خبر نصف دولة.. معاريف

الساعة 08:50 ص|28 ابريل 2009

بقلم: شالوم يروشالمي

1.اسرائيل دولة غير منضجة. فلا حدود لها، ولا دستور، ولا اتجاهات واضحة، وما زالت لا يوجد فيها شيء من الاستقرار. الحكومة التي انتخبت هنا في شباط الاخيرة هي الحكومة 32 في تاريخ الدولة. بعبارة اخرى تبدلت ها هنا حكومة في كل سنتين. ان حكومتين فقط تولتا ولاية كاملة: حكومة غولدا مئير بين 1969 الى 1973، وحكومة الوحدة بين العمل والليكود من 1984 الى 1988. للاسف الشديد فان هاتين الحكومتين المستقرتين في ظاهر الامر ايضا قد رمزتا في الاساس الى وضعنا الهش، والمؤقت وغير الناضج في هذه المنطقة.

انتخبت حكومة غولدا مئير في صيف 1969. لم تنجح الدولة في التحرر آنذاك من نشوة النصر الكبير في حرب الايام الستة. لم يدرك احد ان الانجاز العسكري هو شرك سيورط اسرائيل مع نفسها ومع العالم كله 42 سنة، ويهدد الدولة اليهودية التي اقيمت هنا اكثر من جميع الحروب الاخرى. في انتخابات 1969 حصل حزب العمل "او المعراخ كما كان يسمى انذاك" على 56 نائبا، وتلك دلالة على التقدير جراء نتائج الحرب. وكان هذا اكبر عدد حصلت عليه قط قائمة نافست في انتخابات اسرائيل. استفادت مئير انذاك ايضا من وجود الليكود المؤقت (الذي سمي انذاك غاحل) في الحكومة. كان كل شيء يبدو مثاليا واعلن وزير الدفاع موشيه ديان انه يفضل شرم الشيخ بغير سلام على السلام بغير شرم الشيخ.

في تشرين الاول 1978، قبل شهر من الانتخابات، نشرت هنا حرب يوم الغفران التي زعزعت الدولة كما لم يفعل اي حدث في تاريخها. دفعت اسرائيل في الحرب ثمنا باهظا عن هوادتها والاستخفاف بالعدو، والشعور السيادة ورفض كل مبادرة سياسية كنا نتلقفها اليوم بكلتا يدينا. في حرب يوم الغفران خسرت اسرائيل 2600 جندي، وجرح 7500 ووقع 361 جنديا في اسر المصريين والسوريين. تخيلوا جلعاد شليت مضاعفا بمئات الاضعاف. ان الولاية التي بدأت فوق السحاب انتهت عميقا تحت التراب.

واجهت مملكة اسرائيل الثالثة، وهو لقب الدولة بعد حرب الايام الستة مباشرة، واجهت خطر الخراب بعد ذلك باربع سنين. وكان التهديد الاسرائيلي الصريح باستعمال السلاح الذري، مع التنبه العسكري والاعمال البطولية فقط هي التي وقفت بصعوبة الهجوم السوري والمصري المنسق.

2.الولاية التامة الثانية التي كانت ترمي الى ان توحي اخر الامر بالاستقرار السياسي والاجتماعي عانت الاعراض نفسها تماما. فقد ذكّرت اسرائيل في بدء الثمانينيات بدولة معرضة للانحلال. فقد كان الاقتصاد على شفا انهيار تام، وارتفع التضخم ها هنا ارتفاعا غير معقول ووقف على ما يقرب من 400 في المائة في السنة. كانت الدولة منغرزة عميقا في لبنان في اطار حرب لا أمل منها كانت اسوء كثيرا من حرب فينوغراد الثاني. افضت تلك الحرب الى استقالة رئيس الحكومة مناحيم بيغن في آب 1983.

في الانتخابات التي تمت ها هنا في 1984 نشأ تعادل تام بين الكتلتين. تقرر لاول مرة في تاريخ الدولة اقامة حكومة وحدة وتناوب بين زعيمي العمل والليكود، شمعون بيرس واسحاق شامير. عملت هذه الوحدة على نحو جيد في السنتين الاوليين لسبب بسيط. ففي السنتين الاوليين اراد بيرس ان يحتفظ لنفسه بالسلطة. لم يسبب له شامير مشكلات كي يحصل على السنتين التاليتين. سجلت تلك الحكومة عدة انجازات ممتازة، وهو ما دل على القدرة العالية للدولة عندما توحد افضل قواها. تم القضاء على التضخم بفضل خطة لجعل الاقتصاد مستقرا وانسحبت اسرائيل اخر الامر من لبنان.

تهاوى كل شيء مرة اخرى، كما كان الامر دائما، للخلاف السياسي حول المناطق. بعد تداول السلطة اصبح بيرس وزير الخارجية وتوصل الى اتفاق سري مع حسين ملك الاردن، كان يرمي الى ان يعيد له السيطرة على الضفة. عارض شامير والليكود هذا الاجراء بما أوتوا من قوة، ومن المحقق انهم كانوا ينظرون اليه نظرا مختلفا اليوم. ان حكومة الوحدة الحقيقية الوحيدة التي عرفناها اصبحت سريعا حكومتين متشاكستين، واصبح نظام اتخاذ القرارات جامدا اشلّ. من المعقول جدا افتراض ان هذا كان سيكون مصير حكومة نتنياهو – لفني لو اقيمت قبل شهرين. كانت حرب الايام الستة تلك ستفض عراها ايضا. وفي هذه المرة حول الجدال الذي يتصل بدولتين للشعبين.

3.تدور اسرائيل حول أمنها الوجودي. هذا هو جوهر حياتنا هنا وهو ايضا المأساة الكبرى. اتحدث في كل فرصة عن الحسد الذي يصيبني في كل مرة ازور فيها دولة عادية في امريكا او اوروبا او الشرق الاقصى. لا يوجد شخص واحد في كندا او فرنسا او بريطانيا او اليابان يعلم من هو وزير الدفاع في دولته. ولا يوجد من يعلم ما اسم رئيس الاركان. بمقابلة ذلك يعلم الجميع جيدا وزير الخزانة، ووزير الداخلية، ووزير التربية او وزير حماية البيئة. عندنا يعلم الجميع ان ايهود باراك هو وزير الدفاع وان ليبرمان هو وزير الخارجية لكننا لا نملك حتى وزير صحة.

في الدول السليمة ميزانية الدفاع في الحد الادنى ولا تقتطع كما في اسرائيل نصف الميزانية. يمكن بثمن طائرة شبح واحدة اقامة جهاز تربية متقدم في النقب كله او الجليل الغربي. ويمكن بثمن 5 دبابات حل مشكلة سلة الصحة في الدولة سنة كاملة، وان ننقذ من الموت مئات الناس على حساب امكان ان يسقط الجنود هنا في الحرب القادمة ايضا. بالمال الذي نهدره على غواصة لسلاح البحرية يمكن ان نقضي على فروق اجتماعية مخيفة هي الكبرى في العالم الغربي.

ومع ذلك كله، اذا كانت هذه الدولة معجزة، وهي معجزة حقا، فان ذلك بفضل التربية والصحة، وجهازي القضاء والبحث والتطوير في كل المجالات وبرغم شروط البدء وشروط الاستمرار. ان من يبدأ من محرقة ابيد فيها ثلث شعبه؛ ومن يقيم دولة بعد ان يفقد 6000 شخص من 600 الف من السكان في حرب الاستقلال ثم يستوعب مئات الالاف من المهاجرين من العالم كله؛ ومن ينجح في ان يبني لنفسه حياة ديمقراطية طوال عشرات السنين في دولة تدعو فقط الى الديكتاتورية والحكم العسكري؛ هو بمنزلة عمل عجيب.

يؤسفنا فقط جميع الاخطاء الكبيرة التي قمنا بها في الطريق والتي كان يمكن ان يكون وضعنا بغيرها افضل كثيرا. يثور فينا احيانا انطباع اننا لا نبحث عن حل للمشكلات بالضبط. ان من يصر مثلا على ان يعترف العالم به في يوم استقلاله الـ 61 كدولة يهودية يبحث عن المشكلات بالقوة.

4.يحدد الامن ايضا صورة الحكومة التي ينتخبها. وهي مشكلة كبيرة في حد ذاتها. نبع اول انقلاب سياسي كان عندنا في آيار 1977 في الاساس من الاخفاق الامني لحرب يوم الغفران. لم توجد ها هنا قط انتخابات ولم تتحدث حكومات على اساس اقتصادي او اجتماعي. ولم يوجد ها هنا قط حملة انتخابية حقيقية على مشكلات داخلية واقتصادية، او مشكلات التربية والامن الشخصي والفقر والتقاعد او تلويث الهواء، فقد نحى الامن كل شيء. بعد حرب يوم الغفران أتت حرب لبنان الاولى، والانتفاضتان الاولى والثانية، وحرب الخليج، والموجات الارهابية والحرب في غزة، وهي التي رسمت خريطة الزعامة.

احزاب اليمين هي التي تكسب دائما في هذا الواقع. لا توجد ها هنا معركة نزيهة. فالحروب تجدي كثيرا على الليكود وعلى اسرائيل بيتنا وعلى الكتلة كلها. في هذه الظروف تكاد لا توجد حرية انتخاب. اذا سألتم كيف حكم اليسار ها هنا حتى 1977 فاننا نجيب ان الانجازات الامنية في حرب الاستقلال، وعملية كاديش والايام الستة تركته في الحكم حتى الاخفاق الكبير في يوم الغفران. واليسار اليوم لا تكفيه حتى حرب ناجحة. تدهور حزب العمل الى 13 نائبا بالرغم من ان باراك اراد عملية "الرصاص المصهور" في غزة وكان بنيامين نتنياهو والليكود جالسين في الخارج.

بالمناسبة تعلمنا من قصة الانقلاب الاول في 1977 قاعدة اخرى لا تزال سارية الفعل في هذه الايام ايضا، وهي ان التأليف بين الفشل الامني والفساد الشخصي قاتل لكل حكومة وزعيم. كان ايهود اولمرت ربما يستطيع تجاوز اعماله الفاسدة، وان يظل رئيس حكومة مشكلا وشرها مدة ولاية تامة او اكثر، لولا خزي حرب لبنان الثانية.

5.الاستنتاج مما كتبنا يفترض ان يكون انه ما دام لا يوجد سلام في البلد فلن يوجد استقرار في الدولة. والسؤال الان هل السلام واقعي ومن يتمه. والجواب معقد قليلا. السلام ليس واقعيا الا اذا نفذه زعيم من اليمين. هذه هي المفارقة المعروفة. ان زعيما من اليمين يحصل تلقائيا على تأييد الكثرة الغالبة من الجمهور من اليسار، وآنذاك تكفيه نسب ضئيلة من اليمين ليحظى بكثرة من اجل اجراءات سلمية حاسمة. والزعيم من اليسار الذي يخرج للحرب يحصل على العلاقة نفسها. كثرة غالبة من اليمين واقل منها في اليسار.

للسلام ثمن واضح. دولتان للشعبين بحسب حدود 1967 على التقريب، مشتملا على تقسيم القدس لعاصمتين وتسويات سيادة او حكم خاص للاماكن المقدسة ولا سيما جبل الهيكل. أمن الواقعي ان يجلي زعيم من اليمين 200 الف مستوطن عن بيوتهم، وينقل الى داخل اسرائيل سكان كريات اربع وبيت ايل الاولى والثانية، وعوفرا ويتسهار وايتمار ؟ يصعب علي ان اصدق، الا اذا وجد ها هنا رئيس حكومة يكون اقوى كثيرا من اريئيل شارون صاحب الشعبية، وبطل اسرائيل. مع ذلك كله اخلاء يهودا والسامرة والنزول التام عن هضبة الجولان اكثر تعقيدا من الامر في غزة.

الى ان ينشأ زعماء بهذا العظم اذا نشأوا، سنظل نغرق في وحلنا الخاص، ونبحث عن شركاء في الجانب الثاني ولن نجد، ونحول مئات المليارات من الشواقل الى الامن على حساب ما هو ليس اقل شأنا لنا جميعا، ونتجادل في كل فقرة من مسودة اتفاق سلام، لنستطيع آخر الأمر ان نعلم عليها بعلامة كبيرة، وسنظل ننمو ونكبر في ظروف غير ممكنة، ونرفع في كل سنة علم الاستقلال وننشد بتأثر كبير نشيد "هتكفا". لا يمكن وقف هذا اللحن حتى لو كان مؤذيا للآذان.