حركة الجهاد الإسلامي تقدم نموذجاً جديداً في العمل المقاوم-عرفات عبد الله أبوزايد

الساعة 04:27 م|05 أغسطس 2022

فلسطين اليوم

لا شك أن العمل المقاوم هو بالأساس عمل إبداعي متطور يتمكن من تحويل التهديد إلى فرصة، ومن خلال القراءة الواقعية للتحولات في فلسطين المحتلة خلال الأعوام الأخيرة يمكن رؤية ثمة عوامل تُقدر بأن هناك قوة حقيقية تتدحرج وبشكل غزير وباتت تشكل صداع حقيقي في أروقة أجهزة الأمن الصهيونية وأصبحت محل إجماع لدى الشعب الفلسطيني على اختلاف أطيافهم وألوانهم الحزبية، حيث أصبحت حركة الجهاد الإسلامي وعبر ذراعها العسكري سرايا القدس نموذجاً للعمل المقاوم الغير قابل للكسر أو الابتزاز.

متابعة التحولات التي قادتها سرايا القدس في الفترة الأخيرة يؤكد بأننا أمام حالة هامة تحتاج إلى دراسة معمقة، ويمكن بشكل يسير تلخيص أهم التحولات التي أحدثتها سرايا القدس خلال الفترة الأخيرة، مع التأكيد أن كل بند يحتاج إلى دراسة بحثية تحليلية، ويمكن تلخيص هذه التحولات على النحو التالي:

1.     في خِضم مسيرات العودة على حدود قطاع غزة وتغول الاحتلال الصهيوني ضد الشباب الأعزل المشارك في الفعاليات الشعبية على الحدود، واتخاذ العديد من قوى المقاومة موقفاً تجاه الإجرام الصهيوني قراراً بتفويت الرد على الاحتلال حتى تبقى المسيرات آخذة شكل المقاومة الشعبية وتصديرها دون إدخال المقاومة المسلحة، لم تطيق حركة الجهاد الإسلامي هذا المشهد وهذه السردية المؤلمة والتي اعتبرتها جريمة لا يمكن تمريرها، خاصة في ظل تجرأ الاحتلال وتعمده قتل الأطفال وقنص الشباب في أماكن تؤدي إلى بتر أطرافهم في مشهد هزلي أقرب للكوميديا لدى قناصو الاحتلال الذين كانوا يسخروا من الشباب ويتراهنوا فيما بينهم في عمليات القنص ضد الشباب الفلسطيني، سرايا القدس تابعت هذا المشهد بكل دقة واهتمام وأخذت قرارها الذي لا رجعة فيه بأن ارتقاء شهداء أو جرحى خلال مسيرات العودة اليومية أو الأسبوعية لن يتم تفويته وسيتم الرد عليه في ذات التوقيت، وكلفت الحركة والدائرة العسكرية للحركة في حينه أحد أبرز قادتها المجاهد القائد بهاء أبوالعطا "أبو سليم" لاتخاذ الطريقة والشكل والمناسب لتنفيذ هذا القرار، ولم يتأخر الشهيد أبوالعطا في تنفيذ هذه المهمة على أكمل وجه، فكان يرد على جرائم الاحتلال في ذات اليوم، هذا القرار الجريء من حركة الجهاد الإسلامي أصبح يشكل أيقونة لدى جماهير شعبنا التي كانت تخرج للشوارع يومياً تهتف للمجاهد أبوطارق النخالة والمجاهد أبو سليم أبوالعطا قبل استشهاده لأن جماهير شعبنا تملك حالة من الوعي وتؤمن بأن القضية أحوج ما تكون لمثل هؤلاء القادة الذين لا يأبهون بكل التهديدات ولا يتراجعون عن قرار حماية شعبهم من تغول الجيش الصهيوني.

2.     عقب عملية الفرار البطولية من سجن جلبوع لستة من قادة وكوادر الحركة الأسيرة بينهم خمسة من الجهاد الإسلامي وواحد من كتائب شهداء الأقصى وجميعهم من مدينة جنين ومخيمها، أخذت قيادة حركة الجهاد الإسلامي برئاسة أمينها العام أبوطارق النخالة على عاتقه إعادة ترميم صفوف المقاومة في الضفة المحتلة وبدأت الحركة في تشكيل خلايا عسكرية بهدف تفعيل المقاومة ومواصلة سياسة المشاغلة التي أطلقها الأمين العام للحركة سواء في الضفة أو غزة مع قناعاته بأن أفضل الطرق لمواجهة الاحتلال هي الاستنزاف والمشاغلة التي تزعج الاحتلال وتمنعه من التمتع بالهدوء وتفشل كافة مشاريعه التصفوية والتهويدية ضد الأراضي الفلسطينية، وبدأت حركة الجهاد الإسلامي في اتخاذ استراتيجية جديدة في العمل المقاوم بالضفة المحتلة عبر ما أسمته "الكتائب" وبدأت في تشكيل كتيبة جنين، بحيث تضم الكتيبة عدد وفير من المقاتلين التابعين لسرايا القدس بالإضافة الى مقاومين من فصائل مقاومة أخرى، بحيث يتجمع كافة المقاومين في هذه الكتيبة سواء في منطقة أو مخيم أو مدينة ويقاوموا جنباً إلى جنب دون أي حسابات حزبية، وهنا أرادت حركة الجهاد الإسلامي تغيير الجانب الفكري لقوى المقاومة بمسألة تبني العمل المقاوم، بحيث ما يهم الحركة بالدرجة الأولى هو تفعيل العمل المقاوم وانخراط كافة الشباب في داخل مجموعات العمل المسلحة التي يتم الاشراف عليها من قيادة وكوادر سرايا القدس وفصائل أخرى، وانطلقت كتيبة نابلس وكتيبة سلواد وكتيبة الخليل وعدد من الكتائب في مناطق متنوعة وأصبح العمل المقاوم ذو فعالية وكفاءة، وأصبحت عمليات إطلاق النار على حواجز الاحتلال وجنوده والمستوطنين في الطرق الالتفافية بالضفة بشكل يومي وتعززت فكرة المقاومة بين شباب شعبنا بالضفة بشكل كبير، وهذه تعتبر من أهم التحولات التي قادتها حركة الجهاد الإسلامي في قدرتها على تثوير الضفة المحتلة وإعادة إحياء العمل المقاوم بعد عجز وموت سريري طوال أكثر من 15 عام إلا ما ندر، وبات الاحتلال الذي كان يعتبر دخول ألياته وعرباته ودخول مستوطنيه لمناطق الضفة عبارة عن رحلة، أصبح يفكر كثيراً قبل الإقدام على خطوة من هذا النوع، فهو يواجه مجموعات من المقاومة في كل منطقة يقتحمها، يواجه مقاومين لا يتوانوا للحظة عن الدفاع عن أرضهم ومقدساتهم، وهذه العقيدة التي أنبتتها حركة الجهاد الإسلامي بالضفة تحتاج لتسليط الضوء عليها باعتبارها نموذجاً قمة في العبقرية والإبداع.

3.     حركة الجهاد الإسلامي كانت قد ثبتت قواعد الاشتباك مع الاحتلال الصهيوني عبر التأكيد بأن ارتكابه لاي جريمة تسفر عن شهداء أو جرحى في غزة سيقابلها رد مباشر من سرايا القدس، وبعد خوض معارك منفردة وعدة تصعيدات نجحت عبر الوسطاء في تثبيت هذه القاعدة، ثم بدأت في مرحلة جديدة في إرساء قواعد اشتباك جديدة تمثلت في وحدة الساحات باعتبار أن الضفة والقدس مثل غزة واي عملية قتل أو جريمة يرتكبها جنود الاحتلال ضد أهالي الضفة والقدس سيقابلها رد من  سرايا القدس، وهنا رفض الاحتلال هذه المعادلة، فهو سعى إلى تثبيت قاعدة "فرق تسد" طوال العقدين الأخيرين باعتبار أن كل منطقة لا تتدخل في ما يحدث بالمنطقة الأخرى، ولكن عبر قيام سرايا القدس باتباع أسلوب "التنقيط" بالصواريخ عقب كل جريمة يرتكبها الاحتلال بالضفة أو القدس، انصاع الاحتلال لمطالب سرايا القدس وأصبح لديه حساسية عالية في ارتكاب أي جريمة، وفي حال حدوث ذلك يقوم بإبلاغ الوسطاء بأن ما حدث لم يكن مقصوداً وهو خارج عن السيطرة ويبررها بأن الشخص المستهدف هو من بادر بإطلاق النار على قواته.

لكن الأمر الحديث الذي يجعلنا فخورين جداً بما تقدمه حركة الجهاد الإسلامي وذراعها العسكري سرايا القدس بقيادة الأمين العام للحركة المجاهد أبوطارق النخالة هو الاستراتيجية الجديدة التي يبدو بدأت ملامحها بالظهور خلال الأيام الأخيرة، وتحديداً بمسألة الأسير المضرب عن الطعام خليل عواودة وكذلك عقب اعتقال الشيخ بسام السعدي أحد أبرز قادة الحركة في الضفة المحتلة، حيث أخذت الحركة على عاتقها قرار الرد على الاحتلال بسبب اعتقال الشيخ السعيدي وكذلك بسبب الطريقة التي تمت بها عملية الاعتقال، وقالت صحيفة هآرتس العبرية نقلاً عن مصدر أمني صهيوني بأنه قبل اعتقال السعدي لم يكن هناك أي تقييم أو تقديرات بنية الجهاد الإسلامي في غزة التصعيد ، وأضافت بأن الجيش الإسرائيلي لم يقيم بشكل صحيح نتائج اعتقال السعدي.

وهنا يمكن أن نقول بأن حركة الجهاد الإسلامي تذهب لتثبيت قاعدة جديدة تتعلق بالأسرى الإداريين بشكل عام وخاصة الأسير خليل عواودة المضرب عن الطعام منذ ما يقارب 160 يوماً بالإضافة الى تقديم الاحتلال ضمانات حول سلامة الشيخ بسام السعدي، بالإضافة إلى وقف أو تقليص الاعتقالات بالضفة المحتلة مع منع عمليات الإهانة والتعذيب للذين يتم اعتقالهم، والمثير بالأمر أن حركة الجهاد الإسلامي لم تتحدث كثيراً عقب عملية اعتقال الشيخ بسام السعدي فقط قالت باقتضاب بأن مشهد اعتقال السعدي لن يمر مرور الكرام، على وقع هذه الجملة وهذا التهديد ساد حالة من الارتباك والتخبط لدى المؤسسة الأمنية والعسكرية الصهيونية، بداية من اغلاق للمعابر التجارية والأفراد في قطاع غزة، وتقليص حركة المركبات والجنود على حدود قطاع غزة خشية استهدافهم من سرايا القدس، وإغلاق المؤسسات في كافة غلاف غزة وانتشار حالة من الخوف والرعب لدى الأوساط الصهيونية، وارسال عشرات الاليات والدبابات لمناطق قريبة من غلاف غزة وفرض حظر تجول في النهار، وفتح بث مباشر عبر القنوات الصهيونية لتحليل تهديدات قيادة حركة الجهاد الإسلامي، وفي مستوطنات أخرى في المجلس الإقليمي "اشكول" طلِب من السكان السفر عبر الطرق الالتفافية،  وهو ما اثار خلافات كبيرة بين مستوطني غلاف غزة وحكومتهم حيث نقل مراسل إذاعة كان العبرية بأن رئيس بلدية سديروت غادر الاجتماع الذي عقد مع كوخافي غاضبًا.

هذا المشهد يؤكد قوة واقتدار حركة الجهاد الإسلامي وقيادة سرايا القدس على توجيه ضربة معقدة للاحتلال الذي يعيش في حالة تخبط منذ إطلاق سرايا القدس لتهديدها بالرد، فهو يستجدي الوسطاء وخاصة مصر في التدخل لدى قيادة حركة الجهاد الإسلامي بعدم التصعيد، وقيامه بتقديم عشرات المبررات لاعتقال الشيخ بسام السعدي مع تقديم صور تؤكد بأنه سليم ولا ضرر به، وهذه حالة نادر جداً لم يقم بها لاحتلال من قبل مع أي فصيل مقاوم، فهذه المشهدية التي تصنعها وتفرضها سرايا القدس هي عنوان مجد وفخر لكل فلسطيني وعربي ومسلم.

حالة الرعب والخوف والارتباك وفرض الاغلاق ومئات التصريحات التي يطلقها قادة وصحفيي ومراسلو الاعلام الصهيوني "المرئي والمسموع والمقروء" وعشرات التحليلات وأستوديوهات البث المباشر لتحليل تهديدات سرايا القدس تؤكد بأننا أمام حركة فلسطينية قوية يُحسب لها الاحتلال الصهيوني ألف حساب, فكل إجراءات الاحتلال الكثيرة هي مقابل تهديد مقتضب لسرايا القدس، الحرب النفسية التي تمارسها سرايا القدس هي نموذج يجب تدريسه، الاحتلال الصهيوني أخذ كافة هذه الإجراءات دون أن تطلق سرايا القدس طلقة واحدة، نحن أمام نموذج مبدع في القدرة على ممارسة العمل المقاوم والسياسي والأمني والحرب النفسية ضد الأعداء.