دلالة المسمى؛ بين "طلوع الفجر" و"وحدة الساحات"

الساعة 12:26 م|12 أغسطس 2022

فلسطين اليوم | الكاتب محمد جرادات

دلالة المسمى؛ بين "طلوع الفجر" و"وحدة الساحات".. بقلم: محمد فارس جرادات

جاء المسمى العبري للهجوم الغادر على غزة؛ "طلوع الفجر"وكل فجر تسبقه عتمة،انعكاساً لمخزون نفسي يعكس طبيعة العقل الإسرائيلي، وقد نجح نسبياً عبر هذا الهجوم، في تبديد شعوره بالعتمة،باغتيال تيسير الجعبري وخالد منصور. ولكن هل تجلى الفجر على الكيان العبري، عقب اغتيالهما، أم أن خيوطه قد تبددت، وقد اشتد أوار المعركة في اليوم الثالث منها، حتى انحاز لطلب الهدنة، والصواريخ ترجم ثكناته العسكرية ومصانعه الاقتصادية من سيدروت حتى تل أبيب؟!

هل لنا أن نتخيّل المزاج النفسي لواضع هذه المسمى الإسرائيلي للعدوان على غزة؟! مجرد أن المنصور والجعبري على قيد الحياة، فهو شعور عبريّ بالعتمة والظلام وضيق الحياة، لذا هو يسارع للبحث عن فجر يرفع عن كاهله هذا الكابوس باغتيالهما، وهو فجر سبق لمنصور والجعبري أن نسجا خيوط شمسه عند اغتيال رائدهم بهاء أبو العطا عام 2019، فأطلقا مسمى"صيحة الفجر" على عمليات الرد على اغتياله، وقد حملت المسمى الإسرائيلي "الحزام الأسود"، واستهدافاللون الأسودمقصود، وهو يجابه راية العقاب السوداء التي استنّهاالجهاد الإسلامي له راية وشعار تأسيّاً براية رسول الله في كل حروبه.

أطلق الجهاد الإسلامي مسمّاه للمعركة "وحدة الساحات" بما أربك المنظومة السياسية في المنطقة، وهو ما تطلب وقف المعركة بسرعة لافتة، وقد كثّف الجهاد الإسلامي كامل مشروعه السياسي العسكري بهذا المسمى، لينقض خيوط المشاريع السياسية الآخذة بالتبلور في المنطقة، فكل طرف يعتاش على مشروعه الخاص، هنا في الضفة أو غزة، أو دول الإقليم المطبّع منها وغير المطبّع، كل قُطْر يغنّي على ليلاه، فجاء عزف الجهاد الإسلامي برمزية المسمى ليطلق في الريح مع كل صاروخ، نشيد الأمة الموحد، بما ترمز له "جنين" اليوم، وهو يرصف المدماك الأول في الطريق من غزة وإليها.

غزة-جنين؛ أكثر من مدينتين فلسطينيتين، لما هو خط ساحات تتداخل لتحمل اسم المعركة ورسمها، وهو خط عمليّ، تتجلى أبعاده العمليّة بداية في ردم الانقسام، الذي تحرص قوى كثيرة، ومنها داخلية، على إدامته وتعزيزه، لهذا وقف الجهاد الإسلامي وحيداً يصارع الجبروت الإسرائيلي، لأنه التنظيم الوحيد المتمرد على عوامل الانقسام، والمتجرد عن منافعه الآنيّة. وعندما تعانق غزة أوجاع جنين، ولو بصيغة تحذير للسرايا حماية لحياة الشيخ بسام السعديبرمزيته الوحدوية والجهادية، وقد سالت دماءه وتحولت بقعاً غصّ بها مكان الجريمة، وهي في أوج التحذير لم تطلق رصاصة واحدة، حرصاً منها على المقاومة الجماعية، وإن شلّ ذلك غلاف الإستيطان في غزة بكامله.

هل اتحدت ساحات الوطن عبر المعركة؟ أم بزغ فجر المحتل في عدوانه؟

كانت معركة خاطفة أخذ فيها كل مسمّى نصيبه بما تحقق من أهداف، فهذا المحتل ما كاد ينهي المعركة بهدنة هشّة حتى انقض على جنين لينسف منزليّ بطليّ عملية إلعاد، ثم ليغتال البطل إبراهيم النابلسي وأخويه في نابلس، في مسعى منه لاحتواء الحريق الذي أخذ يقترب من رجليه عبر الكتائب الزاحفة من جنين نحو نابلس وعموم الوطن.

بدّد المحتل جزءً مهماً من عتمة ليله، بتحقيق بعض أهداف عدوانه على غزة، عندما نجح عبر معلومة ذهبية فتحت شهيته لاغتيال المنصور والجعبري، كما نجح بعزل حماس عن القيام بدورها الطبيعيّ، عبر الانخراط في المعركة، وهو العزل الذي تبجح به قادة الكيان بطريقة تبعث على الدهشة، بما يشير لمشروع سياسي يلوح في الأفق، ولو احتمالاً.

لكنّ فجر العبريّ غصّ بتناقضات أهدافه من جهة، وبحملة كذب مكشوفة من جهة أخرى، في ظل انفتاح المعركة كما الهدنة على ساحات الوطن، ولو برمزية الضمانة المصرية بدفع الإسرائيلي للإفراج عن المضرب خليل العواودة، وعن الشيخ بسام السعدي، وهو الذي تسببت عملية اعتقاله وإهانته لدحرجة التحذير إلى اغتيال وحرب.

تكشفت هشاشة الفجر الإسرائيلي، بالتفاخر زاعماً القضاء على كامل البنية العسكرية للجهاد، ولكن المعركة بعد الاغتيال، كما بعد هذا التصريح، استعرت بشكل لافت، وقد اضطرت المصادر العبرية للاعتراف بعد ظهيرة اليوم الثالث للمعركة أن السرايا قصفت 130 صاروخاً خلال عشر دقائق بما غطى كامل المنطقة الممتدة من الغلاف حتى تل أبيب، وقد خرج أهل يافا المحتلة وهم يطلقون الزغاريد للصواريخ القادمة نحو تل أبيب المجاورة، وقد أخذ مستوطنوها يتدافعون نحو الملاجئ.

وسقطت بعض أهداف هذا الفجر، بزعم نجاح القبة الحديدية في اعتراض 97% من الصواريخ، وتناسى العبريّ ما سبق أن تفاخر به مع أول موجة قصف معلومة مسبقاً في تاسعة البهاء، عن نجاح قبته باعتراض 33 صاروخاً من أصل 90، فكيف اتسقت هذه النسبة الكليّة مع هذا التفقيط التفصيلي؟! وهو ذات الكذب الذي أجهد نفسه في تبرير مجزرة جباليا، متناسياً أنه أعلن ابتداء عن ملاحقة خلية صواريخ لجأت إلى مسجد عماد عقل وقد نجح بالقضاء عليها، ليتبين أنه أجهز على بيت ملاصق للمسجد يغص بالأطفال، فإذا به يتراجع عن إعلانه، في تناقض صارخ كشف عن هشاشة منظومته الإعلامية والعسكرية.

 

ليس ثمة فجر يُستضاء بأشعة الكذب وحمرة دم الأطفال، رغم الجبروت الإسرائيلي، ولكنها ساحات الوطن تتفتح ورودها، وقد تحدّقت عيون فتيتها عبر الأفق، طيفاً لا تحجبه أشعة الفجر الكاذب، ولا إعلام التطبيع وتزويره.

 

كلمات دلالية