"قبر يوسف" في نابلس: ذنب "أوسلو" الذي لا يغتفر وبؤرة الصراع الساخنة

الساعة 09:48 ص|28 مايو 2022

فلسطين اليوم

داخل حدود مدينة نابلس التي تعد من كبرى المدن الفلسطينية، ويفترض خضوعها بشكل كامل للسلطة الفلسطينية، لا يزال "قبر يوسف" في مدينة نابلس بالضفة المحتلة، يُشكل بؤرة صراع ساخنة وجبهة اشتباك دائم مع قوات الاحتلال "الإسرائيلي".

آخر ضحايا الصراع على قبر يوسف كان الفتى غيث يامين (16 عامًا) والذي استشهد فجر الأربعاء الماضي خلال مواجهات مع قوة من جيش الاحتلال كانت تؤمن الحماية لمئات المستوطنين الذين اقتحموا الموقع بدعوى إقامة صلوات تلمودية، وهو أمر متاح لهم وفق اتفاقية "أوسلو".

والشهيد يامين يضاف إلى سلسلة طويلة من الشهداء والجرحى الفلسطينيين، يزداد طولها مع كل اقتحام جديد للمستوطنين الذين يتقنون لغة الاستفزاز، والتي تدفع الشبان  والفتية الفلسطينيين للذود عن كرامتهم قبل كل شيء.

ويقر مسؤولون وباحثون وخبراء فلسطينيون بأن اعتراف السلطة الفلسطينية، وفقًا لبنود اتفاقية أوسلو، بقبر يوسف كمكان مقدس لليهود في قلب مدينة نابلس كان سقطة كبيرة وثغرة استغلها غلاة المستوطنين المتدينين والمتطرفين لمحاولة انتزاع المكان وسلخه حتى عن ذاكرة الفلسطينيين.

مزار للمستوطنين

وكان الاحتلال قد بسط سيطرته على "قبر يوسف" أو "مقام يوسف" عند احتلال نابلس في حزيران 1967، وتحول الموقع إلى مزار للمستوطنين يقيمون فيه طقوسهم التلمودية باستمرار، وفي عام 1986 أنشأ الاحتلال فيه مدرسة يهودية لتدريس التوراة، وفي عام 1990 تحول القبر إلى نقطة عسكرية يسيطر عليها جيش الاحتلال.   

ويؤكد الفلسطينيون أن "مقام يوسف" هو مبنى إسلامي ومسجل لدى الأوقاف، ويضم ضريح أحد الأولياء الصالحين يدعى "الشيخ يوسف دويكات"، فيما يزعم الإسرائيليون أن المبنى يضم رفاة النبي يوسف عليه السلام، والتي أحضرها بنو إسرائيل معهم لدى خروجهم من مصر.

أعنف جولات الصراع

أعنف جولات الصراع حول "مقام يوسف" وقعت في العام 1996 خلال ما عرف بـ"هبة النفق" حيث وقع اشتباك مسلح بين قوى الأمن الفلسطيني وجنود الاحتلال، قتل خلالها 7 من جنود الاحتلال كانوا ضمن قوة تحرس "قبر يوسف".

تحريره من الاحتلال

وتكرر المشهد ذاته في الفترة ذاتها من عام 2000 عند اندلاع انتفاضة الأقصى، وقتل حينها أحد جنود الاحتلال وأصيب آخرون، كما استشهد ستة فلسطينيين بمواجهات دامية واشتباكات مسلحة، وأفضت المواجهات في حينه إلى انسحاب قوات الاحتلال من الموقع، وعبر الفلسطينيون آنذاك عن فخرهم بانتزاع "مقام يوسف" من أيدي الاحتلال.

وفي عام 2011، تسللت مجموعة من المستوطنين إلى القبر ليلًا بدون مرافقة قوات الاحتلال، وعند خروجهم، أطلق أفراد دورية الأمن الفلسطيني النار على مركبتهم بعدما رفضوا الانصياع لأوامرها بالتوقف، ما أدى لمقتل أحد المستوطنين.

وإلى اليوم لا يزال "قبر يوسف" مسرحًا للأحداث، وقد قام شبان فلسطينيون قبل أسابيع باقتحام المقام وتحطيم الضريح بداخله وإشعال النار فيه  وهو ما احتجت عليه إسرائيل ووصفتة بـ "التطور الخطير".

وقالت السلطة الفلسطينية في حينه بأنها ستقوم بترميم المقام كونه يقع تحت مسؤوليتها، إلا أن الجانب الإسرائيلي قام بأعمال ترميم في الموقع من دون انتظار قيام السلطة بهذا الأمر.

ويقول خبير الآثار الفلسطيني، الدكتور ضرغام الفارس، بأن هذا المقام لا يحتوي على قبر النبي يوسف عليه السلام، وأن الاعتقاد بأنه قبر النبي يوسف يوسف هو تقليد ديني بدأ في الفترة البيزنطية.

وأضاف: علينا كفلسطينيين أن نحرص على ترميم هذا الموقع والحفاظ عليه، ليس هذا المبنى فقط وإنما كل المباني والمواقع والبقايا الأثرية في فلسطين مهما كان تاريخها، والسبب هو أن كل ما على أرض فلسطين وفي باطنِها من آثار لمختَلِف الحضارات والأديان هو مُلك للشعب الفلسطيني، فالشعب الفلسطيني هو الشعب الذي بدأ وثنيًا ثم تطور لديه مفهوم الإله ليعتنق الديانات اليهودية والسامرية ثم المسيحية إلى أن اعتنق الغالبيةُ الإسلام.

وقال: حينما نتحدث عن دولة الاحتلال فنحن نتحدث عن غرباء احتلوا فلسطين ولا يربطهم بها أي رابط تاريخي أو عرقي وإنما هو رابط ديني يعطيهم الحق بالسياحة الدينية تحت سيادة الدولة الفلسطينية وبموجب قوانينها وليس  قوانين الاحتلال.

رواية القوة

من ناحيته يقول، الباحث في تاريخ فلسطين المحلي، غسان دويكات، أنه في العام 1941م قامت الشرطة البريطانية بحفر القبر الموجود داخل المقام، ولم يُعثر على أي رفات بشرية.

وأضاف: بعيدًا عن روايات التوراه التي يشكك فيها وينفيها آثاريون إسرائيليون مثل "إسرائيل فنكلشتاين"، نعلم أن أساس القصة هو استناد الرواية الصهيونية على القوة وليس على الحقيقة التاريخية والأثرية.

ويشير دويكات إلى أن البناء القائم حاليًا هو بناء إسلامي من الداخل والخارج، إذ يشتمل على محراب، وأقواس، وكان مدرسة في النصف الأول من القرن العشرين، تعلم فيها بعض كبار السن من روجيب وبلاطة وغيرها.

وذكر بأن الدولة العثمانية قد اعتنت بالمقام، وعينت له خادمًا، وفي العام 1904م كان خادم المقام من بلاطة البلد هو الشيخ فيض الله بن عبد الله الأسمر، وكان والي نابلس مكلفًا بتوفير لوازم المقام من زيوت وماء وغيره.

كلمات دلالية