شدّ الأحزمة بين موسكو و"تل أبيب"

الساعة 08:33 ص|31 يوليو 2022

فلسطين اليوم | محمد فارس جرادات

اصطدام بين دبابة وسيارة؛ هكذا وصف الجنرال في جيش الاحتلال، رونين ايتسيك، التوتر الحاصل بين موسكو وتل أبيب، على خلفية تصريحات رئيس حكومة الاحتلال، لابيد، ضد الرئيس بوتين، بشأن العملية الروسية في أوكرانيا، وهو ما دفع الأخير للامتناع عن استقبال الوفد الإسرائيلي الكبير الذي وصل موسكو هذا الأربعاء، لمتابعة تداعيات قرار شلّ المنظمات اليهودية والإسرائيلية في روسيا، وخاصة تعليق عمل الوكالة اليهودية للهجرة، والسعي الروسي لتصفيتها نهائياً، عبر القضاء الروسي.

 

لكن حادثاً فعلياً للتصادم وقع قبل سنوات أربع بين موسكو وتل أبيب، قضى فيه خمسة عشر جندياً روسياً، في سماء اللاذقية السورية، بسبب القصف الإسرائيلي، وإن بمضادات سورية، وهو ما حمّلت روسيا الكيان الإسرائيلي مسؤوليته المباشرة، والذي جاء بعد شهور ستة على إسقاط طائرة إف 16 إسرائيلية بمضادات سورية، ولعل ذلك ساعد حينها على تجاوز ما تصدّع في العلاقات بين البلدين، رغم أن القصف الإسرائيلي يتواصل ضد حليف روسيا الأول في الشرق الأوسط، سوريا، دون عواقب روسية فعلية، إلا ما جاء من تلميحات عقب قمة طهران الروسية التركية الإيرانية، عن النيّة الروسية بتسليم سوريا منظومة الإس إس 400، وما كشفه وزير حرب الاحتلال عن قيام بطارية روسية بقصف طائرات إسرائيلية في وقت سابق.

 

ربط الأحزمة، بين بلدين تربطهما علاقات تاريخية، يحمل تداعيات حقيقية، خاصة إذا تدرّجت عملية شدّها، بما يشبه الفعل ورد الفعل، وسط ما تشهده موسكو من اندفاعات وتغييرات جوهرية في فضائها الاستراتيجي، على وقع العزف العسكري على الأرض الأوكرانية، والنجاحات الاقتصادية الروسية في مواجهة أضخم عقوبات غربية ضد بلد في العالم، بما يفتح احتمالات واقعية لتصدّع حادّ بين موسكو وتل أبيب، في ظل اضطرار الأخيرة للخروج عن سياسة القبض على وسط العصا، والتي حاولها رئيس الحكومة السابق بينيت، وهو ما يترجح أن يكون له آثاره الميدانية في السماء السورية.

 

الانحياز الإسرائيلي للغرب  ضد روسيا، تعزز في الميدان العسكري الأوكراني، عبر المئات من المرتزقة الإسرائيليين المدعومين بخرائط عسكرية، وقد تبيّن خروجها من كنف الجيش الإسرائيلي، وهو الذي أعلن دعمه لأوكرانيا بعتاد عسكري، في وقت تعلن فيه أوكرانيا عن رؤيتها لنفسها كإسرائيل كبيرة، في حال انتصرت بالحرب، ولعل ذلك ما دفع روسيا للكشف عن مقتل العديد من الإسرائيليين في أوكرانيا، بل والإشارة أن هؤلاء الإسرائيليون يقاتلون خلف ميلشيات نازية بزعامة كتيبة آزوف، وهو ما تطور بقول وزير خارجية روسيا أن دماء هتلر تعود لأصول يهودية.

 

تأجيل موعد محاكمة الوكالة اليهودية حتى 19 آب، ربما يفتح احتمالاً لمقايضة تل أبيب بالتراجع عن اندفاعها خلف السياسة الأمريكية في أوروبا، وهو اندفاع ذاتي في حقيقته، فالكل بات يدرك أن خيوط اللعبة في أوكرانيا بقدر ما هي مرتبطة شخصياً بنجل بايدن؛ هنتر، بصفته لاعب أساسي في تحول أوكرانيا لتكون أداة أمريكية في محاولة استنزاف روسيا وأوروبا، بقدر البعد الصهيوني للجوقة الحاكمة في أوكرانيا، زيلنسكي وحاشيته، والدور المنوط بهم لما أسماه بإسرائيل الكبرى، لذا فإن خيوط التناقض بين تل أبيب وموسكو، ستشتد أكثر مع كل اتساع للحرب في أوكرانيا، بما يفتح المجال لتناقضات أعمق تتجاوز النشاط اليهودي في روسيا، وقمة طهران واحدة من وجوه هذا الاتساع، وهو ما تسبب في امتعاض إسرائيلي حادّ تجاهها.

 

ولا يخفى أن ذريعة موسكو ضد الوكالة اليهودية، باعتبارها تنتهك الحقوق الشخصية للمواطنين الروس، عبر جمعها معلومات عنهم لتشجيع اليهود منهم للهجرة إلى فلسطين، بما يناقض التشريعات الدستورية الروسية، ليست إلا محاولة لليّ ذراع تل أبيب في الموضع الموجع لها، ولكن هل يفلح ذلك في تغيير اندفاعة مسار السياسة الإسرائيلية الموالية لأمريكا في أوروبا، خاصة في ظل حكم لابيد؟

 

 جاءت تصريحات الناطق باسم الرئاسة الروسية، محذرة من تسييس القضية، باعتبارها قضائية محض، ودعا للفصل بينها وبين العلاقات الروسية الإسرائيلية، خاصة أن التحذير القضائي صدر مطلع العام، أي قبل الحرب في أوكرانيا، بما يخلط أوراق اللعبة، وربما يعمّقها، باعتبار أن موسكو ماضية في مسعاها القضائي، وهو محق دستورياً، فكيف لدولة كالكيان العبري أن تتدخل بمواطني دولة أخرى، وتدعوهم لهجرة بلدهم تبعاً لانتمائهم الديني، للاستيطان في بلد آخر؟ خاصة أن أغلب من يهاجر لفلسطين في العقدين الماضيين، يستوطن في الضفة الغربية، في خطة معلنة لاستقدام مائة ألف يهودي أوكراني وروسي، وإسكانهم في الضفة الغربية، وخاصة في مستوطنتيّ يتسهار ورفافاه، وبالفعل تم استقدام سبعة عشر ألف روسي منهم، وهذا في حدّه الدولي الأدنى يناقض حتى قوانين الاتحاد الأوروبي وربما الأمريكي، باعتبار الضفة الغربية أرض محتلة بحسب القانون الدولي؟.

 

سيتحرك كثيرون في روسيا كما الكيان العبري، وحتى في أوروبا وأمريكا، وربما بعض الأعراب، لرأب الصدع بين موسكو وتل أبيب، فالاخطبوط القابض على خيوط الدولة العميقة عبر العالم، سيستنفر قواه لاحتواء التوتر الراهن ويبقيه في شكل خلاف عارض، ولكن هناك اصطفافات آخذة بالتبلور عبر الشرق والجنوب على امتداد العالم، وفي حال أخذت طريقها سياسياً واقتصادياً بشكل منهجيّ جوهريّ، فإن تل أبيب ستجد نفسها أمام معطى جديد، ربما يصعب احتواء تداعياته.

كلمات دلالية