الشهيد هاني عابد…28 عاماً على اغتياله ولا زال فكره المقاوم راسخاً حتى اليوم

الساعة 08:58 ص|02 نوفمبر 2022

فلسطين اليوم

28 عاماً مرّت على اغتيال القائد هاني عابد، من قيادات العمل السياسي في حركة الجهاد الإسلامي في قطاع غزة، ولا زالت ذكراه حاضرة في وجدان كل من عرفوه، وعاشوا معه ميلاد الفكرة الجهادية الإسلامية الأولى في فلسطين والتي أسس لها وصاغ أركانها الشهيد المؤسس د. فتحي الشقاقي، لتثمر بعد ذلك كواكب لا تنتهي من جيل العقيدة والقرآن، جيل الوعي والإيمان والثورة، القادر على إعادة صياغة المرحلة بفكره ودمه وأشلائه المباركة.

هو مهندس الإعلام المقاوم وصاحب معادلة "الدم" ويكون في الميدان، والآخر على "الورق والأثير" حيث يصنعه جنود الحقيقة من الرجال حتى يؤرخوا للمرحلة، إنه الشهيد القائد هاني عابد (أبو معاذ)، مدير عام صحيفة "الاستقلال"، وأحد أبرز قادة الجهاد الإسلامي في فلسطين.

يصادف اليوم الأربعاء الذكرى ال28 لاستشهاد القائد هاني عابد " أبو معاذ " الذي اغتاله الشاباك الصهيوني في الثاني من نوفمبر لعام 1994م، عن طريق زرع عبوة ناسفة بسيارته أمام كلية العلوم و التكنولوجيا بخان يونس التي كان يعمل بها محاضراً.

ميلاد المفكر

ولد الشهيد القائد هاني محمود عابد "أبو معاذ" عام 1962م في مخيم جباليا شمال قطاع غزة، وهاجرت عائلته قسراً من بلدتها الأصلية "سمسم" في العام 1948، جراء إقدام العصابات الصهيونية على ارتكاب المجازر الوحشية بحق أهالي القرية المستضعفين، ليستقر بها المقام في مخيم جباليا للاجئين بقطاع غزة.

نشأ هاني وهو يشهد منذ صغره جنود الاحتلال يقتحمون كل لحظة حياة الفلسطينيين، شاهدهم وهم يدخلون القطاع وهو مازال صغيراً في الخامسة من عمره، وشاهدهم مرة أخرى يقتحمون بيته ويعتقلون والده في العام 1971م، ليسجن سبعة أشهر، كل هذه الصور لم تغب يوماً عن مخيلة شهيدنا وعززتها أيام الاحتلال.

كان يتذكر دوماً تلك الساعات الباكرة التي يخرج فيها بصحبة والدته لزيارة والده في السجون الصهيونية لتزيده الأيام وعياً مع الثورة، كان يعود من الزيارة كما يعود الثائر من ميدان النصر منتصراً، كان يحمل الحجارة ويضرب بها جنود الاحتلال الذين يبحثون عنه ويهددونه بإطلاق النار على رأسه إن فعلها مرة أخرى ولكنه كان يعود وكأنه يتمنى الشهادة حتى وهو صغير.

تلقّى تعليمه الابتدائي والإعدادي في مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين، ومن ثمّ أنهى دراسته الثانوية بتفوق كبير، ليلتحق بعدها في الجامعة الإسلامية، تخصص (فيزياء وكيمياء) حيث حصل على درجة البكالوريوس بتقدير جيد جدا، وهو ما أهله للحصول على درجة الماجستير في "الكيمياء" من جامعة النجاح الوطنية بمدينة نابلس، ليكون بذلك أصغر طالب يحصل على "الماجستير" في "النجاح"، وهو متزوج وأب لخمسة من الأبناء، ثلاثة من البنات واثنين من الذكور (ولاء، معاذ، محمود، أفنان، وقسم).

 

رحلة التضحية والعطاء

لم يكن مستبعداً أن يلتحق القائد هاني عابد  بصفوف المقاومة الفلسطينية، وأن يكون أحد رموزها الفاعلين، فمنزل أسرته كان منذ بداية احتلال الكيان الصهيوني لأرض فلسطين، ملاذاً أمناً للمقاومين ونقطة انطلاق لهم نحو تنفيذ العمليات الجهادية ضد الاحتلال، وكان رغم صغر سنه في ذلك الوقت العين التي ترقب لهم الطريق وتؤمن لهم مسار الخروج من المخيم، حيث كان يستكشف الطريق للمجاهدين والمقاومين خشية من تواجد قوات صهيونية خاصة.

تعرّف شهيدنا المجاهد هاني عابد "أبو معاذ" على فكر حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين منذ بداية نشأة وتكوين الفكرة الجهادية، في أوائل الثمانينات، عقب دخوله الجامعة الإسلامية، والتقى مع الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي، وخلال دراسته في الجامعة أصبح مسئولاً وأميراً للإطار الطلابي التابع لحركة الجهاد الإسلامي والتي كانت تعرف باسم "المستقلين"، كما عمل شهيدنا على توزيع مجلة "الطليعة" التي كانت ناطقة باسم الحركة وذلك في العام 1984م، وفيما بعد أصبح مسؤولاً إعلامياً في الحركة من خلال تأسيسه لجريدة الاستقلال في قطاع غزة ولمكتب أبرار للصحافة.

تدرّج شهيدنا في العديد من المهام التنظيمية، ما جعله عرضة للملاحقة الدائمة من قبل قوات الاحتلال الصهيوني، واعتقلته للمرة الأولى عام 1991م، بتهمة إيواء أحد أقربائه وحكم عليه بستة أشهر ورُحّل إلى معتقل النقب الصحراوي، ومع قدوم السلطة إلى أرض الوطن، واندحار قوات الاحتلال عن قطاع غزة، كانت حركة الجهاد الإسلامي، من أوائل المبادرين إلى تنفيذ العمليات الفدائية ضد قوات الاحتلال.

ففي تاريخ 20 - 5 - 1994م تمكّن مجاهدو الجناح العسكري، من قتل جنديين صهيونيين قرب معبر بيت حانون "ايرز" شمال قطاع غزة، وحينها وجّهت قوات الاحتلال أصابع الاتهام بالمسؤولية عن العملية والتخطيط لها إلى الشهيد هاني، حيث سارعت أجهزة السلطة الفلسطينية إلى اعتقال شهيدنا من مقر صحيفة الاستقلال الكائن في شارع الوحدة وسط مدينة غزة ليكون بذلك أول معتقل سياسي في سجون السلطة، وبقي في السجن لمدة ثمانية عشر يوماً.

وعلى الرغم من إعلان الاحتلال الصهيوني انسحابه من قطاع غزة، في العام 1994م، تمهيداً لتسليمه للسلطة الفلسطينية على اثر اتفاق "أوسلو" إلا أنهم قبل ثلاثة أيام من استشهاده حاصروا منزله الكائن في شارع اليرموك بمدينة غزة، في محاولة لاعتقاله، إلا أنه كان قد غادر المنزل قبل ذلك بساعة واحدة.

كان الشهيد هاني عابد "أبو معاذ" عضوًا بارزًا وفعالاً في حركة الجهاد الإسلامي وقد عمل في عدة مواقع قيادية منها: مسؤولاً عن النشاط الطلابي والنقابي "الرابطة الإسلامية" ومتحدثًا باسمها، وعمل مسؤولاً عن النشاط النسائي في حركة الجهاد الإسلامي، وكان ضابط اتصال بين القيادة السياسية والجهاز العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، كما كان عضو مجلس شورى للحركة في قطاع غزة، ومسؤولاً عن النشاط الاجتماعي في الحركة، وعمل الشهيد مديرًا عامًا لجريدة الاستقلال الأسبوعية والتي صدرت قبل استشهاده بأقل من شهر (في أكتوبر من العام 1994م).

نال شرف الشهادة

في تاريخ 2 - 11 - 1994م، يخرج شهيدنا كأجمل ما يكون الشهداء متوجهاً إلى كلية العلوم والتكنولوجيا حيث يعمل محاضراً فيها، وفي الساعة الثالثة عصراً، تمكنت قوات الاحتلال من اغتيال شهيدنا المجاهد "أبو معاذ" وذلك من خلال تفجير سيارته الخاصة ليصاب إصابات خطيرة وينقل على إثرها إلى مستشفى ناصر بمدينة خانيونس ليلقى الله شهيداً مخضبًا بدمائه.

الرد على الاغتيال

اعتقد الكيان الصهيوني باغتياله أن طريق المقاومة والجهاد ستتوقف وسيضرب قدرة حركة الجهاد الإسلامي في مواصلة عملياتها دون أن يدرك أن الأيديولوجية التي انطلقت بها جذوة الجهاد في بداية الثمانينات قادرة على إنجاب القادة والكوادر والاستشهاديين والاندفاع نحو خيار المقاومة والجهاد بصلابة وإرادة أقوى وإيمان مضاعف.

فبعد اغتياله توالت العمليات الاستشهادية انتقاماً لدماء الشهيد عابد، ففي أول رد فعل على جريمة الاغتيال  ومع حفل التأبين الذي أقيم للشهيد بعد أيام قليلةأقدم أحد تلامذته الاستشهادي المجاهد هشام حمد على الانتقام لدمائه ليفجر الدراجة الهوائية التي كان يقودها في مجموعة من جنود الاحتلال على حاجز "نتساريم" العسكري ويقتل خمسة جنود صهاينة ويصيب 10 آخرين، ولتعلن الحركة أن هذه العملية هي حلقة من حلقات الانتقام للشهيد وبعدها بأشهر قليلة يفجر الشهيد خالد الخطيب سيارته في حافلة عسكرية ويقتل ثمانية جنود ويصيب عشرات وبعدها الملحمة الكبرى بيت ليد والتي نفذها البطلان صلاح شاكر وأنور سكر والتي قتل فيها 24 جندياً صهيونياً واصيب العشرات.

وهكذا أزهر دم الشهيد عشرات الشهداء وخرجت غزة بأكملها تُودّع الشهيد في حزن كبير، حيث امتدت المسيرة من بيته في غزة حتى مقبرة الشهداء شرق جباليا سيراً على الأقدام رغم شدة الأمطار التي هطلت في ذلك اليوم.

 

 

 

كلمات دلالية