الذكرى العشرون لارتقاء القائد المهندس إياد صوالحة

الساعة 08:06 ص|09 نوفمبر 2022

فلسطين اليوم

تمر اليوم ذكراه العشرون، لنستحضر قائداً من أبرز قادة المقاومة الذين كان لهم دور كبير في تصعيد انتفاضة الأقصى وإبقاء جذوتها مشتعلة، واحداً من أهم مهندسي سرايا القدس الذين أدخلوا استراتيجيات عسكرية وأساليب جديدة في مواجهة كيان الاحتلال، حتى قضى نحبه شهيداً على طريق فلسطين.

ميلاد القائد

جاء إلى هذه الحياة على قدر، في الثاني عشر من فبراير 1972م، في مسقط رأسه كفر راعي قضاء جنين، كان ترتيبه السادس في أسرته المكونة من 15 فرداً، وتلقى دراسته في بلدته، ثم انتقل لدراسة الميكانيكا في معهد قلنديا للتدريب المهني.

تميز شهيدنا إياد بالأخلاق العالية والصفات السامية، كان خلوقاً وصاحب ذوق رفيع، باراً بوالديه حريصاً على إعالة أسرته وإيثار أخوته، ولم تكن الراحة تعرف طريقها إليه، فكانت حياته متعبة من أجل الإسلام وفلسطين. وصفته والدته بقولها: "كان مميزاً عن جميع أشقائه، متفتح الذهن، ذكياً نشيطاً ومجتهداً، فعرف الطريق إلى المسجد منذ الصغر وحفظ القرآن عن ظهر قلب".

المشوار الجهادي

بدأ مشواره المقاوم خلال انتفاضة الحجارة 1987م، وقاد مجموعات مسلحة، ونفذ عدة عمليات جريئة ضد قوات الاحتلال، التي نصبت له عشرات الكمائن لاعتقاله أو اغتياله، حتى تمكنت من اعتقاله عام 1992م والحكم عليه بالسجن المؤبد، ليتعرض لصنوف التعذيب والعزل فترات طويلة، لكن السجن كان أضعف من أن ينال من شموخ إياد. وقضى منه سبع سنوات، أمضاها متنقلاً بين سجون جنين وجنيد وشطّه وتلموند وعسقلان والجلمة، ثم أفرج عنه عقب اتفاق "أوسلو" عام 1999م.، وكان في فترة اعتقاله قد نسج علاقات قوية مع أبناء حركة الجهاد الإسلامي في سجن "عسقلان".

عقب تحرره من السجن، تعلَّم صياغة الذهب في نابلس، لكنه لم يمارس العمل لأنه قرر العودة لنشاطه المقام، يقول رفيق دربه الأسير القائد ثابت مرداوي: "تعرفت إلى الشهيد في السجن فقابلته وعشت وإياه في سجني جنيد وعسقلان، وأبلغني برغبته بالانضمام الى الحركة. انتمى إياد إلى سرايا القدس بشكل سري، وكان حريصاً على الاستفادة من تجربة المطاردة الأولى والاعتقال، لقناعته بأهمية العمل السري. وهكذا بدأ نشاطه المميز قبيل الانتفاضة، إلا أن اندلاعها كشف عن قدرات واستعدادات كبيرة لديه، فعملنا معاً في الجناح العسكري ونفذنا عدة عمليات مشتركة".

كان القائد الشهيد إياد صوالحة على علاقة متينة مع المقاومين من كل الأجنحة العسكرية، وتجسد ذلك في التعاون المشترك وخاصة مع كتائب شهداء الأقصى التي كان يترأسها الشهيد أمجد الفاخوري في محافظة جنين. وكان يقدم ما يستطيع للمجموعات التي تحتاج المساعدة، وكان بعض المطاردين يتوجهون له لطلب توفير الأحزمة والعبوات الناسفة.

 

عمل الشهيد القائد إياد صوالحة برفقة الشهيد المهندس خالد زكارنة على تجهيز مختبر متخصص لتصنيع الأحزمة والعبوات الناسفة والسيارات المفخخة، حيث تفرغ الشهيد القائد خالد زكارنة للعمل على التجهيز والتصنيع، كونه كان متخصصاً في هذا المجال، وقام الشهيد إياد صوالحة بتطوير مادة متفجرة، كان لها مفعول كبير جداً ونجحت تلك المادة بعد تجربتها في إحدى العمليات الاستشهادية.

المهندس العبقري

يُحمّل قادة العدو الشهيد إياد صوالحة المسؤولية عن تجهيز الأحزمة الناسفة والسيارات المفخخة، كما يتهمه بالمسؤولية عن عدة عمليات نوعية أسفرت عن مقتل 31 صهيونياً وإصابة العشرات، حتى نال لقب "مهندس المتفجرات ومخترق الشاباك"، كما لقبه العدو بـ "أمير الجيب الأحمر".

شارك شهيدنا الفذ في التخطيط للعديد من العمليات النوعية ضد العدو الصهيوني الغاصب، ما دفع قادة أجهزة الأمن إلى تشكيل مجموعة خاصة لاغتيال صوالحة، العقل المدبر لهذه العمليات الكبيرة التي من أبرزها:

تجهيز أول عملية مزدوجة من الضفة خلال سيارة مفخخة بتاريخ 25-5-2001م، نفذها الاستشهاديان أسامة أبو الهيجا وعلاء الصباح في الخضيرة، وأدت لإصابة عشرات الصهاينة.

عملية كسر "السور الواقي"، التي نفذها الاستشهادي راغب جرادات بتاريخ 10-4-2002م، في مدينة حيفا المحتلة، وأدت لمقتل (10) صهاينة وإصابة العشرات.

 

عملية مفترق مجدو بتاريخ 5-6-2002م، والتي نفذها الاستشهادي حمزة سمودي، وأدت لمقتل (17) جندياً صهيونياً وإصابة العشرات.

عملية مفترق كركور قرب الخضيرة، بتاريخ 21-10-2002م، والتي نفذها الاستشهاديان أشرف الأسمر ومحمد حسنين وأسفرت عن مقتل (14) جندياً صهيونياً وإصابة 50 آخرين.

عملية جسر الطيبة الاستخبارية والتي نفذها الاستشهادي مراد أبو العسل في عملية معقدة، بتاريخ 30-1-2001م، وأسفرت عن مقتل ضابطين من الشاباك.

عملية الاستشهادي عبد الفتاح راشد والذي فجر نفسه قرب مفترق بيت ليد بتاريخ 9-9-2001م، وأسفرت عن إصابة عدد من الصهاينة.

تجهيز سيارة مفخخة تم تفجيرها بدوية للاحتلال عند مدخل بلدة قفين. وتجهيز شاحنة (جيب) بنصف طن من المتفجرات كانت بطريقها لاستهداف منشأة في "تل أبيب" قبل أن تكتشف في اللحظات الأخيرة، وقال وقتها رئيس وزراء الاحتلال شمعون بيريز: "لو تمت العملية لغيّرت ٧خريطة الشرق الأوسط".

نهاية رجل فذ

كان للشهيد عقلية أمنية فذة، مكنته خلال سني المواجهة والمطاردة من إخفاء هويته وشكله، وكان يعرف باسم "أبو شقارة"، محافظاً على دائرته الضيقة، وسرية الأماكن التي يتواجد بها. وفشلت أجهزة استخبارات العدو من الوصول إليه. وذات مرة، كان متواجداً في بلدة جبع جنوب جنين حيث حلّقت طائرات الاحتلال، ورمت القنابل الضوئية في مكان إقامته، لكنه ضلّل الطائرات وذهب في اتجاه آخر.

فور اعلان حركه الجهاد الإسلامي مسؤوليتها عن عمليه "كركور" التي انطلق منفذوها من جنين، أعلنت قوات الاحتلال عن حملة واسعة، حيث قامت بمحاصر جنين لـ14 يوماً، وهدّدته بتسليم نفسه، كما اقتحمت المدينة بحملة عسكرية ضخمة أطلق عليها اسم "اجتياح الألوان".

أصبح الشهيد القائد أبرز المطلوبين لقوات الاحتلال التي اتخذت أقسى الاجراءات العقابية بحق عائلته، من المداهمة والتحطيم والاعتداء والتهديد وصولاً للهدم والتشريد، كما أخضع الاحتلال والدته وأشقاءه وشقيقاته للتحقيق والاستجواب، وذلك بهدف الوصول إليه، لكنها فشلت فشلاً ذريعاً.

وفي التاسع من تشرين الثاني عام 2002م، حاصرت وحدات النخبة في جيش العدو "غولاني ودوفدوفان" المنزل الذي كان يتواجد فيه في حي القصبة في مدينة جنين، وخاض معركة حاسمة بالقنابل اليدوية وسلاحه الرشاش رافضاً الاستسلام، مصمماً على الاشتباك حتى اللحظة الأخيرة، حتى لقي ربه شهيداً، فيما اعترف العدو بإصابة عدد من جنوده خلال الاشتباك.

واستجابت والدة القائد الشهيد لوصيته ورفضت استقبال المعزين، وافتتحت بيتاً لاستقبال المهنئين بعدما تنقلت في سجون الاحتلال من واحد لآخر لدعم إياد ومؤازرته في محنته، وتقول والدته: "لقد أسر قلبي وتفكيري وأقنعني أن التقاعس عن الواجب الديني والوطني مخالفة وعصيان لأمر الله".. وتضيف: "لذلك وقفت معه دوماً وقلبي يدعو الله أن يحميه ويحقق أمنيته، وبعد استشهاده لم أندم، فقد أنجبت وربيت بطلاً حمل روحه على كفه وهز الكيان العبري بكل أركانه.. بل إنني فخورة بولدي، وأتمنى لو أنجبت عشرة أبطال مثل إياد".

سلسلة الثأر والانتقام

جاء الرد والثأر سريعاً من مجاهدي سرايا القدس انتقاماً لدماء الشهيد الفذ، ففي رد أولي فجر المجاهدون عبوة ناسفة قرب مستوطنة نتساريم جنوب قطاع غزة، أدت لمقتل ضابط صهيوني وإصابة اَخر. كما استهدفت سرايا القدس بتاريخ 12-11-2002م، قافلة للجنود والمستوطنين بقذائف الأر بي جي، على طريق مستوطنة نتساريم وسط قطاع غزة.

وفي تاريخ 15-11-2002م، نفذ ثلاثة مجاهدين من سرايا القدس وهم أكرم الهنيني وذياب المحتسب وولاء سرور عملية "زقاق الموت" البطولية في الخليل والتي أسفرت عن مقتل 14 جندياً ومستوطناً صهيونياً بينهم قائد منطقة الخليل العسكرية العقيد "أدرور فاينبرغ"، وذلك رداً وانتقاماً لقائد سرايا القدس في جنين المهندس إياد صوالح

كلمات دلالية