خبر « المشاحنة الجيدة » بين واشنطن وإسرائيل .. بقلم روجير كوهن

الساعة 09:41 ص|30 ابريل 2009

بقلم روجير كوهن ـ نيويورك تايمز ـ النهار اللبنانية ـ ترجمة نسرين ناصر 30/4/2009

بدأت المشاحنة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وهذا أمر جيد. لا تتحقق المصالح الإسرائيلية من خلال إدارة أميركية لا توجّه أي انتقادات لإسرائيل. فالدولة اليهودية أصبحت أقل أماناً ومحبوبة بدرجة أقل جرّاء السياسة التي انتهجتها واشنطن بعد 11 أيلول وقوامها "إسرائيل لا يمكن أن تخطئ".

الانتقاد لحكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو المنتمية إلى يمين الوسط وجّهه مصدر غير متوقَّع: وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون. لقد انتقلت بثقة بالنفس من حسابات مصالحها التي كانت تقوم بها عندما كانت سيناتوراً عن نيويورك إلى تقويم هادئ للمصالح الأميركية. والمصالح الأميركية لا تلتقي دائماً مع المصالح الإسرائيلية.

سمعت أن كلينتون صُدِمت بما رأته في الزيارة التي قامت بها إلى الضفة الغربية الشهر الفائت. هذا ليس مفاجئاً. فالانتقال من ضجيج العالم الأول في إسرائيل إلى الحمير والعربات والمتبطّلين في الجهة الأخرى من جدار الفصل أمر موجِع جداً. وإن كان من أمر تكترث له كلينتون، فهو المعاناة البشرية.

في الواقع، لا تقود هذه الأيام سيارتك في اتجاه الأراضي الفلسطينية بقدر ما تغور فيها. فكل شيء، ما عدا سيارات المستوطنين اليهود على أوتوسترادات مسيَّجة مخصّصة فقط للمستوطنين، يتباطأ. يحل صوت المطرقات مكان ضجيج البيزنس.

مشهد الضفة الغربية المقفر بكامله مزروع بمستوطنات أشبه بالمواقع العسكرية على قمم التلال. إن كنت تبحث عن معلومات أولية عن الاستعمار، فهذا ليس مكاناً سيئاً لتبدأ منه.

لا يرى معظم الإسرائيليين ذلك إلا إذا كانوا في الجيش. أما كلينتون فقد شهدت عليه. وعلمتُ أن الإذلال من حولها أثار اضطرابها.

لقد نبّهت كلينتون نتنياهو إلى وجوب الخروج من "الخطوط الجانبية" في ما يتعلق بجهود السلام الفلسطينية. تجدر الإشارة إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي وحزبه اليميني "الليكود" لم يقبلا بعد بنظرية حل الدولتين.

في إفادتها أمام مجلس النواب الأميركي الأسبوع الفائت، قالت كلينتون "كي تحصل إسرائيل على الدعم الذي تسعى إليه حيال إيران، لا يمكنها المكوث عند الخطوط الجانبية في ما يتعلق بالفلسطينيين وجهود السلام. المسألتان تسيران جنباً إلى جنب".

كان هذا توبيخاً مباشراً لمعاوني نتنياهو الذين قالوا لصحيفة "واشنطن بوست" إن إسرائيل لن تخطو أي خطوة في محادثات السلام ما لم تكبح الولايات المتحدة برنامج إيران النووي ونفوذها المتصاعد في المنطقة.

على الرغم من أنني لا أوافق على أشكال الربط بين إيران والسلام الإسرائيلي-الفلسطيني التي يلجأ إليها نتنياهو وكلينتون – ليست المسألة المطروحة ما السبيل لتهديد إيران بل ما السبيل لجعلها تنضم إلى داخل الخيمة – إلا أنني أتّفق مع كليهما على وجود رابط. في مدريد وأوسلو وأنابوليس، أي طوال ستة عشر عاماً، بُذِلت محاولات لإحقاق السلام مع إقصاء إيران في الوقت نفسه. لا ينجح ذلك؛ ولن ينجح الآن.

المطلوب هو إطلاق جهود السلام بين إسرائيل وفلسطين والسعي في صورة متوازية لتحقيق تقارب أميركي-إيراني.لهذا من المهم جداً أن كلينتون قالت لنتنياهو إنه لا يستطيع التهرب من العمل من أجل السلام – ويعني ذلك وقف الاستيطان في الحال – عبر الالتفاف على المسألة من طريق استخدام الموضوع الإيرني.وأشارت كلينتون أيضاً إلى تحوّل مهم في موضوع "حماس" التي تصفها وزارة الخارجية الأميركية بأنها مجموعة إرهابية. ففي حين شدّدت على وجوب عدم تدفق أي أموال لحركة "حماس"، "أو أي كيان خاضع لسيطرتها"، قالت إن الخيارات الأميركية ستبقى منفتحة على إقامة حكومة وحدة فلسطينية تجمع بين "فتح" المعتدلة و"حماس".قالت كلينتون انه إذا جمعت حكومة الوحدة الفلسطينية بين ثلاثة شروط – نبذ العنف، والاعتراف بحق إسرائيل في الوجود، والتقيّد بالاتفاقات السابقة – سوف تكون الولايات المتحدة مستعدّة للتعامل معها، بما في ذلك من طريق اقتراح مساعدات مقدارها 900 مليون دولار. تتعامل واشنطن مع الحكومة اللبنانية التي يسيطر فيها "حزب الله" على 11 من أصل 30 مقعداً، على الرغم من أن "حزب الله" يُعتبَر أيضاً مجموعة إرهابية.

هذه السياسة الأميركية المتغيّرة أكثر منطقية بكثير من السياسة السابقة التي كانت تصر على تلبية "حماس" نفسها – وليس حكومة وحدة فلسطينية – الشروط الثلاثة. لا يمكن تحقيق سلام عبر الادعاء بأن "حماس" غير موجودة، ولذلك يجب أن يكون العمل من أجل تحقيق الوحدة الفلسطينية أولوية أميركية.

سوف يثير هذا التحول الملحوظ غضب إسرائيل، مع أنها تتعامل بصورة غير مباشرة مع "حماس" من طريق مصر. يتعارض موقف إسرائيل الرسمي من "حماس" – الذي يعتبر أنه يجدر بالحركة الاعتراف بإسرائيل قبل الشروع في أي محادثات – تعارضاً كبيراً مع المنهجية التي تعتمدها إسرائيل بحكم الأمر الواقع منذ عام 1948.إذاً إنه أسبوع أحيي فيه كلينتون، على الرغم من أنها ارتكبت خطأ عندما تحدّثت عن فرض "عقوبات مسبِّبة للشلل" على إيران إذا فشل التقارب المقترح. لم تنجح العقوبات ولن تنجح.لن تجلس طهران إلى طاولة المفاوضات إذا اعتبرت أن اليد التي يمدّها إليها أوباما هي مجرد تمهيد خادع لفرض إجراءات "مسبِّبة للشلل". نصيحتي إلى طهران: انتبهي لما يقوله أوباما. هو من يحرّك السياسة الأميركية حيال إيران.يتصرّف أوباما بطريقة تعني أن الاحتكاك الإسرائيلي-الأميركي الواضح في كلام كلينتون سوف يكون موضوعاً أساسياً في سنته الأولى في الرئاسة. لي هاميلتون، رئيس مركز وودرو ويلسون قال لي "انطلقت مبادرات تظهر أنه ستكون هناك بعض الاختلافات الأساسية في تعاطي الولايات المتحدة مع إسرائيل". وأضاف أن نتنياهو "قد يكون أكثر مرونة بقليل مما يوحي به". هل يصبح نتنياهو صانع السلام مثل مناحيم بغين؟ ليس هذا مستحيلاً. كما أنه يمكن أن يصبح أوباما صانع السلام بالنسبة إلى طهران. شرط أن يعمل الرئيس على الجبهتين دفعة واحدة.