لا مساحيق.. (زراعة الأمل) مقتطف من وصية الشهيد عدي التميمي

الساعة 07:57 ص|22 أكتوبر 2022

فلسطين اليوم | أسعد جودة

لا مساحيق .. (زراعة الأمل) مقتطف من وصية الشهيد عدي التميمي.. بقلم / د. أسعد جودة

"أعرف أنني سوف أستشهد ولن أحرر فلسطين، ولكن ليحمل الشباب من بعدي البندقية"

بهذه الكلمات الصاروخية ختم الشاب البطل الملهم والنجم الساطع في سماء فلسطين وأرجاء المعمورة حياته الدنيا، 

إنه نعم الامتداد لقوافل الشهداء الأمراء الذين سبقوه، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر: عز الدين القسام، وعبد القادر الحسيني، ومحمد الجمل، ويحيي عياش، ومحمود الخواجا، وفتحي الشقاقي، وأحمد ياسين،  وابو عمار، وخليل الوزير، وعبد العزيز الرنتيسي، وأبو علي مصطفى، ومحمود طوالبة، ومهند الحلبي، وضياء حمارشة، وابراهيم النابلسي، ورعد خازم، وجميل العموري، والقافلة تطول.

أجاب الشهيد عدي على السؤال المحير: هل فقط المطلوب استمرار شلال الدم بلا مقابل واستمرار المعاناة؟ وماذا بعد ؟!

الشهيد له من اسمه نصيب، عدي يوصف "بالصهوة والأول في مهاجمة العدو".
ومن عائلته ونسبه الصحابي الجليل تميم الداري الذي أقام في فلسطين (الخليل).
ومن مكان مولده أنه من أكناف بيت المقدس.

مدرسته تلخص أن استمرار العطاء بلا توقف ليظل الإشتباك مستمرًا والصراع مفتوحًا مع هذا الكيان السرطاني، هذا نهج الكبار والعارفين ببواطن الأمور.

عدي التميمي بحق ظاهرة عابرة للتنظيمات، واستشهاده كان بمثابة استفتاءً عامًا على نهج المقاومة والجهاد، حيث لم يوجد فلسطيني قط وعربي ومسلم وحر في هذا العالم إلا ومجَّد عطاءه، واحترم أداءه الاستثنائي، وكان كرّارًا مقبلاً غير مدبر، دوّخ العدو ومسخه وأثبت أنه هش جبان قابل للكسر، هذا النهج المبارك سيدفع الآلاف من الشباب الفلسطيني والعربي والمسلم من أبناء هذه الأمة للمنافسة والعمل على إعادة الاعتبار إلى مكانة ودور وموقع فلسطين في قلب الأمة، لإجبار العدو أن يعترف بأنه في المكان الخطأ ويفكر بالرحيل إلى حظائره التي جاء منها، أو مواجهة مصيره المحتوم وهو إساءة الوجه وتتبير العلو.

الصراع في فلسطين وحول فلسطين هو صراع حول العقيدة والتاريخ والحاضر والمستقبل، لا يحَل بمعاهدات واتفاقات السلام المدنسة، ولا بالتطبيع وبناء الأحلاف الاقتصادية والأمنية، بل فقط بالإجماع على استئصاله واقتلاعه من جذوره؛ لأنه يمثل غدة سرطانية استنبتت في فلسطين لتفتك بجسد الأمة جمعاء. 

فلسطين تمثل قلب الأمة النابض وروحها وليست أرضًا متنازع عليها كما حاول السياسيون المترفون توصيف الأمر.
إن عتاة الصهاينة الذين خططوا لزراعة هذا الجسم مبكرًا أمثال كامبل بنرمان، وثيدور هيرتزل، و آرثر بلفور،  وروتشيلد وسايكس، وبيكو ما هدفوا سوى إلى تدمير الأمة وتعطيل دورها، والسيطرة على مقدراتها وثرواتها التي لا تنضب، ومضيقاتها التي تربط انحاء العالم ببعض، وأسموا هذه المنطقة منطقة "الشرق الأوسط" لشطب اسمها الحقيقي (الحوض العربي الإسلامي) بما يمثله هذا الإسم من دين ولغة وثروة ومكان ودور ورسالة. 

في هذا المقام يسجَّل للدكتور  فتحي الشقاقي مؤسس وأمين عام حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين رؤيته الإستشرافية حينما أطلق شعار "فلسطين هي القضية المركزية للأمة الإسلامية" في منتصف السبعينات وهو يراقب التحولات التي تجري في المنطقة والعالم، وماذا يخطط لفلسطين ولمنظمة التحرير آنذاك بتحميلها عبء تحرير فلسطين، وفق شعار قمة الرباط عام ١٩٧٤م حيث تم منح المنظمة مصطلح (الممثل الشرعي والوحيد) ذلك ليتخلوا عن فلسطين، ويتركوا المنظمة تقرر ما تشاء وفق خطة البرنامج المرحلي ذي العشر نقاط، الذي أقره المجلس الوطني الفلسطيني عام ١٩٧٤م، والذي أسس لهذا الواقع المهين والانقسام العمودي وحالة التشرذم.

د. الشقاقي لم يطرح هذا الشعار نظريًا، بل جسده واقعًا على الأرض اليوم في فلسطين، سواء في غزة العزة وصمودها الأسطوري في أربع عدوانات متكررة، وقدرتها على تأصيل توازن رعب مع العدو، ومعركة سيف القدس العام الماضي التي رسخت وحدة الجغرافيا الفلسطينية ككتلة واحدة، وتلتها هذا العام معركة وحدة الساحات لترسي مفهوم وحدة العمل المقاوم فى كل فلسطين وخارج فلسطين، 
 وما يقوم به الشباب الثائر في ربوع فلسطين اليوم وتحديدًا في الضفة الغربية الذى بدأ بكتيبة جنين ونابلس وطولكرم واليوم عرين الأسود وتتمدد وتكبِّرفى أماكن أخرى،
 مكان الإشتباك الرئيس في هذه المرحلة، وتشرّبهم لروح المقاومة، وسريانها في عروقهم يعيد الإعتبار لمكانة فلسطين كرأس رمح للأمة في مواجهة الغدة السرطانية المسماة إسرائيل، والتي مثلت ولا زالت رأس حربة للمشروع الغربي الصهيوني.
ان واجب المجاهدين اليوم في فلسطين أن يستمروا في جهادهم ومقاومتهم مهما كلفهم ذلك من فاتورة باهظة، لأن هذا الصمود الأسطوري والأداء النوعي هو ما سيعجل بإعادة إلتئام الجرح والوحدة الوطنية الحقيقية التي تعلي من شأن المقاومة كخيار استراتيجي، والتخلص من إتفاق أوسلو وإفرازاته، وأيضا تساهم في بناء الوعي المسلوب ليقظة الأمة لكي تتقدم وتأخذ موقعها، هذا قدر فلسطين وأهل فلسطين. 

لقد حان الوقت لأصحاب مشاريع التسوية وتجار الوهم والسراب أن يدركوا أن هذا الكيان إلى زوال، وما يجرى حولنا من أحداثٍ جسام؛ قد تنذر بولادة أقطاب ومحاور عالمية، وقد تتطور إلى حرب عالمية ثالثة كما يطرح كبار المنظرين الاستراتيجيين أمثال كيسنجر وغيره، وتلقي بظلالها على العالم والإقليم، وما يدور داخل الكيان الصهيوني من تخبط على مستوى الحكومة والبرلمان، وخور في جيشه وفشل في منظوماته الأمنية والاستخباراتية.
(يرونه بعيدًا ونراه قريبًا )

كلمات دلالية