105 أعوام على وعد بلفور.. رسالة منحت لليهود وطن في فلسطين  

الساعة 08:01 ص|02 نوفمبر 2022

فلسطين اليوم

تصادف اليوم الأربعاء ، 2 نوفمبر/ تشرين الثاني، الذكرى الـ 104 لصدور (وعد بلفور) المشؤوم، الذي منحت بموجبه بريطانيا “الحق لليهود في إقامة وطن قومي لهم في فلسطين”.

 (وعد بلفور) كان بمثابة الخطوة الأولى للغرب على طريق إقامة كيان لليهود على أرض فلسطين؛ استجابة لرغبات “الصهيونية العالمية” على حساب شعب متجذر في هذه الأرض منذ آلاف السنين.

وجاء الإعلان على شكل رسالة موجهة من قبل وزير خارجية بريطانيا آنذاك (آرثر جيمس بلفور)، في حكومة ديفيد لويد جورج إلى (اللورد روتشيلد، أحد زعماء الحركة الصهيونية العالمية)، وذلك بعد مفاوضات استمرت ثلاث سنوات دارت بين الحكومة البريطانية من جهة، واليهود البريطانيين و(المنظمة الصهيونية العالمية) من جهة أخرى.

واستطاع من خلالها “الصهاينة” إقناع بريطانيا بقدرتهم على تحقيق أهداف بريطانيا، والحفاظ على مصالحها في المنطقة.

الاحتلال البريطاني لفلسطين

احتلت بريطانيا فلسطين عام 1917، وعملت على تسهيل هجرة اليهود إليها، وتمكينهم على الأرض؛ تمهيداً لإقامة “دولة إسرائيل” في عام 1948.

وكانت الحكومة البريطانية قد عرضت نص رسالة بلفور على الرئيس الأمريكي ولسون، ووافق على محتواها قبل نشره، ووافقت عليه فرنسا وإيطاليا رسميا عام 1918، ثم تبعها الرئيس ولسون رسميًا وعلنيًا سنة 1919، وكذلك اليابان.

آرثر بلفور ورسالته الشهيرة

وزارة الخارجية

2  نوفمبر 1917م

عزيزي اللورد روتشيلد

يسرني جداً أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة صاحب الجلالة التصريح التالي، الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود والصهيونية، وقد عرض على الوزارة وأقرته:

إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يكون مفهوماً بشكل واضح أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى.

وسأكون ممتناً إذا ما أحطتم اتحاد الهيئات الصهيونية علماً بهذا التصريح.

المخلص

آرثر بلفور

وكانت الحكومة البريطانية قد عرضت نص تصريح بلفور على الرئيس الأمريكي ولسون، ووافق على محتواه قبل نشره، ووافقت عليه فرنسا وإيطاليا رسميا سنة 1918م،  ثم تبعها الرئيس الأمريكي ولسون رسمياً وعلنياً سنة 1919م؛ وكذلك اليابان.  وفي25 نيسان سنة 1920م، وافق المجلس الأعلى لقوات الحلفاء في مؤتمر "سان ريمو" على أن يعهد إلى بريطانيا بالانتداب على فلسطين، وأن يوضع وعد بلفور موضع التنفيذ حسب ما ورد في المادة الثانية من صك الانتداب، وفي 24 تموز من عام 1922م وافق مجلس عصبة الأمم المتحدة على مشروع الانتداب الذي دخل حيز التنفيذ في 29 أيلول من عام 1923م، وبذلك يمكننا القول: إن وعد بلفور كان وعداً غربياً وليس بريطانياً فحسب.

ردود فعل العرب

في المقابل اختلفت ردود أفعال العرب تجاه التصريح بين الدهشة، والاستنكار، والغضب.  وبهدف امتصاص حالة السخط والغضب التي قابل العرب بها وعد بلفور؛ أرسلت بريطانيا رسالة إلى الشريف حسين، بواسطة الكولونيل باست تؤكد فيها الحكومة البريطانية أنها لن تسمح بالاستيطان اليهودي في فلسطين إلا بقدر ما يتفق مع مصلحة السكان العرب من الناحيتين الاقتصادية والسياسية؛ ولكنها في الوقت نفسه أصدرت أوامرها إلى الإدارة العسكرية البريطانية الحاكمة في فلسطين، بأن تطيع أوامر اللجنة اليهودية التي وصلت إلى فلسطين في ذلك الوقت برئاسة حاييم وايزمن (خليفة هرتزل)؛ كما عملت على تحويل قوافل المهاجرين اليهود القادمين من روسيا وأوروبا الشرقية إلى فلسطين، ووفرت الحماية والمساعدة اللازمة لهم.

أما الشعب الفلسطيني فلم يستسلم للوعود والقرارات البريطانية والوقائع العملية التي بدأت تفرضها على الأرض الحركة الصهيونية وعصاباتها المسلحة؛ بل خاض ثورات متلاحقة، كان أولها ثورة البراق عام 1929م، ثم تلتها ثورة 1936م .

من جهتها اتخذت الحركة الصهيونية العالمية وقادتها من هذا الوعد مستنداً قانونياً لتدعم به مطالبها المتمثلة في إقامة الدولة اليهودية في فلسطين، وتحقيقاً لحلم اليهود بالحصول على تعهد من إحدى الدول الكبرى بإقامة وطن قومي لهم، يجمع شتاتهم بما ينسجم وتوجهات الحركة الصهيونية بعد انتقالها من مرحلة التنظير لأفكارها إلى حيز التنفيذ في أعقاب المؤتمر الصهيوني الأول الذي عقد في مدينة بازل بسويسرا عام 1897م، والذي أقرّ البرنامج الصهيوني، وأكد على أن الصهيونية تكافح من أجل إنشاء وطن للشعب اليهودي في فلسطين.

وعلى الرغم من ظهور معارضة شديدة لهذا التوجه من قبل اليهود الليبراليين الذين استطاعوا الاندماج في المجتمعات التي عاشوا فيها، ورأوا في هذا التوجه دليلاً قد يتخذه ما يسمى بأعداء السامية على غربة اليهود، وعدم قدرتهم على الاندماج في المجتمعات التي يعيشون فيها- إلا أن هذه المعارضة لم يكن لها أي تأثير على توجه الحركة الصهيونية العام.  وتبدو الإشارة إلى وعد بلفور في نص وثيقة الاستقلال المعلنة مع قيام دولة إسرائيل، دليلًا على أهمية هذا الوعد بالنسبة لليهود، حيث نقرأ في هذه الوثيقة: " الانبعاث القومي في بلد اعترف به وعد بلفور..."

لقد تمكن اليهود من استغلال تلك القصاصة الصادرة عن آرثر بلفور المعروف بقربه من الحركة الصهيونية، ومن ثم صك الانتداب، وقرار الجمعية العامة عام 1947م القاضي بتقسيم فلسطين، ليحققوا حلمهم بإقامة إسرائيل في الخامس عشر من أيار من عام 1948م، وليحظى هذا الكيان بعضوية الأمم المتحدة بضغط الدول الكبرى، ولتصبح إسرائيل أول دولة في تاريخ النظام السياسي العالمي التي تنشأ على أرض الغير، وتلقى مساندة دولية جعلتها تغطرس في المنطقة، وتتوسع وتبتلع المزيد من الأراضي الفلسطينية والعربية، وتبطش بمن تبقى من الشعب الفلسطيني على أرضه دون رحمة .

ولعل الدوافع والأسباب التي  قادت بريطانيا إلى تبني وإصدار هذا الوعد كثيرة، تقف في مقدمتها، حسب رأي  السياسيين والمؤرخين، تلاقي المصالح الاستعمارية وتقاطعها مع الحركة الصهيونية انطلاقاً من القيمة الإستراتيجية لفلسطين باعتبارها بوابة العبور إلى آسيا. وفي هذا الإطار وصف تيودور هرتزل دور الدولة اليهودية في فلسطين بقوله: "سنكون بالنسبة إلى أوروبا، جزءاً من حائط يحميها من آسيا، وسنكون بمثابة حارس يقف في الطليعة ضد البربرية". وهناك دوافع وأسباب أخرى، منها: رغبة بريطانيا في كسب تأييد يهود العالم لها أثناء الحرب العالمية الأولى، ولتقليص موجات الهجرة اليهودية نحو أوروبا وتحويلها باتجاه فلسطين؛ لما تحمله هذه الهجرات من أعباء وتبعات تضر ببريطانيا ودول أوروبا الأخرى بشكل عام.

أما بلفور نفسه فبرّر إصدار الوعد انطلاقاً من دوافع إنسانية، في حين رأت فيه مصادر إسرائيلية تاريخية مكافأة للباحث حاييم وايزمن لخدمته بريطانيا باكتشافات علمية خدمت الأنشطة العسكرية البريطانية إبان الحرب العالمية الأول.

 

كلمات دلالية