خبر عملية كبيرة ولا شيء سياسيا..معاريف

الساعة 08:58 ص|08 مايو 2009

بقلم: شالوم يروشالمي

بالامس صباحا علق الناشط السياسي المخضرم دايفيد إيش شالوم لافتة ضخمة قبالة منزل بنيامين نتنياهو في القدس. "نتنياهو قوي قبالة اوباما ومصالحة الارهاب في الداخل" كتب في تلك اللافتة. فوق هذه اللافتة علقت صورة براك اوباما وهو يتودد من عبدالله ملك السعودية. ايش شالوم اخذ يجمع تواقيع المارة على عريضة: "انا الموقع ادناه أؤيد موقف رئيس الوزراء القوي في مواجهة محاولات بيع اسرائيل للعالم الاسلامي. انا ادعو نتنياهو بالتمسك بايديولوجيته والحفاظ على امن اسرائيل في ظل التهديدات الوشيكة".

ايش  شالوم شخص مثير. في الثمانينيات كان في طليعة من اجروا الاتصالات مع م.ت.ف بادر الى اجراء مباحثات سلام مع الفلسطينيين والتقى مع ياسر عرفات عندما كان الامر مخالفا للقانون بل وارسل للسجن لثمانية اشهر. منذ ذلك الحين تمكن من العيش لسنوات طويلة في الهند وعاد وغير رونقه السياسي كليا متحولا الى ناشط يميني قلق. "لن نسمح لاوباما بان يقيم دولة ارهاب في يهودا والسامرة. ولن ننتحر حتى يحقق اهدافه" يقوله ايش شالوم للمارة ويواجه في العادة ردود فعل متعاطفة معه.

ايش شالوم قد يكون اول من يقفزون للمياه. اليمين مصاب بالخوف في الوقت الحالي والبلبلة بالاساس. في يوم الثلاثاء مساء اجتمعت ادارة مجلس يشع للمستوطنين لاجراء نقاش عاجل. السيناريو المعروف لصراعات اليمين يبدأ في تكرار نفسه مرة اخرى. دائما يبدأ ذلك بزيارة رئيس الوزراء الجديد للولايات المتحدة. وعادة ينتهي بالمفاوضات التي تبدو لهم خطيرة او مع اتفاقيات تخرج عشرات الالاف للشوارع. في هذه المرة لديهم علامة واضحة بأن شيئا سيئا قد يحدث: شمعون بيرس قد زار اوباما ووعده بأن رئيس الوزراء يريد دخول سفر التاريخ. "بيرس هو الشرطي الطيب. اوباما هو الشرطي السيء. كلاهما معا سينجحان في فرض التنازلات على نتنياهو" يقول داني ديان رئيس مجلس يشع.

التنازلات من ناحيتهم تبدأ من خلال ازالة الحواجز وتتواصل عبر ازالة البؤر الاستيطانية وتجميد المستوطنات. الوضع على الارض كارثي اصلا كما يقول المستوطنون. حكومة اولمرت جمدت كل شيء. توسيع المستوطنات اليوم عموديا وليس افقيا. زئيف حبار واعضاء حركة امانا يقرضون المستوطنين المال حتى يبنوا طابقا ثانيا. اوامر العملية جاهزة من الان. هناك ايضا شعار جاهز منذ ايام شارون وفك الارتباط وهو بحاجة للتعديل فقط. "نتنياهو يفقد الدولة" سيكتبون هناك. يوم الاحد سيعقد قادة مجلس يشع داني دايان وبنحاس فيلرشتاين وزامبش واخرون مؤتمرا صحافيا عصبيا سيحذرون فيه من حل الدولتين وتجميد المستوطنات. الضغط على وزراء الليكود واعضاء الكنيست من اليمين سيبدأ من جديد. ايام اوسلو عائدة؟ هذا يعتمد على اوباما.

الارباك ليس قائما في الميدان فقط. هو يصعد للاعلى حيث يخلطون الخوف السياسي بالخوف من نتنياهو. خلال هذا الاسبوع تبادلت اطراف الحديث مع وزراء كثيرين خصوصا من الليكود. احد منهم لا يعرف بالضبط الى اين يتوجه رئيس الوزراء والى اي مدى سيوغل في مسيره ان حدث ذلك. كما ان احدا منهم ليس مستعدا لاجراء مقابلة والتورط بمقولات وعبارات تغضب نتنياهو من البداية. كلهم يغرقون في بحر الرسائل المخيفة التي ترسلها الادارة الامريكية جهارا ولا يفهمون دائما ردود الفعل المتناقضة التي تصدر من ديوان رئيس الوزراء. وهناك ايضا انتقادات خفية طبعا.

الذروة كانت في يوم الاربعاء. الطوفان الامريكي اغرق عناوين الصحف. نائب الرئيس جو بايدن صرح مرة اخرى بان على اسرائيل ان تتبنى حل الدولتين لشعبين من دون فهلوية وان تتوقف عن بناء المستوطنات وان تزيل البؤر الاستيطانية. رئيس طاقم البنك الابيض رام عمانويل قال بان قدرة الولايات المتحدة على مواجهة ايران تعتمد على التقدم مع الفلسطينيين. مستشار الامن القومي لاوباما الجنرال جيمس جونز وعد بموقف حازم من اسرائيل. "نحن قلقون فعلا في هذه المسألة" اعترفوا في ديوان نتنياهو.

"طالما لم يقل اوباما ونتنياهو ذلك مباشرة فكل شيء مفتوح" يقول وزير بارز في الحكومة. "هذه معركة لجس النبض في الوقت الحالي وانا مقتنع بان نتنياهو في اخر المطاف لن يقول بانه  مع حل الدولتين.  هو لا يستطيع ذ لك ان فعل فسيلحق بنفسه ضررا انتخابيا لانه انتخب على برنامج مخالف لذلك ومصداقيته في نظر الجمهور ستتصدع مرة اخرى وهذه مسألة حاسمة بالنسبة له. ليس بامكانك ان تقوم بالتفاف حاد الى هذه الدرجة حتى وان كنت مضطرا. ربما سيوضح ذلك لاوباما".

"تسيبي لفني وضعت نتنياهو في شرك" يضيف وزير بارز اخر. "هي اقترحت قضية الدولتين لشعبين وهو لم يكن بامكانه ان يقبل بهذه الصيغة. جرى هنا نقاش معمق وكان من الممكن الادراك بانه ليست هناك فوارق جوهرية بين الاثنين وان التباين لفظي فقط. لان لفني ايضا تدرك ان الدولة الفلسطينية يجب ان تكون منزوعة السلاح وان لا يكون بامكانها ان تعقد اتفاقيات عسكرية، وان لا يكون لديها مجال جوي وان تشرف اسرائيل على معابرها. اذا فنحن نقترب من الدولة الموسعة او الحكم الذاتي. نحن لا نطالب بالسيادة على جنين ولا نريد ان نكون في غزة.

هناك ايضا وزراء في اليمين يوجهون انتقاداتهم لنتنياهو في الاتجاه المعاكس. "كان على رئيس الوزراء ان يقول انه يقبل حل الدولتين وهذا كل شيء" يقول احد الوزراء، "ما هو غير الجيد في ذلك؟ في خريطة الطريق بند واضح يتحدث عن دولة فلسطينية مستقلة وسيادية. التحفظات لا تنطبق على هذا البند. نتنياهو كان في الحكومة مدة عامين وتلك الحكومة كانت قد تبنت خريطة الطريق حتى وان امتنع هو نفسه عن التصويت. ماذا هل يتوجب عليه الان ان يصرح بانه يعارض تلك الصيغة وان يتخاصم مع الامريكيين؟ عليه ان يقول انه مستعد لتنفيذ الاتفاقيات التي اتخذتها الحكومة. ان لم ينجح اولمرت في تطبيق اي شيء خلال ثلاث سنوات، فليس هناك اي سبب لان ينجح نتنياهو، وانا على قناعة انه ليس متلهفا للنجاح في هذه القضية".

ليس هناك المزيد من الوقت لتضييعه

نتنياهو لا يختلف في اراءه عن بني بيغن او روبي ريفيلن الرمزان اليمينيان الايديولوجيان لليكود وغير المستعدان للسماع باسم الدولة الفلسطينية او حتى اعادة المناطق بالحد الادنى. "التي تتحول فورا الى قاعدة للارهاب الدموي". الثلاثة جلسوا قبل الانتخابات واتفقوا خطيا على ما يبدو بان يتشاور نتنياهو مع بيغن من قبل ان يتخذ قراره للاقدام على خطوة او اصدار تصريح سياسي، "وان لا يخفي عنه شيئا" كما يقول ريفيلن. قبل 13 عاما فاجىء نتنياهو بيغن عندما توجه لمقابلة عرفات وفي وقت لاحق وقع معه على اتفاق الخليل. بيغن استقال حينئذ من الحكومة وبعد حين غادر صفوف الليكود. نتنياهو لا يريد بثا مكررا لهذا المشهد.

بالنسبة لنتنياهو كان الجمود السياسي وما زال نوعا من الايديولوجيا. المفاوضات بالنسبة له هي مضيعة للوقت بسبب الاصرار الفلسطيني في قضية القدس وحق العودة ورفض الاعتراف بالدولة اليهودية. ولا يرى في الجانب الاخر قائدا قادرا على اتخاذ قرارات هامة في ظل الواقع الذي اصبحت فيه السلطة الفلسطينية ضعيفة. الحد الاقصى الذي يمكنه ان يقترحه هو سلام اقتصادي متدرج من خلال الافتراض بان الازدهار في السلطة سيخفف من التطلعات والطروحات الوطنية. بالامس عين سلفان شالوم وزير التنمية الاقليمي لترأس لجنة وزارة ستتولى اقتراح مشاريع اقتصادية للفلسطينيين.

وبالمناسبة، زيارة البابا في الاسبوع القادم تحديدا قد تحفز فكرة اقتصادية اسرائيلية – فلسطينية مشتركة لا يتوقف نتنياهو عن طرحها في السنوات الاخيرة. رئيس الوزراء يقول دائما بان الاف الحجاج المسيحيين يصلون الى المغطس في الضفة الشرقية الموقع الذي غطس فيه يوحنان الغطاس وفقا لعقيدة يسوع بينما يهمل الجانب الاسرائيلي ويقف يتيما بلا زوار. هو يتخيل بينه وبين نفسه رواقا سياحيا من بيت لحم برعاية الفاتيكان لمساعدة الاف الحجاج المسيحيين للوصول الى كنيسة قصر اليهود ومن هناك يتوجهون الى المغطس في الجانب الغربي من النهر.

في ديوان نتنياهو يعرفون جيدا بان اوباما قد يعلن عن افكاره غير ذات الصلة بصورة صارخة وانه لا ينوي مواصلة لعبة لا هدف لها. تقدير الجهات السياسية الهامة هو انه سيقترح على الامريكيين صيغة السلام الاقليمي التي ترتكز على وحدة المصالح الاسرائيلية العربية ضد ايران. "الاطار ثنائي الجانب فشل" يكررون القول في ديوان نتنياهو. السلام الاقليمي سيشمل ايضا الفلسطينيين ويستوجب تقديم تنازلات مؤلمة، ولكن نتنياهو سيصر على اعترافهم المسبق بدولة قومية يهودية وبالصلاحيات المحددة التي ستكون لهم.

السؤال هو كيف سيسوق نتنياهو هذه البضاعة الساخنة في الليكود. احد الوزراء مستعد لتخيل المحادثة التي سيجريها نتنياهو مع الوزراء بعد عودته من زيارة اوباما. "هيا بنا نعترف بالحقيقة" سيقول نتنياهو. "نحن لسنا في الوضع الذي كنا فيه قبل 15 عاما. في ذلك الحين قبلنا اتفاقيات اوسلو. ومنذئذ حدثت امور كثيرة. نحن لم نعد نطالب بنابلس ولا بجنين. الليكود قبل مبدأ التسوية الاقليمية وليس من الممكن ان تنكر لذلك. وعليه يدور الجدل الان حول حجم التسوية وحجم الصلاحيات. نحن ضد تقسيم القدس وضد الانسحاب لخطوط حزيران وان كانوا يرغبون بتسمية ذلك دولة فليفعلوا".

هل سيحدث شرخ في الائتلاف الحاكم وفي الليكود؟ الافتراض هو لا وخصوصا ليس في هذه المرحلة. وزير الخارجية افيغدور ليبرمان قد سار خطوة للامام واعترف علانيا بخريطة الطريق التي تقترح دولة فلسطينية في اخر المطاف. نتنياهو نفسه لم يقل ابدا كلمة حول هذه الخطة وما زال على قناعة بانها "مجموعة من الاخطاء". ان كان ليبرمان في الداخل ولا يذهب اتباعه البيت اليهودي الى اي مكان، فليس هناك سبب يدفع اتباع الليكود لاثارة الجلبة. ربما يتوجب فقط ابداء عدم الارتياح من المصطلحات الجديدة التي هيمنت على القاموس الحزبي.

نتنياهو لن يجد صعوبة في حشد تأييد النواة الصلبة والمؤثرة في الليكود: الوزراء جدعون ساعر واسرائيل كاتس وسلفان شالوم ويوفال شتاينتس. في بداية ولايته سيتمتع بمكانة راسخة ولن يتجرأ احد على مواجهته. ليس هناك ايضا سبب خاص كما يقول الوزراء يدفع لذلك وكل شيء في هذه اللحظة نظري. لا يتوجه احد بعد للتوقيع على اية وثيقة تنازلات مع الفلسطينيين. خلال 1996 يذكرون في الليكود، التقى نتنياهو مع عرفات فاستشاط الوزير بني بيغن غضبا. "سيكون للتصالح مع هذه العصابة نتيجة" هدد بيغن ولكنه بقي في الحكومة وخرج منها فقط بعد ان وقع نتنياهو على اتفاق الخليل في مطلع عام 1997.

"نتنياهو سيكثر من الحراك السياسي ولكنه لن يقوم باي شيء سياسي" قال احد الوزراء معبرا عن تصوره قبل زيارة نتنياهو التاريخية لواشنطن. الوزير تطرق الى الحدث في اخر شباط قبل الانتخابات التي وقع فيها نتنياهو وبيغن وبوغي يعلون والوزراء الاخرون على ميثاق متشدد مع آفي ايتم والحركة الصهيونية الدينية بايام، وليس سدى. "الليكود يعتبر المشروع الاستيطاني في ارض اسرائيل درعا واقيا للدولة وتجسيدا للحلم الصهيوني". كتب اغلبية تلك المراسيم. اريئيل شارون كان ليحول هذه الاتفاقيات الى اطار. نتنياهو من طراز 2009 قد يكون حكاية اخرى.