استهداف الأمريكي في سوريا؛ موجة عابرة أم تصعيد منهجي؟

الساعة 07:49 ص|27 أغسطس 2022

فلسطين اليوم

بقلم : محمد فارس جرادات

بين مسار فيينا التفاوضي، وتصاعد النار في شمال شرق سوريا، مسافة شاسعة، يختصرها القلق الإسرائيلي من انبعاث الاتفاق النووي في فيينا، وهو قلق يسعى الأمريكي جاهداً لتبديده، عبر الميدان السوري، وهو الميدان الذي تتجلى في تفاصيل تناقضاته الزمانية والمكانية، عقدة المشهد أو لنقل ذروة الهاجس الإسرائيلي من اكتمال التموضع الإيراني على عتبة الجولان السوري المحتل، وهو ما يؤدي للتصعيد المتبادل.

ليست المرة الأولى التي يتم فيها استهداف قاعدة التنف الأمريكية، وهي الوحيدة خارج مناطق سيطرة أكراد قسد، وتتموضع منذ عام 2016 على تقاطع الحدود السورية العراقية الأردنية، عبر وكالة فصيل مغاوير الثورة، وهي القاعدة التي أقيمت لمحاربة داعش، وللصدفة ما زال وجود داعش يتركز في البوادي القريبة منها، وهو وجود يتم تفعيله بين فينة وأخرى، ربما ليستجلب المبرر الدولي في تمديد عمر الاحتلال الأمريكي للأرض السورية.

وشملت هذه الهجمات إضافة للتنف قاعدتيّ حقل العمر وكونيكو، وهي تأتي غداة العدوان الأمريكي على دير الزور، والذي أمر به بايدن مباشرة، في ظل غليان الملف النووي في فيينا، واستهدف فيه سبعة منشآت بنية تحتية للحرس الثوري الإيراني، بحسب البيان الأمريكي الرسمي، لحماية القواعد الأمريكية من هجمات إضافية، ولكن هذه الهجمات تصاعدت واتسعت بعد ساعات من الاعتداء الأمريكي على دير الزور، فهل يمكن لهذه الهجمات أن تتواصل بشكل منهجيّ، أم تظل حبيسة التناقضات السياسية والتطورات الميدانية؟

تجاوز المشهد السوري ذروة تناقضه الداخلي، عبر بسط الدولة سيطرتها على معظم الأرض السورية التي أقام فيها المسلحون دويلات وإمارات، تدعمها قوى خارجية من واشنطن وأنقرة حتى تل أبيب، لتبقى جيوب في الشمال والشرق ترعاها هذه القوى بشكل مباشر، وهو ما أرخى هذا المشهد على عتبة التناقضات الدولية بين واشنطن وموسكو، والتناقضات الإقليمية بين أنقرة وطهران، وقد جاءت قمة طهران الأخيرة بين بوتين ورئيسي وإردوغان، لتدفع المشهد نحو التحريك الميداني، على وقع التناقض الأمريكي التركي في الشأن الكردي، وهو ما دفع التركي لبدء عملية عسكرية تستهدف التعاظم الكردي في سوريا، وهو تعاظم ترى أنقرة أنه يهدد أمنها القومي، فيما تعتبره سوريا احتلال لأرضها يتوجب مجابهته.

معركة سورية المؤجلة مع المحتل الأمريكي والتركي، وفي مواجهة الغارات الإسرائيلية المتواصلة، تدخل طوراً متغيّراً، في حال تصاعد الهجمات ضد القواعد الأمريكية في سوريا، وهي قواعد ربما يلخص وجودها أصل المأساة السورية، وما ينبثق عنها من أزمات، وما يتجدد على وقعها من قضايا، بما يعكس إدامة النزيف السوري في أقسى تجليّاته، ومواجهة هذا القواعد ربما يضع حداً للتركي في عدوانه، وقد احترقت كل أوراقه، ولم يتبقى منها إلا الكردي كمبرر لتدخله، والكردي يرعاه الأمريكي، فإذا تقلص نفوذ الأمريكي انتفت حجج التركي، وتوجب عليه عندها، ليس فقط الانسحاب من سوريا، بل الكف عن رعاية جيب إدلب المنتفخ كدمّل في الجسد السوري.

يملك السوري وحليفه الإيراني، ومن خلفهما الصديق الروسي، كل مبررات استنزاف المحتل الأمريكي في سوريا، وهو استنزاف لا يمكن للأمريكي احتماله، وقد فشلت رهاناته على تغيير المشهد السوري، وقد ترسّخ في انتمائه لمحور المقاومة، بما يمثله من حلقة حاسمة في تواصل قوى المحور نحو مياه المتوسط، خاصة أن الأمريكي لا يكف عن مواجهة هذه القوى في عقر دارها، فهو يهاجم حزب الله عبر خنق اقتصاد لبنان، ويفتعل الفتن الداخلية العراقية في مواجهة الحشد الشعبي، ويختطف ربع الأرض السورية عبر دعم قوات قسد الكردية، وعبر إنعاش جيوب داعش في البوادي العراقية والسورية.

 

ويأتي الهجوم الأمريكي الصريح على دير الزور، ليؤكد عدم جدوى تأجيل استنزاف المحتل الأمريكي، وهو استنزاف بدأ مع الاغتيال الأمريكي للفريق سليماني، ولكنه ظل في سياق محدود، لم يدفع الأمريكي لإعادة حساباته، والكل يعي أن الأمريكي لا يعيد هذه الحسابات إلا إذا خسر أرواح جنوده، وأصبحت حركتهم عرضة للعبوات والقصف والقنص بشكل يوميّ، فهل تكون الهجمات الراهنة غير المسبوقة في زخمها، باكورة استنزاف دموي للوجود الأمريكي في سوريا؟

حرص الإيراني على فصل أزمات الإقليم عن الاستحقاق النووي، وقد ترك شؤون كل دولة لأهلها، ولم يتماها مع الأمريكي في إدارة أزماتها، بما يعطي للإيراني وحلفائه في المنطقة حرية استنزاف الأمريكي في البر السوري والبحر الخليجيّ، بما يدفعه للانكفاء النسبيّ، نحو انكفاء كليّ حينما تتوفر القدرة على ذلك، ولكن هل السوريّ مؤهل في هذه الظروف، لاستنزاف الأمريكيّ، خاصة في ظل النفوذ الروسي؟ لتأتي التطورات في أوكرانيا، حيث يقف الأمريكي داعماً لأوكرانيا ضد روسيا، بما يفرض على الروسي أن يساعد السوري في مواجهة المحتل الأمريكي، ومن خلفه العدوان الإسرائيلي، خاصة أن الأخير دخل في تناقض مباشر مع الروسي في الميدان الأوكراني، وقد أعلن عن مقتل أكثر من 75 يهودياً حتى الآن، وهم يقاتلون ضد روسيا في أوكرانيا.

تتعانق المبادئ الأخلاقية مع الظروف الميدانية والسياسية على الأرض السورية، لتفرض معطيات جوهرية، تدفع الأرض لتشتعل تحت أقدام الغزاة، وهي أرض تماسكت أطرافها بسواعد جنود سوريا في وجه المؤامرة، وقد طال انتظار طهرها من رجس المحتلين، ليعود عبق ياسمينها يفوح من عين العرب والحسكة حتى إدلب والجولان.

 

كلمات دلالية