كيف غيّر العدوان "الإسرائيلي" حياة الشاب الغزي معاوية الوحيدي؟

الساعة 09:20 ص|08 أكتوبر 2022

فلسطين اليوم

داخل صالون حلاقة صغير موجود في منطقة الصبرة، شرقي مدينة غزة، يزاول معاوية الوحيدي (42 عاماً)، مهنة الحلاقة باستخدام كرسي متحرك، بعدما تسبب صاروخ أطلقته طائرات الاحتلال "الإسرائيلي" في بتر ساقه اليمنى، وجعل ساقه اليسرى في حال عجز.

حين استهدفه الصاروخ في 12 مايو/ أيار من العام الماضي، ظن الجميع أنه استشهد، وودعته عائلته وزوجته شهيداً، لكن نبض قلبه عاد بعدما كان قد توقف.

يعرف رجال وشبان شرق مدينة غزة منذ عام 1995 الحلاق الوحيدي المتزوج والذي رزق ولدين هما سراج (12 عاماً)، وسديم (8 أعوام). وكان صالونه يشهد ازدحاماً كبيراً يومياً قبل أن يتعرض لإصاباته البالغة، وكان يوجد حلاقان أو حتى ثلاثة في صالونه في بعض المواسم، أما حالياً فيحلق لعدد قليل من الزبائن الذين يوافقون على تنفيذ عمله على كرسي متحرك.

يقول: "أمضيت 25 عاماً من حياتي في صالون الحلاقة، واهتممت بحياتي وأطفالي بعيداً عن السياسة والانقسام، وكانت أحوالي مستقرة وجيدة بغض النظر عن الظروف التي نعيشها، وفي 12 مايو/ أيار 2021 تغيّر كل شيء، وأحاول اليوم أن أتكيف مع وضعي الجديد".

في ذلك اليوم المشؤوم الذي غيّر حياة الوحيدي إلى الأبد، كان الغزيون يترقبون عشية حلول عيد الفطر الأحداث والتهديدات "الإسرائيلية"، وتوقعوا أن يقتصر القصف على مواقع معينة ومحدودة من دون أن يتطّور إلى عدوان. واستعد بعض الحلاقين حينها للعمل بشكل عادي ولم يستبعدوا حصول الازدحام الاعتيادي قبل يوم العيد، وبينهم الوحيدي الذي حرص على الوجود باكراً في الصالون. وحصل أن استهدفت طائرات الاحتلال "الإسرائيلي" سيارة قرب صالون الحلاقة الذي يملكه، فاستشهد خمسة مواطنين، وأصيب جاره الخياط أبو محمد، فخرج لإسعافه، وأسرع في حمله، لكنه توقف في منتصف الشارع بعدما لاحظ أن الدم يسيل منه بغزارة.

ويروي: "وجدت بعدما خرجت من الصالون حصول مجزرة فقررت نقل جاري أبو محمد المصاب إلى أقرب صيدلية. وبعدما سرت نحو 30 متراً تقريباً سال دم أبو محمد من فمه، وبدأ يغيب عن الوعي. شعرت بأنه يلفظ أنفاسه الأخيرة، وأخبرته بأن ينطق الشهادتين، وأثناء ذلك أصبت بسقوط صاروخ سقط في الموقع، ونتج عن ذلك بتر ساقي اليمنى، وتضرر ساقي اليسرى وظهري ورأسي، وفقداني السمع بنسبة 80 في المائة. وقد خضعت للعديد من العمليات في ساقي اليسرى من دون أن أستعيد قدرتي على المشي".

قضى الوحيدي 51 يوماً في المستشفى نتيجة السموم التي انتشرت في جسده بتأثير المواد التي حملها الصاروخ الإسرائيلي المنفجر. ومنعت الطواقم الطبية زيارة عائلته له بسبب ضعف مناعته، وأجرى طوال عام كامل عمليات جراحية، في حين كان يعاني من فقر شديد، ما اضطره للعودة إلى الصالون، وممارسة عمله جلوساً على كرسي متحرك لمحاولة الخروج من الضائقة المالية الشديدة التي عانى منها، ومنعت حصوله على علاج وعقاقير طبية.

ويخبر بأنه صُدم من عدم توفر عيادات حكومية واضطراره إلى شراء الأدوية من الصيدليات، وأنه لم يتلقَ أي مخصصات لجرحى الحروب من السلطة الفلسطينية، كما كان يحصل سابقاً.

وأجرى آخر عملية في كاحل ساقه اليسرى بأمل أن يستطيع الوقوف مجدداً كما أخبره الطبيب، لكن العملية فشلت ونصحه طبيب متخصص في العظام لاحقاً بالسفر إلى الخارج لإجراء عمليات جراحية لا تتوفر الإمكانات الطبية لتنفيذها في غزة.

ويشير إلى أنه لدى عودته إلى العمل في صالونه أيقن أنه فقد حوالي ثلثيّ زبائنه السابقين، بسبب عدم تواصله معهم خلال الفترة الطويلة لعلاجه. وحالياً يحلق لشخصين أو ثلاثة بعد الموافقة على الجلوس على كرسي بلاستيكي بدلاً من الكرسي المخصص للحلاقة، ويساعده حلاق آخر في تنفيذ العمل.

ويقول: "لا أريد أن أصبح شخصاً يبحث عن عون مالي. غيّرت إصاباتي حياتي كلها، إذ كنت آتي مشياً إلى الصالون، أما اليوم فتنقلني سيارة مسافة بسيطة. حاول جميع الأطباء مساعدتي عبر إجراء عدد كبير من العمليات الجراحية، لكن العلاج خارج قطاع غزة أفضل".

يتابع: "أعيش في منزل مستأجر موجود في الطابق الرابع. وأستخدم في بعض المرات الدرج نزولاً وصعوداً على يدي، وأحتاج حالياً إلى إجراء عملية لإسناد العظام، وتركيب مفصل في ساقي اليسرى، ومعالجة بعض العضلات، كما أخبرني الطبيب، لضمان الحفاظ على صحة الساق الباقية، وأيضاً لتركيب طرف صناعي لساقي اليمنى التي بترت".

(العربي الجديد)

كلمات دلالية