اغتيــــال عبر الصورة

الساعة 11:07 ص|11 يونيو 2022

فلسطين اليوم

بقلم:د. سمير محمد زقوت

هذا العنوان قفز إلى ذهني بعد فوز المصور الصحفي الشاب  داوود أبو الكاس بالمركز الثالث في مسابقة التصوير الإنساني "أنا إنسان"، فهل يمكن اغتيال الانسان عبر الصورة ؟ أو هل يمكن اغتيال شعب عبر الصورة ؟.

إجابتي على السؤال نعم، لقد تم نشر صورة هيريشيما في اليابان وبعدها صورة نجازاكي لارهاب العالم , وارهاب اليابان , واستسلمت اليابان وربحت امريكا وحلفائها الحرب بعد نشر صورة الدمار والموت الذي حل بهاتين المدينتين, فكان اغتيال شعب بأكمله عبر الصورة.

واستمرت عمليات غسيل الدماغ عبر الصور ولكن بصورة متطورة أكثر , حيث أنه بعد الحرب العالمية الثانية وما حدث في اليابان, قرر الأميركيون تغيير اسم وزارة الحربية لديهم الى اسم وزارة الدفاع , في محاولة جادة لتغيير صورة الامريكي المتوحش قاتل اليابانيين بالنووي , الى صورة الامريكي الانسان المدافع عن الديمقراطية والحرية , فجيش الدفاع الامريكي هو جيش يدافع ولا يهاجم يحمي المدنيين ولا يقتلهم , هذا هو الهدف من التسمية , وقد اقتدي الاسرائيليون منذ البداية بسيدهم الامريكي فسموا وزارة الحرب لديهم باسم وزارة الدفاع , والجيش باسم جيش الدفاع الاسرائيلي.

ومن مهام وزارتي الدفاع الامريكية والإسرائيلية والمخابرات الامريكية والإسرائيلية دراسة الشخصيات المؤثرة في الأمم الأخرى أو ما يعرف باسم الأنثروبولوجيا الثقافية.

وقد ركزت دراسات الأنثروبولوجيا الثقافية الامريكية والإسرائيلية على دراسة شخصيات الرؤساء العرب , وكذلك زعماء المقاومة الفلسطينية مثل القائد ياسر عرفات ومن حوله مثل ابو اياد وابو جهاد وابو مازن الرئيس الفلسطيني الحالي , ومن خلال الدراسة العميقة للشخصيات يتم وضع الخطط للسيطرة عليها وجرها الى مربع التطبيع سواء مع الامريكي أو الاسرائيلي.

وقد وجدوا أن من أهم نقاط الضعف الأساسية في الشخصية العربية, الميل الى الانقسام والتشرذم, والاهتمام الشديد بموضوع الجنس وانتهاك العرض والإذلال الجنسي.

 

ولهذا تم التركيز على النواحي الجنسية في استدراج العملاء الفلسطينيين , وكذلك في  اقتراف الجرائم اللاأخلاقية بحق السجناء سواء في السجون الامريكية أو الاسرائيلية , وقصة الاسير اللبناني مصطفى ديراني واتهامه الكابتن جورج باغتصابه والتنكيل به خلال التحقيق معه بعد اختطافه من بيته في عملية عسكرية وقدم ضده دعوى قضائية ضده وضد دولة الاحتلال , وقد نشرت صحيفة يديعوت أحرونوت حوار مع "الكابتن جورج" من وحدة الاستخبارات العسكرية "504" كشفت فيه عن هويته الحقيقية واسمه الحقيقي  "دورون زهافي" , هذا النشر متعمد ومخطط له , وتتكرر الصورة يومياً مع الاسرى الفلسطينيين من خلال الاعتداء عليهم بابشع انواع الجرائم اللاأخلاقية. 

وفي هذا الإطار نرى كيف يسرب الجنود عينات من الصور للسجناء الفلسطينيين في السجون الاسرائيلية , وأبشع صور الاغتيال من خلال الصورة ما حدث مع السجناء العراقيين في سجن ابو غريب في العراق  , ونشر صور للرئيس صدام حسين بملابسه الداخلية في السجن إمعاناً في الاهانة.

وقامت اسرائيل باستخدام نفس التكتيك بنشر صور أحمد سعدات الامين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين مكبل اليدين والرجلين , وكذلك صور أبطال نفق الحرية مكبلين , وصور أسعد يوسف الرفاعي وصبحي عماد صبيحات مكبلين , وكذلك نشر فيديو فاضح لرفيق الحسيني المسؤول عن ملف القدس في ديوان الرئاسة الفلسطينية.

ويمكن القول أن الولايات المتحدة واسرئيل تعرضان صور السجناء رغم علمهما بأن هذا يعتبر انتهاكاً لاتفاقيات جنيف الخاصة بالمعاملة الانسانية لأسرى الحرب.

وقد بينت الصحف العراقية إنقسام العراقيين في النظرة الى صور صدام , فمنهم من فرح بهذه الصور , ومنهم من حزن , ويعد هذا ضمن التحليل النفسي الانثروبولوجي للشخصية العربية التي تميل الى الانقسام ورؤية الاشياء وفق منظورها الايدولوجي الخاص.

على العكس من الشخصية العربية مثلاً الشخصية الصينية , حيث يذكر الرئيس الامريكي نيكسون في مذكراته أن زعيم الصين ماو تسي تونغ رفض كلام نيكسون السلبي عن عدوه الصيني الآخر تشان كاي تشك , هذا الفارق يبين هامشاً مهماً للفرق بين الكرامة القومية العربية , والكرامة القومية الصينية , وهذا الهامش توظفه الولايات المتحدة واسرائيل في سياساتهما الجديدة في تفتيت المنطقة العربية , خاصة بعد التطبيع العربي مع اسرائيل.

والسؤال المطروح لماذا نشر هذه الصور ؟  حسب تحليلي فإن نشر هذه الصور يرمي الى اغتيال الانسان العربي من خلال اذلاله ونشر صور بعض زعمائه بملابسهم الداخلية كما صدام أو الحسيني أو اذلاله من خلال نشر صور بعض قادته مكبلين كما أحمد سعدات وغيره من القادة الفلسطينيين. على صعيد الجمهور العراقي تكرس هذه الصور الإنقسام العراقي , والإختلاف على الموقف من صدام , وبالتالي فمن الطبيعي أن يؤدي نشر هذه الصور الى تعميق هذا الإنقسام الداخلي في العراق . على صعيد الجمهور الفلسطيني هذا الجمهور لا يتعاطف مع شخصيات السلطة الفلسطينية المتعاونة مع اسرائيل , ونشر صور رفيق الحسيني يهدف الى زيادة الانقسام الفلسطيني. خلاصة الامر يتم اغتيال الانسان من خلال الصورة , فالهدف هو اذلال الانسان واظهار قوة العدو فقادة المقاومة المكبلي الايدي والارجل , صورة تنم عن الضعف وصورة صدام تنم عن الضعف والاهانة , وستستمر هذه العمليات مادام الاحتلال مستمراً.

كلمات دلالية