"شعب اليمين".. تعرّف على مكوّنات معسكر نتنياهو في كيان الاحتلال

الساعة 08:46 ص|01 نوفمبر 2022

فلسطين اليوم

يخوض رئيس المعارضة "الإسرائيلية" الحالي بنيامين نتنياهو الانتخابات للمرّة الخامسة منذ عام 2019 زعيماً لليكود ولمعسكر من أحزاب داعمة، يطلق عليها في كيان الاحتلال معسكر اليمين أو معسكر نتنياهو أو "شعب اليمين".

ويدعم هذا المعسكر نتنياهو قائداً له ومرشحاً لرئاسة الحكومة رغم توجيه اتهامات له "بالفساد والاحتيال وخيانة الأمانة"، وخضوعه لمحاكمة إن انتهت بإدانته، وصادقت المحكمة العليا على هذه الإدانة، فإنَّ رئيس الوزراء السابق وزعيم المعارضة الحالي، الطامح للعودة بقوة إلى رئاسة الحكومة، قد يجد نفسه خلف القضبان.

ويرى مراقبون أنَّ حياة نتنياهو السياسية كانت ستنتهي لولا الدعم غير المشروط من مكونات هذا المعسكر، وهو دعم يطرح في كل مرة الأسئلة ذاتها عن مركبات هذا المعسكر وسر دعمه المتواصل لنتنياهو.

مكونات اليمين

يتكون معسكر اليمين الساعي لإعادة نتنياهو إلى السلطة من المجموعات الآتية:

الأولى: يهود شرقيون يصرّون على رفع ما يعتقدونه غبناً وتمييزاً واضطهاداً تاريخياً مارسته ضدهم النخب اليهودية الغربية التي حكمت عبر حزب مباي التاريخي بزعامة مؤسس كيان الاحتلال "دافيد بن جوريون".

الثانية: متدينون متزمتون يلقبون في كيان الاحتلال بـ “الحريديم"، وينقسمون في المجمل إلى تيارين مركزيين، أحدهما يجمع "اليهود الحريديم" من أصول شرقية، وآخر يضم أولئك المنتمين لأصول غربية ويرون في اليمين حليفاً محافظاً وقريباً منهم.

الثالثة: يمين استيطاني متدين ومتشدد قومياً، يحارب لمنع عودة سيناريو اتفاق أوسلو أو انسحاب آخر من الضفة الغربية المحتلة.

"اليهود الشرقيون".. مظالم وصراع نخب

بالنسبة للمجموعة الأولى "اليهود الشرقيون"، يرجع دعمها لنتنياهو إلى مزيج مما تصفه بـ "المظالم التاريخية" والصراع مع النخب اليهودية ذات الأصول الغربية، منذ فترة هيمنة حزب "مباي" أو حزب "عمال أرض إسرائيل" على الحياة السياسية في كيان الاحتلال.

وقال أوري درومي، رئيس مكتب الصحافة الحكومي "الإسرائيلي" والمسؤول عن نادي الصحافة الأجنبية في القدس: "سألت نسيبتي: لماذا لا تزال تصوت لليكود وتعادي حزب العمل، النسخة الجديدة من مباي التاريخي، وأحزاب اليسار على الرغم من أنَّ ثقافتها موازية لثقافتي وكذلك مستوى دخلها وأسلوب حياتها مطابق لأسلوب حياتي أنا اليهودي من أصول غربية وغير المحسوب على معسكر نتنياهو، ورغم أنَّ حزب "مباي" تعرض لهزيمة نكراء منذ 40 عاماً واختفى تقريباً من الوجود؟".

وأضاف: "أجابتني بأنني لن أستطيع استيعاب الأمر لأنني لم أتعرض للتهديد الذي تعرضت له هي من ناشطي مباي، عندما هددوا والدها بأنه سيفقد مكان عمله إن لم يصوت لهم وأنَّ بقرتنا لن تجد ما تأكله وسينقطع حليبها ونعاني الجوع إن لم نفعل"، مضيفة أنَّ "حجم الإهانة أكبر من أن تُنْسى وأنها باتت تنتقل عبر الجينات".

ويصوت معظم "اليهود الشرقيين" لصالح الليكود أو حزب شاس المتدين الشرقي، لكنهم في هذه الانتخابات يشكلون مصدر قلق لنتنياهو بسبب تدني نسبة مشاركتهم.

وتشير الاستطلاعات إلى أن نسب التصويت لدى الشرقيين منخفضة، وتحديداً لدى مصوتي الليكود منهم، والقاطنين فيما يعرف في إسرائيل بمدن التطوير، وهي مدن أنشئت خصيصاً لليهود الشرقيين في مناطق بعيدة عن مراكز المدن الرئيسة، وتربَّعت لسنوات طويلة على رأس سلم الفقر في كيان الاحتلال بعد البلدات العربية.

وعلى الرغم من تحسُّن أوضاع هذه المدن مع مرور الوقت، إلّا أنها بقيت عنواناً للضواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية المهمشة في كيان الاحتلال، ما أدَّى لظهور أصوات في هذه المدن تتحدث عن صراع نخب، والانقلاب على النخب اليهودية الأوروبية التقليدية.

نتنياهو والنخب الغربية

ولم يسجل كيان الاحتلال في تاريخه رئيس حكومة من أصول شرقية، وعلى الرغم من أصول نتنياهو الغربية إلّا أنه بات يعتبر الخصم الأكبر للنخب الاقتصادية والسياسية القديمة.

لكن دورمي اعتبر أنَّ "هذه المجموعات ليست مضطهدة"، مشيراً إلى أنَّ من يحكم في كيان الاحتلال منذ الانقلاب السياسي ووصول الليكود إلى سدّة الحكم بزعامة مناحيم بيجن عام 1970 هو الأحزاب التي حظيت طيلة الوقت بدعم "اليهود الشرقيين" والمتدينين بمختلف تياراتهم.

وأضاف: "هذه المجموعات تريد أن ينظر إليها بوصفها مضطهدة، وقد استطاع نتنياهو أن يشخص ذلك بصورة دقيقة وأن يطرح نفسه قائداً لمعاركهم ضد النخب الغربية، رغم أنَّ نتنياهو جزء من هذه النخب، فأصوله أوروبية، وقد ولد وترعرع في أرقى أحياء القدس ولديه منزل فخم في مدينة قيسارية، أغلى المدن في (إسرائيل) ومسكن النخب الاقتصادية الأكثر غنى".

وقال الدبلوماسي الإسرائيلي السابق مئير كوهين إنَّ "بنيامين نتنياهو، الذي يلقب بملك "إسرائيل" في أوساط معسكر اليمين، وتحديداً بين مصوتي الليكود، هو بالنسبة لجمهوره زعيم بلا منازع".

الحريديم والحسابات الدينية

هذه الصورة لنتنياهو هي نفس الصورة المترسخة في أوساط "الحريديم" على الرغم من أنهم يصوتون تقليدياً لأحزابهم بتوجيهات خاصة من قياداتهم الدينية.

وحتى عام 2019، كانت قيادات هذه الأحزاب، وبناءً على توجيهات مباشرة من قياداتها الدينية، ترى نفسها جزءاً من أي ائتلاف حاكم بغض النظر عمن يقف على رأسه سواءً من اليسار أو اليمين، فقد كان الأهم بالنسبة لها الحصول على ميزانيات تخدم مجتمع المتدينين الحريديم داخل كيان الاحتلال.

كانت هذه الأحزاب تعرف بـ"الأحزاب القطاعية"، أي التي تمثل قطاعاً محدداً وتنذر نفسها لخدمته والدفاع عن مصالحه، بغض النظر عن الحسابات السياسية، رغم تصريح زعيمها الديني التاريخي الحاخام اليعيزر مناحيم المعروف باسم "الحاخام شاخ" أمام رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إسحاق رابين بأنه يكن له كل الاحترام، لكنه يرى في اليمين تياراً أقرب إلى جمهوره، "نظراً لكون اليمين رغم عدم تدينه أكثر محافظة وأقرب إلى الدين من أحزاب اليسار العلمانية، التي تشجع اختلاط اليهود مع باقي شعوب العالم، واضمحلال الهوية اليهودية التي حافظ عليها الحريديم عبر التاريخ".

ومنذ انتخابات عام 2019 دعمت هذه الأحزاب نتنياهو بشكل مطلق، ورأت فيه زعيماً أوْحداً للمعسكر اليميني، وقد دفعت ثمن هذا التأييد بخفض مستوى الميزانيات المقدمة لها خلال فترة حكم حكومة "نفتالي بينت" و"يائير لبيد".

وأشارت تقارير إلى أنَّ حزب "يهدوت هتوراة"، ذا الأصول الأوروبية والمنضوي في إطار أحزاب "الحريديم"، يجري اتصالاتٍ سرية مع وزير جيش الاحتلال بيني غانتس، لم ينفها الأخير، لدعمه في رئاسة الحكومة بعد الانتخابات، فيما إذا فشل نتنياهو في الحصول على أغلبية 61 صوتاً في الأول من نوفمبر.

وينفي قادة الأحزاب صحة هذه الأنباء، لكن غانتس يبني بقوة على هذا السيناريو للوصول إلى سدة الحكم وإقصاء "نتنياهو" و"لابيد" دفعة واحدة.

ولعل السر في هذه التحركات متعددة الاتجاهات أنَّ المؤسسات التابعة للأحزاب الدينية لا تستطيع الصمود طويلاً دون الميزانيات الحكومية، ومتى ما شُكَّلت حكومة مرة أخرى دون مشاركتها قد تتعرض مؤسساتها للانهيار.

المتدينون القوميون

المجموعة الأخرى، التي باتت جزءاً مهماً من هذا المعسكر، هي مجتمع المتدينين القوميين الذين يشكلون ما يقارب 20% من عدد السكان اليهود في كيان الاحتلال.

وتمزج معتقدات هذا المجتمع بين الدين اليهودي والعقائد الصهيونية مع ترجيح للقيم الدينية على حساب القيم الصهيونية، علماً بأنها تطمح إلى إضفاء المزيد من الطابع الديني على مؤسسات الدولة في إسرائيل، وزيادة تأثير قوانين الشريعة الدينية في الجهاز القضائي.

وهناك فروقات كبيرة داخل مركبات المجموعة، لكن القسم الأكبر من المستوطنين اليهود في الضفة الغربية ينتمون إلى هذه المجموعة بما في ذلك مجموعات "فتية التلال" وطلاب المعاهد الدينية العسكرية، والتي يعتقد العديد من أفرادها أنَّ الحل السياسي الأمثل يكمن في طرد العرب مما يعتبرونه "أرض إسرائيل الكاملة".

ويمثل التيارات الأكثر تطرفاً داخل هذه المجموعات في الانتخابات الحالية تحالف "الصهيونية الدينية"، وهو مجموعة من أحزاب وتيارات اليمين الاستيطاني أو اليمين المتطرف أو تحالف "سموتريتش بن غفير" وأحزاب يمينية أخرى، كحزب "نوعم" المعارض لاختلاط اليهود مع "الأغيار" أي مع الشعوب الأخرى.

برنامج التحالف

ويطرح التحالف برنامجاً متشدداً يقوم على الحفاظ على وحدة "أرض إسرائيل" والعمل على منع تقسيمها أو إقامة دولة فلسطينية، إضافة إلى ضم الضفة الغربية.

كما يقوم البرنامج على تعزيز "الهوية اليهودية" لكيان الاحتلال وإجراء إصلاحات واسعة ذات توجه يميني محافظ في الجهاز القضائي، مع تعزيز الاستيطان اليهودي في النقب والجليل والضفة الغربية المحتلة والحفاظ على أجهزة التعليم التوراتية واستيعاب المزيد من المهاجرين اليهود.

ويرى حزب بن غفير "عظمة يهودية"، في منشوراته، أنَّ أرض كيان الاحتلال وعد إلهي لـ "شعب إسرائيل"، وليس من صلاحيات أي زعيم يهودي التنازل عن أجزاء منها لأي شعب آخر. وفق قوله.

ووصف زعيم التحالف، بتسلئيل سموتريتش، نتنياهو قبل أيام بأنه "كاذب ابن كاذب"، ورغم ذلك فهو مستعد للعمل بقوة لإلغاء تهم الاحتيال وخيانة الأمانة من دفتر قوانين الاحتلال، ما قد يعني إلغاء محاكمة نتنياهو وإعادته إلى سدّة الحكم.

ويهدف التحالف كذلك إلى تعزيز القضاء الديني اليهودي داخل الجهاز القضائي في كيان الاحتلال وسنِّ قانون إعدام لمنفذي عمليات ضد "إسرائيليين"، إضافة إلى الاستيطان في كافة أرجاء ما يعتبرونه "أرض إسرائيل" التاريخية، وإعادة السيطرة والملكية، على حد تعبيرهم، على المسجد الأقصى، وضم كل الأراضي التي احتلتها "إسرائيل" عام 1967 ما عدا شبه جزيرة سيناء.

ووفق البرنامج، سيعمل التحالف على إخراج "أعداء إسرائيل من أرض إسرائيل" وسيقيم هيئة وطنية لتشجيع هجرة العرب، أمَّا قيم الدولة فهي ما تفرضه الأخلاقيات اليهودية ضمن نظام حكم يعتمد الديمقراطية اليهودية، التي تحافظ على مصالح الدولة الوطنية اليهودية قبل أي قيم إنسانية عامة.

وقال روني شاكيد، الباحث في معهد ترومان التابع للجامعة العبرية في القدس، نتنياهو تحول في معسكره إلى رمز قوة ضد نظام الحكم القائم في إسرائيل وضد المحاكم والجهاز القانوني وضد الثقافة الاشتراكية التي سادت في الماضي، وباتوا يظنون أنهم قادرين على تغيير كل ما هو قائم.

ويشارك شاكيد رأي العديد من "الإسرائيليين" بأنَّ هناك نوعاً من سكرة القوة أو التغول لدى أفراد هذا المعسكر، لكن انتصاره هذه المرّة مع الأجندة التي يطرحها تحالف سموتريتش وبن غفير يمكن أن يغير وجه إسرائيل وطبيعتها بشكل كامل.

وبحسب شاكيد، من شأن انتصار كهذا أن يسبب الضرر لمؤسسات الحكم، ولليهود أنفسهم قبل أن يضر الفلسطينيين من حملة الجنسيات "الإسرائيلية" أو القاطنين في الضفة الغربية وقطاع غزة.

"الشرق"

 

كلمات دلالية