خبر هناك جدول أعمال .. معاريف

الساعة 01:34 م|01 مايو 2009

بقلم: بن كاسبيت

يوسف غوتنيك قدم الى البلاد عشية يوم الاستقلال مثل فطر يظهر فجأة بعد المطر الاول. غوتنيك الملياردير اليهودي الاسترالي عضو حباد هو الشخص الذي اعطى نتنياهو الدفعة الاخيرة التي ادختله الى ديوان رئيس الوزراء في عام 1996، عندما مول حملة "بيبي جيد لليهود" تلك الحملة التي اغرقت الشوارع خلال الثلاثة ايام الاخيرة قبل الانتخابات. في حينه هزم شمعون بيرس بفارق كسر مئوي. غير اليهود يسمونه "ديموند جو" بفضل مناجم الماس التي حولته الى ملياردير بين ليلة وضحاها تقريبا، ولكن غوتنيك يسمي نفسه "رسول الحاخام ميلوفافيتش من اجل الحفاظ على سلامة البلاد". الا ان الحاخام لم يعد معنا منذ زمن وغوتنيك لم يعد هو الاخر ملياردير كما يظنون. هبوط اسعار الذهب في العقد الاخير اضعفه وورطه في عدة مغامرات غير لطيفة بالمرة. هو نجح حتى الان في التجرد من املاكه والعودة اليها عدة مرات. الان هو في خط الصعود مرة اخرى. في الاونة الاخيرة دخل في صفقات فوسفات وحصل على امتياز غير لا بأس به في الهند ويحتفل بعودة معينة الى السوق. وبيبي مثله. ولكن منذ 1996 تم استخراج قدر كبير جدا من الماس في استراليا وغوتنيك شعر بخيبة امل كبيرة من نتنياهو وارسل له الرسائل الصعبة وعارض بشدة اتفاق واي واخلاء الخليل الخطوتان اللتان اقدم عليها نتنياهو ولم تكونا "لمصلحة اليهود" حسب اعتقاد غوتنيك.

الان يحاولون ترتيب لقاء بينهم وبين بيبي. بالرغم من كل شيء هما رفاق قدامى. في اخر المطاف سيلتقيان بالتأكيد. السؤال هو اين نتنياهو سيجد غوتنيك امامه هذه المرة. ذاك "الجيد لليهود" حسب اعتقادك ام نتنياهو الاخر الاقل جودة. غوتنيك كما يؤكد اتباعه، ليس قادما للبلاد لاسباب سياسية. ليست لديه نية بان يكون ذلك الغوتنيك الذي يناشد نتنياهو القيام بالامور او عدم القيام بها. هو قد اصبح في مكان اخر. السؤال هو ان كان نتنياهوكذلك في مكان اخر. او بكلمات اخرى اين نتنياهو؟. ربما تساعد صورة مع نتنياهو غوتنيك في صفقاته التجارية خصوصا في الهند وليس هناك في ذلك اي شيء غير شرعي. من الناحية الاخرى تدور معركة حول روح نتنياهو في الاونة الاخيرة. جوا وبرا وبحرا بكل اللغات وكل الاجناس، يحاول الناس تشخيص نتنياهو الذي جاءنا هنا الان. من هو نتنياهو الحالي. ايهود باراك في مقابلة مع صحيفة هارتس عرف ذلك بصورة واضحة ومصيبة: هل يريد نتنياهو ان يكون بيغن ام شامير؟ هذه هي المسألة. لا يمتلك احد في الوقت الحالي جوابا واضحا على هذا السؤال.

تسنت لنتنياهو لحظة راحة واحدة منذ ان دخل الى منصبه. حقيقة انه قائد ايهود باراك هي سبب راحته. احد اعوانه المقربين اعتبر ذلك في الاونة الاخيرة "شعورا بنشوة متواصلة" يتوجب فهم الاعجاب والتبجيل الذي يبديه صغار الضباط في وحدة كوحدة هيئة الاركان الخاصة لقادتهم. باراك كان قائدا محبوبا في تلك الوحدة الخاصة ونتنياهو كان مقودا محبوبا. رد فعله الشرطي نحو من كان قائده هو شعور بالاحترام المشوب بالخوف. الان دار الدولاب واصبح نتنياهو قائدا لقائده بينما تحول باراك الى جندي في جيشه. من الناحية الاخرى سيكتشف بيبي عما قريب الى مدى يختلف الجهاز السياسي عن نظيره العسكري. هنا لا يلبون الاوامر بانصياع وبالتأكيد يسخرون من سماع هذه الاوامر. باراك كان وما زال نفس عنصر التجسس المخادع والماهر والذي يتآمر عادة على نفسه ويقع في المصيدة المعقدة التي وضعها لاصطياد الاخرين، ولكن في حالة بيبي يمكن القول ان السماء هي الحدود. هذان الشخصان سيضطران لتحديد المسار الذي سيسيران عليه وكيف. هل سيسيران يدا بيد نحو الغياب (في واشنطن) ام يدا تمسك بخناق الاخر او بسكين ويخوضان معركة سياسية لا تنتهي حتى الانتخابات.

نتنياهو في وضع غير بسيط . الصراع الداخلي في دخيلته يحتدم حول القضيتين الاساسيتين (سياسية – امنية واقتصادية) وهذا صراع حقيقي وشديد. حتى اواسط ايار سيضطر لاتخاذ قرارات حاسمة في قضايا الميزانية والسياسة الاقتصادية، وحينئذ سيتوجه الى واشنطن لطرح خطه السياسي على الرئيس اوباما. ويعمل بجهد من الصباح حتى المساء. في يوم الجمعة الاخير اجتمعت عنده كل القيادة الامنية. نقاش حول الميزانية مضافا اليها التهديدات الاستراتيجية وامورا يفضل التكتم عليها. مع خروج يوم السبت التقى بصورة سرية في قاعة اجتماعات الحكومة بوزراء حزب العمل. باراك، هرتسوغ، فؤاد، سمحون، بريفرمان، فينلائي، جلسوا هناك مع نتنياهو ومعهم سكرتير الحكومة تسفي هاوزر وتصببوا عرقا. المحادثة دارت بالاساس حول المسألة الاقتصادية. بعد مغادرتهم عادت القيادة الامنية.أيادي بيبي تغص بالعمل ودماغه مليء بالمعطيات والارقام والادعاءات والاقكار. قلبه ينشطر بين ايديولوجية ابيه وبين ضرورات الساعة. بين بطنه وراسه.

ابو مازن – تحذير

عبدالله ملك الاردن عاد من واشنطن. الرئيس حسني مبارك في طريقه الى هناك. قريبا سيتوجه نتنياهو لمصر ومن ثم الى واشنطن. ابو مازن سيكون اخر من يصل الى العاصمة الامريكية. الجميع يحجون للبيت الابيض محاولون استمالته نحوهم . عبدالله اقترح على الرئيس خطة سلام اقليمية ومبارك سيضيف من عنده قسطا اخر في نفس القضية وبنفس الطريقة. كلاهما يرتكزان على مبادرة السلام العربية مع تعديلات وجدول زمني. بعد ذلك سياتي نتنياهو وسيطرح هو الاخر على اوباما خطة سلام اقليمية. السؤال هو على ماذا سترتكز هذه الخطة.

في اخر المطاف سيأتي ابو مازن. افضل شيء ان تأتي في الآخر. الفلسطينيون بذلوا جهدهم بان يكونوا اخر من يأتي وهم راضون. ابو مازن الذي سيقدم هو الاخر اقتراحا لمسار السلام الاقليمي (بالتعاون مع دول عربية) سيحاول تحذير اوباما من الخطر الاكبر حسب اعتقاده الكامن في نتنياهو: عنصر الزمن. بيبي كما سسيقول ابو ما زن لاوباما، هو بطل العالم في تضييع الوقت. فجأة ستكتشف ان ازالة بؤرة استيطانية غير قانونية في اسرائيل يحتاج لاشهر طويلة ومحكمة عدل عليا واستئنافات ومحاولات تسوية مع المستوطنين ومن هنا الى هناك ومن قبل ان تنجح في معرفة ما يحدث، ستنتهي ولايتك الرئاسية. مثلما انتهت ولاية رؤساء كثيرين من قبلك. اوباما سيصغي وهو لا ينوي السقوط في هذه الحفر. في القيادة الامنية في اسرائيل هناك من يعتقدون ان اوباما خلافا لاسلافه سيراهن على كل الصندوق. سيحدد جدولا زمنيا ويحاول الالتزام به. "هو يتخذ قرارا صعبا كل ربع ساعة تقريبا"، قال مصدر امني بارز جدا في يوم الاربعاء الماضي عن رئيس الولايات المتحدة، "هو لا يخاف وهو يذبح الابقار المقدسة ويبلور سياسة جديدة في مجالات كثيرة". ماذا يعني كل ذلك سئل ذلك الشخص فاجاب: "هذا يعني ان تحديات مثيرة ستمثل امامه"

بيرس – درع بشري

شمعون بيرس سيصل لمقابلة اوباما قبل نتنياهو. في يوم الاثنين القادم سيجري اللقاء واحدى وكالات الانباء تفادت بان "الرئيس الفخري لاسرائيل سيصل لواشنطن لمقابلة رئيس الولايات المتحدة". هذه سابقة. رئيس الوزراء الاسرائيلي الجديد يكون عادة اول من يزور البيت الابيض. لا يسبقه اي قائد اسرائيلي عادة. ولكن نتنياهو في هذه المرة اصيب في الجبن واجل زيارته الاولى لواشنطن لاسبوعين فنشأت ظروف ادت الى ارسال بيرس الى هناك. ليس مؤكدا ان نتنياهو قد خطط ذلك على هذا النحو. هو اراد في اخر المطاف ان يستبدله بيرس في مؤتمر ايباك (2 الى 3 ايار) فحصل على لقاء رئاسي. من الناحية الاخرى بيبي يعتبر بيرس ذرعا بشريا سيلين من مواقف اواباما قبل اللقاء الحقيقي. هو يلين كثيرين اخرين هنا في نفس المسالة، ولن تكون لديه مشكلة بان يفعل ذلك بالانكليزية. المشكلة هي انه عندما يقول بيرس لاوباما ان نتنياهو ينوي صنع التاريخ والسلام وفي هذا العام، سيضطر بيبي بعد ذلك لسداد الكمبيالات.

شمعون بيرس هو رأس مثلث يشارك في عضويته نتنياهو وباراك. كلاهما ازاحه من منصبه كل بدوره (بيبي ازاحه عن رئاسة الوزراء وباراك عن رئاسة الحزب)، كلاهما يقضيان معه الان وقتا طويلا في محادثات عاطفية دافئة. بيرس أسهم بدرجة كبيرة في اقامة الحكومة الحالية وسيبذل الكثير حتى تنجح. اولا هو يحاول اقناع نفسه وقد نجح في بذلك. والان سيحاول اقناع نتنياهو. في هذه الاثناء من يكتب خطة بيبي هو عوزي اراد في غرفة العمل المتواضعة في منزله، وليس بيرس. وبعد ذلك ستطرح الخطة للتعديل والنقاش ومن ثم سيقول ليبرمان كلمته وبعده باراك فالحكومة فاوباما.

الامريكيون ينتظرون بفارغ الصبر. لن يعيد اي شيء نتنياهو من واشنطن بسلام سوى اتخاذ قرارا حول مبدأ الدولتين للشعبين. بيبي يعرف ذلك جيدا. السؤال لا يدور حول قبوله او عدم قبوله وانما بماذا سيغلفه. هناك كثيرون يدسون أياديهم في هذه المسألة. في كل يوم تقريبا يأتي الرسل الى هناك بعضهم سرا. انهم يجسون النبض. دانيال ابراهام كان (التقى مع مولكو وعوزي اراد) هنا وغوتنيك قد ذكرناه وانديك وعمر سليمان وتوني بلير الذي يتجول هنا طوال الوقت. الان سيأتي مورت تسوكرمان ومورتي بيرتس من صحيفة "نيو ريبوبلك" والمستشار السياسي للمستشارة الالمانية وميغيل موراتينوس من الاتحاد الاوروبي، كلهم يريدون ان يعرفوا ويريدون ان يؤثروا والجميع يصلون الى نتنياهو او احد اعوانه محاولين انقاذ شيء او اثنين بالاتجاه المطلوب والفكرة المطلوبة.

في خضم كل هذا التقى نتنياهو بالامس مع تسيبي لفني بمبادرة منه. وهي بالمناسبة ستتوجه الى واشنطن قريبا وتعقد سلسلة من اللقاءات. نتنياهو قدم لها تقريرا امنيا حول المستجدات وقال انه سيحرص على اطلاعها مرة شهرية وفق للقانون على ما يحدث والاجواء كانت موضوعية بينهما. بعد ذلك اصدر ديوان رئيس الوزراء بيانا حو اللقاء. ايهود باراك الذي خرج من نقاش امني من عند نتنياهو قبل ذلك بدقائق سمع بالخبر بالتأكيد. بهذه الطريقة يأمل نتنياهو بالابقاء على باراك على نار هادئة.

ساعر – الميزانية الان

اللقاء المركزي بينهما سيجري في الايام الاخيرة حول الميزانية. باراك ومعه حزب العمل يطلبون توسيع الميزانية لتغيير السياسية باسلوب ما تفعله الان اغلبية دول العالم. فتح الجيوب واختراق اطار الميزانية. نتنياهو بتاثير المسؤولين في المالية ونهجه الاقتصادي المتشدد يعارض. هذا جدل مبدئي ولكنه لا يقف عند هذا الحد. هناك ميزانيات ايضا مثل ميزانية الامن. او ميزانية التربية والتعليم. في هذه القضية يمكن ان ينشأ تحالف مثير بين باراك واتباعه وبين وزير التربية والتعليم جدعون ساعر. هاتان الميزانيتان المهددتان بالتقليص الاكبر وساعر يعتقد هو الاخر اثر دراسة القضية ان من الواجب تغيير الاتجاه واتباع سياسة اقتصادية توسيعية.

جلسة الحكومة التي تناولت قضية الميزانية شهدت صراعا صغيرا حول الشطائر التي وضعت على الطاولة. الصراع كان قصيرا وعاصفا وفي اخر المطاف هزم وزير الدفاع باراك ذو اليد القصيرة وتم اختطاف الشطيرة الاخيرة عن الطاولة من امامه. الوزير يتسحاق هرتسوغ شاهد ذلك وعلق قائلا: انا افضل ان يأتي وزير الدفاع للجلسة جائعا. هذا ما حدث. باراك سيدافع عن ميزانية الامن في جسده وهو محق في بذلك. أوري يوغاف مستشار نتنياهو الاقتصادي اللامع الذي يطالب بكل التقليصات ويذبح المليارات من شتى انواع الميزانيات هو مستشار خارجي. لديه صلاحيات واسعة ولكنه لا يتحمل اي ذرة من المسؤولية. ان اتضح مثلما حدث انهم قد قلصوا بدرجة مفرطة فلن تتولى لجنة فينوغراد القادمة يوغاف وانما نتنياهو وباراك.

هما قد تمكنا من ارتكاب هذا الخطأ. بيبي كان وزير المالية الذي ميزانية الامن بطريقة ما اجبرت الجيش الاسرائيلي على التوقف عن التدريب. من المحظور ان يحدث ذلك مرة اخرى. نفس الشيء بالنسبة للتعليم. وضع جهاز التعليم في اسرائيل هو تهديد استراتيجي لمستقبلها. بدلا من التقليص يجب الاستثمار وتحويل الميزانيات ولا سبيل اخر. فنحن اصلا من دون تقليص متخلفين عن باقي العالم. ليست القنبلة الايرانية وحدها التي تتكتك في الافق، بل هناك تلاميذ ايران الذين يفوقون تلاميذ اسرائيل في كل المقاييس تقريبا، وهذه مسألة تستوجب قلقنا.

الحل الوحيد هو ذاك الذي ينفذونه الان في طول العالم وعرضه. اختراق اطار الميزانية وبصورة هوجاء حتى. هذا ضروري لانقاذ الاقتصاد وهو يغير الدم في العروق ويعطي حقنة تحفيزية للجسد المصاب بالرجفة والذي يضيع من بين ايدينا في مواجهة الانهيار المالي في العالم. النماذج الاقتصادية التي يرتكز عليها نتنياهو ويوغاف ومسؤولو المالية هي نماذج قد رحلت عن العالم. تدريج الاعتمادات لم يعد يقلق احدا منذ زمن. ليست امريكا وحدها التي تغرق اقتصادها بالمال بل كوريا والصين والهند ودولا اوروبية كثيرة. المال وحده والكثير منه في الاسواق هو الذي سيغير الاتجاه ويبقي الجميع احياء.

وزارة المالية في القدس لم تلتقط هذه الفكرة بعد ولا محافظ الدولة ايضا. المستشار الاقتصادي الجديد لوزير المالية شتاينتس البروفيسور عمر موآب قال في جلسة الحكومة الاخيرة ان من الواجب الحفاظ على السياسة المحافظة وقدم دعمه لنهجه مسؤولي المالية. المسألة هي ان موآب قال امورا معاكسة عندما ظهر في المرة السابقة امام لجنة المالية في آذار من قبل ان يحصل على وظيفته من شتاينتس. هو قال انه ادعى دائما ان من الواجب شد الاحزمة على البطون في الاوقات الجيدة حتى يكون هناك مجال للاوقات السيئة. الان قال نحن في الاوقات السيئة ويجب ان نرخي الحزام.

هذه المعركة حول الميزانية ستحدد اللهجة السائدة في الاسابيع القادمة. بعدها سيتوجه نتنياهو لخوض معركة العمر حول الخطة السياسية. ليس من السهل  ان تكون هنا رئيس وزراء فقد كان رئيس وزراء مرة والان ها هو يدخل للمرة الثانية فتتعقد الامور مع دخوله. اعوانه يعملون بكد وديوانه خال من الموظفين بعد واطراف خارجية كثيرة تدس اياديها عميقا. لم يعين بعد مديرا عاما لديوانه وليست هناك خطة ولكن المشاكل لا تتأثر كثيرا بهذه الحقيقة. اعوان بيبي يتذمرون من ان الحكومات السابقة قد فرطت بالقضية الايرانية واهملتها وخصصت اغلبية وقتها لمحادثات فارغة من المضمون مع الفلسطينيين او فك ارتباط كلف ملياري دولار، بدلا من اعداد اسرائيل لمجابهة ايران. كل ما تبقى لهم ليفعلوه الان هو اقناع الامريكيين ايضا.