خبر إسرائيل... هل بلغت شيخوختها باكراً؟ ..ماجد الشيخ

الساعة 06:52 ص|15 مايو 2009

إذا كانت إسرائيل قد احتفلت في أيار (مايو) العام الماضي بالذّكرى الستين لإعلانها كيانا/دولة لمستوطنيها من اليهود، وبدورها الوظيفي الملازم والمحايث لوجودها في خدمة الغرب الاستعماري ودوله الإمبرياليّة، فهل يمكنها الاحتفال بالذكرى المئة والعشرين؛ كما وعد الرئيس الأميركي السّابق جورج بوش الإسرائيليين من على منصّة الكنيست؟ أو حتى الذّكرى المئة؟

إبراهام بورغ الذي وصل يوما إلى رئاسة الكنيست، بل بلغ به الحال أن يتردّد اسمه كمرشّح لرئاسة الحكومة، لا يشارك بوش ولا المزايدين عليه؛ من أنّ إسرائيل سوف تستمر لتحتفل بذكراها المئة، وهو إذ ينفي عنها ديموقراطيّتها، ليتبرّأ من هويّته الصّهيونيّة، بعد مراجعة طويلة، معلناً ذلك على الملأ عبر كتابه المعنون «للانتصار على هتلر» الذي أثار ضجّة واسعة في إسرائيل حين صدوره. وقد تجدّدت الضجة مرّة أخرى أخيرا بمناسبة صدور ترجمته الإنكليزيّة في الولايات المتّحدة، وهو الكتاب الذي قارن فيه بورغ بين إسرائيل وإسبارطة وألمانيا عشيّة فوز هتلر بالسّلطة بـ«انتخابات ديموقراطيّة» وظهور النّازيّة.

يقول بورغ في كتابه إنّ تعريف إسرائيل باعتبارها دولة يهودية يستبطن بدء نهايتها، فكيف حين يقال أو يزعم أنّها دولة ديموقراطيّة، فالتّوصيفان لا يوحيان بالكمال، بقدر ما يحملان من مسبّبات انفجار وتناقض تاريخي على المدى البعيد. من هنا دعوته لإلغاء قانون العودة (لليهود) وإلغاء تعريف إسرائيل كدولة يهوديّة، والتخلي عن أسلحة الدّمار الشّامل (القنابل النووية).

بورغ ليس نسيج وحده في هذا الصّدد، فنمرود آلوني رئيس معهد التّفكير التّربوي ورئيس مؤتمر تل أبيب للتّعليم المتقدّم، ذهب في مجاراة التّفكير؛ بكون وجود إسرائيل كذكرى مؤقّتة، إلى حد القول بأنّ «هذه الدّولة ستنهار مثلما انهارت دول فاسدة في الماضي، أيّ إنسان عاقل مستعد لأن يجازف بأمواله في دولة يمكن أن تنهار في أيّة لحظة، جرّاء انهيار شامل ناجم عن عفن وفساد عميق، وعن عجز الوزارات والدّوائر الحكوميّة عن القيام بعملها؟».

تهويد فلسطين.. هذا هو الهدف الأوّل للصّهيونيّة منذ نشأتها، هذا الهدف لم يتحقّق حتى الآن، رغم وجود بنية سلطة لا تمتلك مقوّمات الدّولة التّقليديّة أو الطّبيعيّة، فلا الهويّة (الإسرائيليّة) المزعومة باتت أقنوماً مشتركاً، ولا المؤسّسات السّياسيّة والقانونيّة يمكنها أن تفضي إلى قيام ديموقراطيّة داخليّة حقيقيّة، هذا رغم وجود استنساخ لديموقراطيّة غربيّة ولقوانين مستنسخة من بنيات الدّولة الغربيّة ـ الدّيموقراطيّة بطبعها وطبيعتها الخاصّة الملازمة لوجودها ونشأتها وفق مفاهيم وقيم معياريّة، تبلورت تاريخيّا عبر ثورات فكريّة وسياسيّة واجتماعيّة تعاقبت على القارّة العجوز منذ الثّورة الفرنسيّة وانتشار أفكار التنوير والنهضة. من هنا تبدو الدّيموقراطيّة الموهومة أو المزعومة في إسرائيل وفق أكثر المعايير حداثة، مجرّد تغريد خارج السّرب، من أجل الوصول إلى هدف التّهويد الّذي لم يشهد حتى اللحظة إنجازاته الحاسمة من أجل الوصول إلى تحقّقات منجزة، بل على العكس من ذلك نحن نشهد اليوم «تآكل منظومة القيم الصّهيونيّة التي قامت عليها الدّولة» حسب البروفيسور أمنون روبنشتاين.

لهذا.. سيبقى هناك في المتن، لا في الهامش، مجموعة من تناقضات أساسيّة تنشأ بين الحين والآخر، حتّى لو تمّ التّوصّل إلى معالجة جزء من هذه التّناقضات وحلها، ما دامت المكوّنات التّأسيسيّة والأساسيّة الأوّلية لم تنجح عمليات صهرها، كما لم يجر إيجاد المخارج العمليّة لها كعلاجات ناجعة لأبرز قضايا الوجود الاستيطاني (التّأسيسيّة)، فكيف سيكون الحال في مواجهة تراكمات مثل هذه القضايا التي فشلت في إبراز اليهود، حتّى وهم يجتمعون في بوتقة ما يدعون أنّها دولتهم، وبالأخص فشلهم في بلورة «قوميّة خاصة» ما بين سكّان هذه الدّولة؟

إنّ الانفصال المفهومي/المعرفي عن فضاء حركة التّحرّر، وهو ما «أنجزته» للأسف سلطة أوسلو بكل أطيافها، لتضع النظام السياسي الفلسطيني عند حدود أخرى من محدداته كنظام مجتمعي وطبقي يفتقر إلى وحدة الأرض (المحررة) والشعب الموحد في نطاق جغرافي وديموغرافي ممتد وموحد، هذا الواقع الموضوعي الذي ينبغي أن يحايث، بل يحكم مسار الحركة الوطنيّة الفلسطينية ومسيرتها؛ طالما هي لم تحرز إنجازها لمهام تحرّرها الوطني، على أن ذلك الانفصال بات يلعب اليوم دورا مزدوجا للأسف في تقديس السّلطة، ولو كانت وهميّة، وبالمقابل ترذيل كلّ مفاهيم الصّراع مع الاحتلال الاستيطاني الصّهيوني، حتّى لدى رافعي لواء المقاومة في الجهر ولواء المساومات في السّر.

وحسب ناحوم برنياع كبير معلّقي صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيليّة؛ فإنّ «إسرائيل هي الدّولة الوحيدة في العالم التي لا يزال مجرّد وجودها مثيراً للجدل، فيما لا يشكّ أحد في العالم في حق الفلسطينيين في دولة». ونظرة مدققة في الخريطة الحزبية والسّياسيّة التي أفرزتها وبلورتها الانتخابات الأخيرة، ترينا أنّ الشّيخوخة الإسرائيليّة أضحت تتجسّد في هذا الانحلال الحزبي وتشظّي بنيتها السّياسيّة الاجتماعيّة، بحيث باتت تشكل عبئا كبيرا على الاستراتيجيّة الأميركيّة، وبدأ النّاس يفقدون الثّقة بها، وبمستقبلها، وبقدرتها على البقاء؛ حسب ناحوم برنياع.

وفي ضوء التركيبة الحكومية الجديدة، فمن الواضح أن الساحة السّياسيّة لم تعد تستجيب لاحتياجات الدّولة والمجتمع. التّحدّيات ازدادت في الموضوع الإيراني أيضا، كذا في الاقتصاد، بينما ضعفت الساحة بشكل خطير: «هذا كبير عليها» قال الليكود عن ليفني. بالقدر ذاته من الإقناع كان يمكن قول هذه الجملة عن نتنياهو، باراك أو ليبرمان، كلما كانوا أكبر على اليافطات.. هكذا هم صغار على مشاكل الدّولة».

وبمثل هذه السّخرية، ولكن الأكثر جدية ربما؛ ذهب جدعون ليفي إلى «أنّ من يريد يسارا ذا أهمية عليه أن ينفي الصهيونيّة ويخرجها من القمقم»، بل ذهب ليفي أبعد للقول إنّ «من يريد يسارا إسرائيليّا عليه أن يقول كفى للصهيونيّة التي هيمن عليها اليمين»!

هذه اللهجة السّاخرة الممزوجة بجدية مفرطة، إشارة إلى وضع سريالي تنقاد إليه إسرائيل، بفعل أخطاء وخطايا نخب تفتقد لكاريزما ديغوليّة خاصة، في وضع إسرائيلي أكثر خصوصيّة، وإذا كان النّاس يشعرون بحق أنّ هذه دولة ليست في وقتها أو مكانها الطبيعيين، فما يولد في الخطيئة سيبقى يتردّى في مستنقعاتها.

([) كاتب من فلسطين