بقلم : خالد صادق
اندحار الجيش النازي الصهيوني عن قطاع غزة تحت ضربات المقاومة الفلسطينية والذي نعيش اليوم ذكراه ال 17 يمكن ان يتكرر في الضفة الغربية المحتلة، إذا ما تواصلت العمليات الفدائية بهذا الزخم وهذه الكثافة، وإذا ما توحدت الفصائل الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة وحددت أهدافها، فقد انسحب الاحتلال الصهيوني بجنوده ومستوطنين من القطاع بفعل الضغط الذي مارسته المقاومة، ولاسيما بعد اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000، حيث رفعت عمليات المقاومة الكلفة الأمنية على حكومة الاحتلال، ودفعها للهروب تحت مُسمى خطة «فك الارتباط» التي أعلن عنها رئيس حكومة الاحتلال الصهيوني المقبور أرئيل شارون. ففي منتصف أغسطس 2005، بدأت «إسرائيل» بإخلاء مستوطناتها من قطاع غزة، في حدث تاريخي، إذ لم يسبق أن أخلت أرضًا تستولي عليها منذ احتلالها فلسطين التاريخية عام 1948. واحتلت «إسرائيل» قطاع غزة عام 1967، وظلت مسؤولة عن إدارته حتى مجيء السلطة الفلسطينية عام 1994، فأسندته للسلطة، فيما أبقت على قواتها في مجمعات ومستوطنات مركزية داخل القطاع، كان يسكن فيها نحو ثمانية آلاف مستوطن. واندحر الاحتلال من 21 مستوطنة كانت تحتل 35,910 دونمًا من مساحة قطاع غزة، الذي لا تتعدى مساحته نحو 360 كيلومترًا مربعًا, ورغم اندحار الاحتلال الصهيوني عن قطاع غزة الا انه لا زال يمارس حصارا مطبقا عليه منذ نحو خمسة عشر عاما, كما قام بشن حروب على قطاع غزة بحجة القضاء على بؤر المقاومة في القطاع, لكنه اخفق في تحقيق أهدافه, نظرا لصلابة المقاومة وقدرة الشعب الفلسطيني على الصمود في وجه العدوان, وبحسب مراقبين؛ فقد شكّل الانسحاب عن القطاع نقطة تحول كبيرة في تطور أداء المقاومة وسلاحها، واتساع معركتها مع الاحتلال.
هذا الاندحار عن قطاع غزة, أدى الى انحدار في أداء المؤسسة الأمنية والعسكرية الصهيونية التي فشلت فشلا ذريعا في وقف فعل المقاومة الذي خرج من قطاع غزة وادى لفرض معادلات جديدة على الاحتلال الصهيوني, فقد كان الاحتلال يتعامل مع غزة على انها الحلقة الأضعف, وان أي عدوان عليها يمثل مجرد نزهة للجيش الصهيوني دون تكبد أي خسائر مادية او بشرية, لكن المقاومة استطاعت تغيير الكثير من المعادلات واصبح القصف بالقصف, والدم بالدم, والفعل الاجرامي للاحتلال يقابل بفعل موازٍ من المقاومة التي فرضت على الاحتلال وقف سياسة الاغتيالات, ومحاولات السيطرة على الأقصى وتقسيمه زمانيا ومكانيا, ووحدت كل الساحات الفلسطينية من خلال التأكيد على ان المقاومة لن تتخلى عن دورها في الدفاع عن شعبنا الفلسطيني في الضفة المحتلة والقدس والأراضي المحتلة عام 48 وفي الشتات, وقد مكّن الاندحار الصهيوني عن قطاع غزة، المقاومة الفلسطينية من حرية العمل وتطوير قدراتها المختلفة وتصاعدها، إذ عملت المقاومة على رأسها كتائب القسام وسرايا القدس على إعداد تكتيكات جديدة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي. هذا التطور مكّن المقاومة من الصمود في مواجهة عدوان الاحتلال الصهيوني المتواصل على شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة، كما مكّنها من إفشال أهداف الاحتلال في القضاء على المقاومة الفلسطينية، والتي غدت اليوم كابوسًا يؤرق قادة الاحتلال. وبات الاندحار عن غزة نقطة تحول كبير في تطور أداء المقاومة وسلاحها، واتساع معركتها مع العدو، حتى أضحت تبدع في معركة تلو الأخرى، وظل الشعب ظهرًا حاميًا وداعمًا لها رغم الجوع والحصار، واليوم تلتحم المقاومة في الضفة مع الشعب الفلسطيني هناك وتسير على نفس النهج الذي سيؤدي حتما لاندحار الاحتلال عن الضفة.
واضح ان «إسرائيل» تسعى لتجنب تكرار مشهد الاندحار عن قطاع غزة في الضفة الغربية المحتلة، التي تعتبرها جزءا لا يتجزأ مما يسمى بدولة «إسرائيل» وتطلق عليها اسم يهودا والسامرة، وبات من الواضح أيضا ان «إسرائيل» تتعامل مع السلطة الفلسطينية في الضفة على انها إدارة مدنية لتسيير أمور السكان، وان الحلول لازمات الضفة هي حلول إنسانية لتحسين الوضع المعيشي والاقتصادي للسكان، وليس لدى «إسرائيل» أي رؤية للحل على أساس ما تسمى بمبادرات السلام الدولية والعربية, لكن في المقابل فان «إسرائيل» لا تملك ان تمرر مشاريعها الاستيطانية بسهولة, فاوراق الضغط التي بيدها جلها قائم على القتل وسفك الدماء, وهذا لن يكون رادعا لشعبنا الفلسطيني الذي قدم ويقدم كل هذه التضحيات لأجل نيل حريته واستقلاله, وتهديدات لا تلقى أي اهتمام من شعبنا الفلسطيني الذي اعتبرها تهديدات جوفاء لا أهمية لها، تنم عن ضعف الاحتلال وإفلاسه، خاصةً بعد فشله المتكرر في قطاع غزة, وعدم قدرته على حماية مستوطناته في الضفة, ومواطنيه في الأراضي المحتلة عام 48 رغم كل الاحتياطات الأمنية والعسكرية التي يتخذها لمنع العمليات الفدائية, فقد نشرت بالأمس قناة عبرية تفاصيل جديدة عن إحباط عملية مزعومة عبر إطلاق النار وإلقاء عبوات خطط لها شاب فلسطيني من مدينة نابلس في «تل أبيب»، واعتُقل الخميس الماضي في مدينة يافا المحتلة. عقّب مفتش عام شرطة الاحتلال «كوبي شفتاي» على الأمر بقوله: «تم منع تنفيذ عملية كبيرة، واعتقال الشاب وبحوزته بندقية رشاشة ومخزن مليء بالذخيرة وعبوات مليئة بالمسامير» فالاحتلال يعيش حالة رعب وفزع لن يتخلص منها طالما ان هناك شعب يقاوم, ومقاومة قادرة على الصمود والمواجهة حتى تحقيق النصر.