ماذا سيعرض بايدن على السعودية؟ وماذا سيطلب منها...؟- راسم عبيدات

الساعة 07:10 م|17 يونيو 2022

فلسطين اليوم | راسم عبيدات

العلاقات التاريخية التي ربطت السعودية بأمريكا على مدار ثمانين عاماً كانت قائمة على نظرة أمريكية للسعودية على أنها محمية أمريكية، عليها تقديم الأموال لتمويل الحروب الأمريكية، وضخ النفط لمنع حدوث نقص في الأسواق العالمية، كما هو حاصل الآن، بسبب الحرب الروسية مع أمريكا ودول أوروبا الغربية على الساحة الأوكرانية، والتي أرادت أمريكا من خلالها محاصرة روسيا "وتقزيمها"، ولعل الرئيس الأمريكي السابق ترامب قد عبر عن تلك السياسة بشكل سافر ووقح، عندما قال لحكام السعودية، أنتم دولة غنية وعليكم دفع الأموال لنا، ولا يوجد لديكم شيء آخر غير المال، وإذا ما رفعنا عنكم الحماية، فلن تصمدوا أمام إيران عدة ساعات، ولذلك أثناء زيارته للسعودية في أيار عام 2017، وقع عقود ضخمة من أجل الاستثمارات السعودية في الاقتصاد والبنى التحتية والشركات الأمريكية، بالإضافة إلى صفقات ضخمة من السلاح، وفي تلك الزيارة حاولت السعودية، أن تؤكد زعامتها للعالمين العربي والإسلامي، وعقدت القمم عربية واسلامية بمشاركة ترامب... والنتيجة تمكن ترامب الرئيس الأمريكي الأسبق من "استحلاب" السعودية مالياً بحوالي نصف تريليون دولار، وبقي هذا النهج هو الثابت لسياسة الرئيس الأمريكي الأسبق "استحلاب" أمريكي مالي للسعودية مقابل ما يسمى بالحماية، وصفقات ضخمة من السلاح الأمريكي للسعودية بمليارات الدولارات.

العلاقات السعودية - الأمريكية تدهورت بعد توقيع الرئيس الأمريكي الأسبق أوباما للاتفاق النووي مع طهران عام 2015، وتوجه أمريكا نحو شرق آسيا لمواجهة الصعود الصيني، ولكن مع فوز ترامب الجمهوري بالانتخابات الأمريكية وتسلمه مهامه في كانون ثاني/2017، عاد الدفء للعلاقات الأمريكية السعودية، وفق معادلة، السعودية خزان نفط وكيس مال بالنسبة لأمريكا تدفع المال لتمويل حروبها، وتضخ النفط لمنع ارتفاع أسعاره في الأسواق العالمية، ويجري توظيفه بما يضخم أمريكا واقتصادها ومصالحها.

ولكن مع فوز الرئيس الأمريكي الديمقراطي جو بايدن في الانتخابات الأمريكية في أواخر عام 2020، عادت العلاقات السعودية - الأمريكية لكي تنتكس من جديد، وشكلت قضية مقتل الصحفي السعودي الخاشقجي في سفارة بلاده في تركيا ، على يد فريق اغتيال سعودي، قالت التحقيقات بأنه مرتبط مباشرة بولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وقضية الديمقراطية وحقوق الإنسان، والدعم السعودي والإماراتي من قبل وليي العهد السعودي محمد بن سلمان والإماراتي محمد بن زايد، للرئيس الأسبق ترامب ودعم حملته الانتخابية وتمويلها، كانت قضايا جوهرية في رسم معالم السياسة الخارجية الأمريكية مع السعودية والإمارات، حيث في سابقة غير معهودة في تاريخ العلاقات الخليجية – الأمريكية، تجاهل الرئيس الأمريكي قادة السعودية والإمارات، وبدأ بايدن عهده بوقف الدعم العسكري للتحالف، الذي تقوده السعودية ضد اليمن، ورفع جماعة "أنصار الله" عن قائمة الإرهاب الأمريكي، ورفع كذلك السرية عن أجزاء من تقرير للاستخبارات الأميركية يتّهم ضمناً ولي العهد السعودي بالمسؤولية عن قتل الصحافي جمال خاشقجي.

التجاهل الأمريكي لأمراء تلك الدولتين، رغم كل العلاقات التاريخية، التي جمعت هاتين البلدين بأمريكا، دفعت بهما للبحث عن بدائل، دون الوصول الى مرحلة المساس بالعلاقات التاريخية مع أمريكا، بحثوا عن بدائل عند الروس والصينيين، والإمارات امتنعت مرتين في مجلس الأمن الدولي عن التصويت على قرار يدين روسيا قدمته أمريكا، على خلفية الحرب الجارية في أوكرانيا، والسعودية رفضت طلبا أمريكياً لزيادة ضخ النفط السعودي بمليون برميل يومياً لتغطية النقص الحاد في أسواق الطاقة العالمية، ومنع ارتفاع أسعاره بشكل كبير جداً.

لم تفلح أمريكا في اقناع السعودية في زيادة انتاجها من النفط، رغم كل الاتصالات واللقاءات التي أجرتها مع قادة السعودية، فهي أرسلت إلى المملكة في منتصف أبريل/نيسان الماضي، مدير الاستخبارات الأميركية وليام بيرنز، الذي اجتمع بولي العهد السعودي في مدينة جدّة، وكذلك أجرى وفد أميركي كبير برئاسة نائبة بايدن زيارة لأبو ظبي للتعزية بوفاة رئيس دولة الإمارات الراحل، الشيخ خليفة بن زايد.

أنا أدرك بأن زيارة بايدن للمنطقة التي تقررت في الشهر القادم من 13 – 16، محطتها الأساسية ليست دولة الكيان، بل محطتها الرئيسية السعودية، التي طالما قال بايدن أنه سيجعلها دولة منبوذة، وهو لن يلتقي بولي العهد السعودي، بسبب ملف قتل الخاشقجي وقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان، ولكن هذه المواقف لم تصمد أمام المصالح الأمريكية وحاجتها للنفط هي أولاً قبل أوروبا الغربية، فسعر جالون النفط أصبح 5 دولارات، و"هذا من ناحية الإدارة الأمريكية ضوء أحمر وحالة طوارئ".

ولذلك يأمل بايدن أن تقوم السعودية بزيادة إنتاج النفط، بما يغطى النقص في الأسواق العالمية، ويخفض من أسعاره، وكذلك يخفض من التضخم المالي في أمريكا، لكي يحسن من فرص الفوز للديمقراطيين في الانتخابات النصفية في تشرين ثاني القادم.

وفي هذه الزيارة للرئيس الأمريكي للمنطقة ولقاءه بولي العهد السعودي، يهتم العالم بمعرفة، ماذا سيطلب الرئيس الأمريكي من ولي العهد السعودي وماذا سيعرض عليه، لأن ذلك سيتوقف عليه رسم معادلات إقليمية ودولية..

ولنبدأ في العرض، والذي لن يتجاوز نقطة واحدة، هي التغاضي عن ملف مقتل الخاشقجي، من أجل تسهيل تولي ولي العهد السعودي للعرش، وبالمقابل هناك ثلاث طلبات من ولي العهد السعودي، إشهار علني وعلى رؤوس الأشهاد، للعلاقات التطبيعية السعودية- "الإسرائيلية" في كافة المحالات والميادين أمنية وعسكرية وسياسية واقتصادية، وتصبح السعودية العراب لهذا التطبيع، دون ربط لذلك بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني أو "الصنمية" العربية، ما يعرف بمبادرة السلام العربية، والتي جوهرها سعودي، وجرى إقرارها في قمة بيروت/ 2002، وجوهرها قائم على "الأرض مقابل السلام"، والتي قال عنها رئيس وزراء الاحتلال في حينه شارون، بأنها لا تساوي قيمة الحبر الذي كتبت به، وهي كذلك، وبايدن سيدشن هذا التطبيع العلني بالسفر بطائرته الخاصة مباشرة من مطار اللد إلى مطار الرياض.

على السعودية أن تبقي علاقاتها ومفاوضاتها مع إيران و سوريا معلقة أو في حدودها الدنيا، واعتبار ذلك من شأن أمريكا، فإذا ما جرى التوصل لاتفاق مع طهران حول ملفها النووي، فستكون السعودية جائزة "الترضية" لدولة الكيان، وإذا ما فشلت المفاوضات مع طهران، تكون السعودية ساحة المواجهة مع طهران، والمطلب الأمريكي الثالث هو، الطلب من السعودية زيادة ضخ نفطها إلى الأسواق العالمية، وبما يخفض سعر برميل النفط إلى ما دون المئة دولار، لكي يحد من الأثار الاقتصادية والاجتماعية في أوروبا الغربية، والناتجة عن النقص في الغاز والنفط الروسي، بسبب اشتراط روسيا الدفع بالروبل الروسي، لكل دولة التزمت بالعقوبات الأمريكية عليها، وهذا يعني بأن السعودية ستكون كبش محرقة في الحرب مع روسيا وخزان نفط وكيس أموال في حروب أمريكا.