الشهيد نعمان طحاينة.. خسارة الفكر وحرارة الفقد

الساعة 10:35 ص|14 يوليو 2022

فلسطين اليوم

"شقاقي الضفة"، "المكتبة المتجولة"، "المفكر والمنظر الجهادي"، "كلمة السر وصانع الفعل الاستراتيجي"، ألقاب وأوصاف لازمت الشهيد القائد نعمان طحاينة "أبو الحسين"، التي تمر ذكرى اغتياله الثامنة عشر، والتي اعتبرت من أكبر الضربات التي تعرضت لها حركة الجهاد الإسلامي في الضفة الغربية بعد اغتيال مؤسسيها الدكتور فتحي الشقاقي والقائدين محمود الخواجا وهاني عابد.

لا يمكن حصر المسيرة الجهادية الطويلة للشهيد القائد "أبو الحسين"، في بضع سطور وكلمات، خاصة أننا في حضرة رجل كان فعله أكبر من قوله، وقوله أكبر من عمره، فيما عمره القصير الذي لم يتجاوز الثانية والثلاثين كان يوازي أعماراً مديدةً، بما أنجزه من فكر وعطاء وتضحية ومواجهة، ليختم له بما يليق من اصطفاء وشهادة.

ونحن نحاول استحضار تلك الذكرى العطرة، نمر على الذين مروا في حياته، واقتبسوا من شعاع شمسه التي لم تغب، لنرى نعمان من جديد، في مقل العيون وخوالج القلوب، عند ذويه ومحبيه ورفاق دربه.

عائلة الشهيد: مميزاً منذ صغره علماً وعبادة

عدنان طحاينة الشقيق الأكبر للشهيد، تحدث قائلاً: إن ترتيب نعمان بين أخوته كان الثالث في عائلة مكونة من 9 أبناء، ستة من الذكور وثلاثة من الإناث، فيما كان يعمل الوالد مزارعاً.

وأضاف عدنان، أن نعمان من المميزين منذ صغره في حركته وذكائه وتصرفاته وأنهى المراحل الدراسية الابتدائية والإعدادية والثانوية بتفوق، مشيراً إلى أنه منذ طفولته أعطى كل وقته للعبادة والدراسة وكان صواماً قواماً وحريصاً على أهل بيته.

وحول دوره الجهادي، كشف أن الشهيد نعمان كان من أوائل المشاركين في التصدي للاحتلال إبان انتفاضة الحجارة 1987م، كما كان من أوائل المنتسبين لحركة الجهاد الإسلامي، وذو تأثير كبير على شباب بلدته.

 

أما عن استشهاده، فكان خبراً متوقعاً وصادماً على العائلة في ظل الهجمة والمطاردة الصهيونية، معتبراً أن فقدانه خسارة كبيرة لشعبنا، ورغم ذلك يمثل شارة فخر واعتزاز للعائلة التي قدمت فلذة كبدها على طريق فلسطين.

الشيخين جرادات: مشروع مفكر منذ أول الطريق

الشيخ المؤسس خالد جرادات "أبو هادي"، وصف لحظة التقائه بالشهيد نعمان بقوله: "كان يحمل كتاباً وكان يجلس في المسجد كثيراً، يقلب أوراق الكتاب، يدرس بصبر وجلد مواضيع تفوق سنه بسنوات كثيرة".

وأثنى الشيخ أبو هادي على عائلة الشهيد نعمان ووالديه ودورهما في تربيته وتنشئته، وخاصة والدته الصالحة أم عدنان التي كانت تدعم وتؤيد وتشجع نعمان وتتضامن معه منذ البداية حتى استشهاده، مستحضراً علاقته بالشهيد نعمان: لقد غمرني بحبه واحترامه طوال حياته، وبقي يعتبر نفسه تلميذاً مطيعاً لي، وهو الأستاذ الكبير في فن الإخلاص والثبات والتضحية.

واعتبر الشيخ خالد جرادات، أن العمل المرهق الذي كان يشرف عليه الشهيد "أبو الحسين" والدور الذي كان يقوم به لم يكن يمنعه من المطالعة والبحث وكتابة الدراسات والنشرات، منوهاً إلى أنه أعد دراسة حول إعداد الكادر القيادي، وكانت حياته تجسيداً دقيقاً لتلك المثل والقواعد التي وضعها.

من جانبه، قال الشيخ المؤسس هاني جرادات "أبو أحمد"، إن نعمان كان تلميذاً متفوقاً ليس في دراسته الأكاديمية فقط، بل وعلى أقرانه في المسجد الذي تربى وترعرع في ربوعه، منوهاً أنه كان مجتهداً ومريداً شديد الأدب والاحترام مع أساتذته، لا ينسى أن يكون وفياً لمن أحسن له يوماً ما.

واعتبر الشيخ هاني جرادات، أن الشهيد نعمان كان مصداقاً لمقولة الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي: "يجب أن يكون المثقفون والمفكرون هم الجدار الأخير الذي يدافع عن الأمة"، كاشفاً أن الكتاب ظل ملازماً له، حتى وهو مطارد وملاحق من أجهزة العدو، ففي هذا الجو المضطرب الصاخب كان مستعداً أن يتخلى عن كل شيء إلا الكتاب.

رفاق دربه: نعمان صانع الفعل الاستراتيجي

قال القيادي الأسير طارق قعدان "أبو خالد"، إن نعمان كلمة السر في كل إنجاز، وهو شقاقي الضفة، وصنو الشهيد محمود الخواجا، وذو العقل الموسوعي والإرادة والتصميم والمواصلة الذي لم يتوان للحظة أن يأتي بكل ما يملك وبكل وقته ووعيه ومطالعته لخدمة مشروع المقاومة.

وأكد القيادي قعدان، أنه منذ باكورة المشوار مع الشهيدين عصام براهمة وصالح طحاينة وتأسيس "عشاق الشهادة"، وهو يعطي في كل فصول حياته وكل تفاصيل عمره، لهذه المسيرة، معتبراً أن حقه علينا أن نخلد هذا الاسم الكبير والعملاق، أن نحمل إرثه ووصاياه وتعاليمه ومقولاته.

من جهته، قال الكاتب والباحث محمد فارس جرادات "أبو مؤمن"، إن نعمان كان مثال المفكر الإسلامي الواعد والقائد الفلسطيني المنظَّر، مشيراً إلى أنه كان عابر للفصائلية حسب تعبير الشيخ المجاهد بسام السعدي، فقد كان أيدلوجياً من الطراز الأول وتنظيمياً بشكل دقيق، لكن عبوره للفصائلية كان في مشاعره تجاه الاَخرين.

وأكد الكاتب والباحث جرادات أن القائد "أبو الحسين" نقل الجهاد الإسلامي من مربع الصراعات التنظيمية في منطقة جنين نحو بوصلة الصراع مع العدو، موضحاً أنه لم يكن عسكرياً بالمعنى الكلاسيكي المألوف، لكنه كان صانع مجد العمل العسكري كمؤطر ومنظم ومؤدلج وواضع خيارات في هذا المجال.

في ذات الإطار، قال المحلل السياسي جمعة التايه، إن الشهيد نعمان قارىء على مدار الساعة، وكان يحمل معه دائماً رزمة من الكتب ويملك عدة مكتبات في سكن الجامعة والبيت والسجن، واصفاً إياه بالباحث والمثقف العميق والأستاذ في الحوار والنقاش، والمؤثر في من يلتقي معه.

وأضاف الأستاذ التايه، إن أبا الحسين قرأ لكل المدارس والمفكرين حتى أصبح مفكراً حقيقياً، مشيراً إلى أنه كتب دراسة بعنوان "حول اَلية الإعلام المرافق للمسيرة السلمية"، وقد نسخها الشهيد رياض خليفة في "كبسولات" حتى يتم إخراجها ونشرها.

وأوضح التايه، أن الشهيد نعمان كان يكتب التعميمات والكلمات ويشرف على مجلة المجاهد الأسبوعية مطلع انتفاضة الأقصى، مؤكداً أنه ترجم أفكاره في ميادين العلم والعمل، وكان يترافق مع فكره تواضعاً وهدوءاً لا يليق إلا بالشخصيات الاستثنائية.

يذكر أن الشهيد القائد والمفكر نعمان طحاينة "أبو الحسين" ولد في السيلة الحارثية قضاء جنين في 14 مارس 1972م. وتعرض للاعتقال في سجون الاحتلال عام 1987م ثم تتالت اعتقالاته. وكان صاحب دور ريادي ومؤسس لحركة الجهاد الإسلامي ومشاركاً في تأسيس "عشاق الشهادة" برفقة الشهيدين عصام براهمة وصالح طحاينة، كما عرف بأنه رجل تنظيمي في مرحلة انتفاضة الأقصى وله حضور فاعل في العمليات الكبرى التي سجلها التاريخ في صفحات المجد والفخار.

وفي منتصف يوم الثالث عشر من تموز عام 2004م، في حي الزهراء بمدينة جنين، وفي لحظة خاطفة، كان رصاص الغدر الصهيوني ينهمر على سيارة الشهيد القائد نعمان طحاينة، ليصيب الرأس المفكر الذي لطالما كان متوهجاً على طريق الإيمان والوعي والثورة.

 

 

كلمات دلالية