هذا هو حجم محمود الخواجة.. بقلم/ شريف الحلبي

الساعة 10:58 م|21 يونيو 2022

فلسطين اليوم

"محمود هو الفارس الذي جعل المخيم الفقير يشكل تهديداً استراتيجياً" بهذه الكلمات كان ينعي مؤسس الحركة الدكتور فتحي الشقاقي مؤسس جهازها العسكري محمود الخواجة. صدق الشقاقي، فقليلون هم الذين يستطيعون أن يُغيروا معادلات منطق عالم الاستكبار الذي يرتبط بحسابات القوة المادية، ونادرون أولئك الذين يتغلبون على قوانين الفيزياء السياسية التي تُروض العقول لتقبل بواقعية الأحجام، والعظماء هم أولئك الذين يجبرون التاريخ أن يتوقف عند كل محطة من محطات حياتهم ليتذَخُر ببطولاتهم فيواصل مسيرته قوياً يواجه من يحاول عرقلته أو ايقافه، ويتطهر ببركة صنيعهم مما لحق به من تدنيسٍ وتدليسٍ وعارٍ وتطبيع على أيدي مزوري التاريخ وأعداء الحقيقة. محمود من أولئك القليلين النوادر العظماء، فقد جعل مخيم الشاطئ الفقير المتواضع والمهجر أهله، يتفوق في الميزان السياسي وفي قوة الإرادة على دول تمتلك جيوشاً عرمرم، وترسانة أسلحة ضخمة، فالمخيم يعاند ويبادر ويقاتل فيما هذه الدول تقف عاجزة يائسة مستسلمة منبطحة أمام الكيان الصهيوني، لقد أجبر الإستشهاديون الذين كان يجهزهم ويرسلهم محمود ليتوزعوا شظايا من نورٍ ونار على امتداد الوطن وفي مفترقاته قرباناً للحق والعدل والحرية والكرامة، أجبروا رعاة الكيان الصهيوني المجرم وزعماء الإرهاب في العالم أن يجتمعوا صاغرين في شرم الشيخ ليُنقذوا "اسرائيل" ويمسحوا دموع قادتها، ويعيدوا توازن دولة الكيان التي ترنحت وتصدعت وتزلزلت من قوة الانفجارات التي مزقت أجساد الجنود القتلة، وأرهقت مستوطنيها مواكب الجنائز يوماً تلو الآخر، محمود جاء في زمن الهرولة العربي والتيه والضياع وانحراف البوصلة ليكون الخريطة في أطلس الذاهبين إلى القدس، ودليل الحيارى في الطريق إلى الأندلس، هذا هو حجم محمود الذي يجب أن تعرفوه، وتعرفه كل الأمة، ويعرفه رفاقه وأهله.
وفي زماننا اليوم يتكرر المشهد، بل تزداد وتيرة الهرولة، ويصبح التطبيع مع القتلة ضرورة يفرضها الأمر الواقع، ويتخبط بعض "الثورجية" في تحديد البوصلة، وتتقطع فلسطين "الأرض المباركة" إرباً إرباً على مائدة "أوسلو" وعقيدة التنسيق الأمني، ولسان حال الوطن المنكوب يصرخ "ألا من شرم شيخٍ جديد!" يذرف فيه المجتمعون الدمع على أشلاء الصهاينة الأنجاس وهي تتطاير كيوم بيت ليد المشهود، وتعتصر قلوبهم القاسية ألماً على مشاهد جنود النخبة وهي تصرخ "إيما إيما شيلي!".
لم يمت شمس فلسطين الذي تشرق سيرته نوراً في قلوبنا لأن النعش لا يتسع للشمس، ولم ينتهِ زمن محمود، ولم يُغيّبه رصاص القتلة الذين اعترفوا أخيراً بغدره وقتله، فلا يزال الجهاد الإسلامي ولّاداً بنماذج بعنفوان محمود وإرادته وصلابته، نراهم في مخيم جنين وفي غزة وفي السجون وفي ساحاتٍ متعددة، لا زالت أصوات الانفجارات تدوي في "تل أبيب" بفعل صواريخ السرايا والقسام وكأنها صدى بيت ليد وكفار داروم ونتساريم، ولا زالت أوصال الكيان الصهيوني ترتعد من رجالٍ أشداء يقودون المسيرة في الحركة بل في محور المقاومة لا يضرهم من خالفهم.
محمود غبت جسداً ولكنك كما قال عنك القائد الوطني الكبير الفقيد د. رمضان شلح تطل يا محمود من دمنا المقاتل، تجيء من زرد السلاسل، في ضحكة الأطفال في حزن الأرامل. فقرّ عيناً أبا عرفات، وفي الجنة الملتقى إن شاء الله.

كلمات دلالية