خبر شهر النكبة الفلسطينية يتجدد بطبعة أميركية ..بلال الحسن

الساعة 09:53 ص|04 مايو 2009

ـ الشرق الأوسط 3/5/2009

شهر النكبة الفلسطينية (أيار/مايو الحالي) سيكون الشهر الحاسم في توضيح نسق العلاقة التي ستقوم بين العرب وبين الرئيس الأميركي باراك أوباما. ففي أواخر هذا الشهر سيلتقي أوباما مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ثم مع الرئيس المصري حسني مبارك، وبعدها بنحو أسبوعين سيلتقي مع بنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل. إنها إذن لقاءات حول الموضوع الفلسطيني، وهو أحد المواضيع المدرجة على أجندة أوباما تحت عنوان «التغيير» .

لقد أطلق أوباما في الأسابيع الماضية إشارات عديدة توحي بأنه يريد أن يفعل شيئا ما، ولكن إشاراته هذه لم تصل إلى مستوى الخطة الواضحة. لقد قال مثلا: «لا يمكن الانتظار إلى الأبد»، وقال إنه يفكر في حل للموضوع الفلسطيني في حدود عام 2009، وقال إن كل طرف يجب أن يضع نفسه مكان الطرف الآخر ليتفهم مطالبه، وأشياء أخرى مماثلة. ولكن ما يحتاجه الموضوع الفلسطيني هو تحديد القاعدة التي ستعتمدها الرئاسة الأميركية في رعايتها للمفاوضات، وهي تدور في نطاق الاحتمالات التالية:

أولا: أن تواصل الرئاسة الأميركية قاعدة أن (الاتفاق) بين المتحاورين هو أساس المفاوضات، وهنا تلجأ إلى تكرار ما حدث خلال الأعوام الطويلة السابقة، وما ظهر فشله في الأعوام الطويلة السابقة، حيث تطلب إسرائيل شروطا مستحيلة لا يستطيع الطرف الفلسطيني قبولها، وتفشل المفاوضات.

ثانيا: أن تعلن الرئاسة الأميركية أنها ستستند إلى قاعدة القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية في رعاية المفاوضات بين الطرفين، فيأخذ كل طرف ما يضمنه له القانون الدولي، ويتراجع كل طرف عما يمنعه عنه القانون الدولي. وهو أمر رفضته إسرائيل باستمرار، وأيدتها الرئاسة الأميركية في رفضه باستمرار، وكان سببا أساسيا في فشل مفاوضات كامب ديفيد 2000، التي رعاها الرئيس السابق بيل كلينتون.

ثالثا: إدخال عنصر جديد في إطار مفاوضات التسوية السياسية هذه، يقول بأن ما يجري إقراره سيتم تنفيذه على الأرض، بمساعدة قوة تابعة للأمم المتحدة تساندها واشنطن، تحسبا لعناد إسرائيلي أصبح شائعا ومعروفا في الأوساط الدبلوماسية العالمية كلها، وآخرها ما تعبر عنه الحكومة الإسرائيلية الحالية، عن مخطط نتنياهو، وعن توجهات وزير خارجيته ليبرمان.

هذه الاحتمالات الثلاثة تستند إل حراك سياسي أميركي يتفاعل حول الرئيس أوباما، واتخذ في الأشهر الأخيرة المظاهر التالية:

أولا: المذكرة (ثم الكتاب) التي أصدرها الأكاديميان الأميركيان الشهيران من جامعة هارفارد (ستيفن فولت وجون مرشهايمر)، وأعلنا فيها خطورة الاستمرار في رسم مواقف السياسة الخارجية الأميركية بما يناسب مصالح دولة إسرائيل، مع دعوة صريحة واضحة لرسم مواقف السياسة الخارجية الأميركية بناء على المصالح الأميركية أولا. وكانت هذه المذكرة صيحة صريحة ضد اللوبي الإسرائيلي الممثل في منظمة (إيباك)، عبر عنها أكاديميان بارزان لا يمكن وصفهما بالعداء لإسرائيل.

ثانيا: المذكرة التي وجهها عشرة من كبار رجال الحزبين الديمقراطي والجمهوري إلى الرئيس أوباما، بشأن الصراع العربي الإسرائيلي، وحملت عنوان (الفرصة الأخيرة لاتفاق فلسطيني ـ إسرائيلي قائم على حق الدولتين)، وذيلت المذكرة بتواقيع من نوع: زبغنيو بريجنسكي، المقرب حاليا من أوباما والذي يمكن اعتباره موجها سياسيا له. وبرنت سكوكروفت، مستشار الأمن القومي لدى الرئيس جورج بوش الأب. تطرح المذكرة خطة للتسوية السياسية، وتدعو إلى ممارسة ضغط أميركي على الطرفين لقبول التسوية المطروحة، وتقترح إسناد ذلك بقوات متعددة الجنسية برئاسة قوات أميركية تعمل على ضمان تنفيذ الاتفاق. وقد قامت جريدة «هيرالد تريبيون» البريطانية بنشر هذه المذكرة يوم 26/3/2009.

ثالثا: اللوبي اليهودي الجديد (G STREET) الذي تكون خلال العام الماضي في واشنطن، منافسا للوبي اليهودي القديم (إيباك). ويتبنى هذا اللوبي توجها سياسيا مخالفا لتوجه اليمين الإسرائيلي، وقد بدأ هذا اللوبي بتكوين إطار نفوذ له يبلور وجود تيارين يهوديين في أميركا يدعمان إسرائيل، ويختلفان حول سياستها، وينحازان إلى جانب سياسة معتدلة تجنح نحو السلم والتفاهم. ويستطيع الرئيس أوباما بالاستناد إلى هذه العوامل كلها أن يتقدم ويبادر بإعلان خطة للتسوية تستند إلى القانون الدولي، وتعالج كل القضايا المعروضة والمختلف عليها انطلاقا من منظور القانون الدولي. وسواء كان الموضوع المطروح هو الانسحاب الإسرائيلي إلى حدود 1967، أو إزالة المستوطنات كلها، أو التعامل مع مدينة القدس كمدينة محتلة وليس كمدينة مشتركة متنازع عليها، أو اللاجئون الفلسطينيون وحقهم في العودة إلى أراضيهم ومنازلهم، فإن أسلوب معالجة أي مشكلة من هذه المشكلات لا بد أن يستند إلى القانون الدولي، وإلا فإن ما سيسود هو قانون المحتل، وقانون القوي، وقانون الدولة العظمى التي تستطيع قهر الجميع، ولكنها لا تستطيع أن تؤسس لحل فيه درجة من العدل الذي يمهد وحده للسلم والهدوء، وبخاصة أن المذكرة الأميركية (مذكرة العشرة) تعتبر أن الإقدام الأميركي على رعاية حل عادل وشامل هو المفتاح لمحاصرة الإرهاب، وضمان عدم الإضرار بالمصالح الأميركية.

إن آراء ومواقف حكومة إسرائيل الجديدة بقيادة نتنياهو تقف على نقيض أي درجة من درجات هذا التوجه، ومهمة أوباما هنا لن تكون يسيرة على الإطلاق، وقد تصل بسرعة إلى مرحلة المواجهة.

ولدينا مؤخرا مثل تمهيدي بارز يتعلق بمواجهة (هادئة) حول الاستيطان الإسرائيلي، ففي القدس، وبشكل مفاجئ، بدأ دبلوماسيون أميركيون، مصطحبين معهم مصورين صحافيين، القيام بجولة على مستوطنتين تحيطان بمدينة القدس هما: مستوطنة معاليه أدوميم ومستوطنة أكيدار. وهي منطقة يعلن الفلسطينيون أنها تحول دون إنشاء دولة فلسطينية لأنها تقطع التواصل الجغرافي في الضفة الغربية، ولأنها تعزل مدينة القدس عن الضفة الغربية.

وارتباطا مع هذه الإشارة الأميركية نتوقف قليلا عند التحضيرات الفلسطينية لزيارة محمود عباس المقبلة إلى واشنطن حيث سيلتقي أوباما. يعد الفلسطينيون ملفا مدعما بالخرائط والصور يبرهن أنه لا يمكن إنشاء دولة فلسطينية بسبب تقطيع المستوطنات لتواصل الأرض الفلسطينية في الضفة الغربية، وهذه النظرية الفلسطينية حول المستوطنات بلورها محمود عباس منذ عام 2004 عندما كان رئيسا لدائرة المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية، أي قبل أن يصبح رئيسا للوزراء، وقبل أن يصبح رئيسا للسلطة. وأرسل في حينه وفدا إعلاميا مقتدرا، عرض كل ذلك بالوقائع والمستندات والصور والخرائط في أبرز عواصم أوروبا، قائلا إنه لم يعد من الممكن في ظل هذا الوضع الاستيطاني إنشاء دولة فلسطينية. فالأمر إذن ليس جديدا، الجديد أن المفردات الفلسطينية كانت تتحدث عن (خطر الاستيطان)، وهي الآن تتحدث عن (خطر مواصلة الاستيطان) فقط. والمعلومات الأساسية الثابتة هنا أن لدى السفارة الأميركية في إسرائيل لجنة خاصة بمراقبة الاستيطان يوما بيوم، ولدى هذه اللجنة طائرات هيلكوبتر تجوب الضفة الغربية كل يوم، وتسجل بالصور الواضحة والدامغة كل استيطان إسرائيلي يتم إجراؤه. أي أن أميركا تملك السجل الكامل والمصور للاستيطان، وهي لا تحتاج إلى جهود أحد لتعرف حقيقة ما يجري, ولذلك يصبح المهم أن تطالبها بالتصرف حسبما تعرف. ولكن كل هذا الذي نتحدث عنه لا يكتمل أبدا من دون دور عربي خاص، دور ضاغط من أجل المطالب العربية. وقد كانت زيارة الملك عبد الله الثاني، والذي التقى أوباما باسم العرب جميعا في الشهر الماضي، وناقشه في بنود المبادرة العربية للسلام، نشاطا أساسيا وبارزا في هذا السياق. ولكن معركة التسوية السياسة ليست من النوع الذي يمكن احتواؤه بمهمة دبلوماسية واحدة، وهي تحتاج إلى جهد دؤوب ومتواصل، تستعمل في أثنائه أوراق الضغوط السياسية والاقتصادية والدبلوماسية، ولا تكتفي بضغوط الزيارات رغم أهميتها، ورغم الحاجة إليها.