء تنازلوا. فليلتقوا في الناصرة. اذا لماذا كل هذا؟ من الذي يحتاج مثل هذا اللقاء ايضا؟ لماذا يجب زج رئيس الوزراء في كل لقاء واستغلال كل عدسة كاميرا والتركيز على المظاهر – اولست انت رئيس الوزراء. لم تعد هناك حاجة للبرهنة عن اي شيء. كما ان خطاب الفيديو الذي ارسل بمراسيم اشعال الشعلة في يوم الاستقلال جاء فقط من اجل اغضاب روبي ريبلن وايصاله الى عنان السماء.